خلافات المترجمين وقلة خبرة بعض المحققين تعيق التحريات مع أسرى غوانتنامو

TT

ذكرت مصادر عليمة في بعثة الحكومة الاميركية في قاعدة غوانتنامو البحرية الاميركية في كوبا أن جهود البعثة للحصول على معلومات من مقاتلي منظمة القاعدة المعتقلين هناك تعرقلها مشاركة محققين ومترجمين وبيروقراطيين عسكريين يفتقرون الى الخبرة، كما اعاقتها النزاعات بين الوكالات الخاصة بتوفير الخدمات اللغوية. ووفقا لما ذكره بعض القريبين من عمليات التحقيق فإن سلطات الجيش الاميركي التي بعثت بعدد كبير من أكثر محققيها كفاءة وأقدر المتحدثين بلهجات الشرق الاوسط المختلفة الى افغانستان أجبرت على الاعتماد في تحقيقات قاعدة غوانتنامو على ضباط عسكريين ضعيفي الكفاءة ممن وجدوا انفسهم يحققون مع معتقلين مدربين على أساليب المراوغة. وفي حالات قليلة كان هناك محققون شباب في زيهم الرسمي لم يسبق ان اجروا تحقيقات من هذا النوع. وقال احد المترجمين الذين يعملون في القاعدة «ان بعض المحققين لا يملكون أية خبرة تذكر، فهم في غاية التوتر، يهزون اقلامهم ألفي مرة في الدقيقة الواحدة. اما المعتقل فيكون في منتهى التماسك، انه مقيد لكنه هو الذي يستمتع بالتحقيق».

وذكرت بعض المصادر ان مما ضاعف من المشكلة نقص المعرفة بنمط ما يعتبرونه «إرهاب الشرق الاوسط» بين ضباط القيادة العسكرية الجنوبية المتمركزة في ميامي التي اعاقت في مرات عديدة وصول معلومات اساسية الى قاعدة غوانتنامو. واضافت المصادر ان ذلك قد حد من قدرة المستجوبين على استجواب المعتقلين بأساليب ناجحة. اضافة الى ذلك، فإن شركتين كانتا قد وفرتا مترجمين نشب بينهما نزاع حسب ما اوردته مصادر مطلعة في القطاعين الخاص والعام.

وتعتبر هذه التقييمات التي صدرت عن ضباط عسكريين ومتعاقدين من القطاع الخاص أول اشارات الى العقبات التي تواجه المحققين بالسجن العسكري الذي شيد على عجل في القاعدة حيث يحتجز من يصفهم «البنتاغون» بـ«أخطر المعتقلين» من عناصر القاعدة وطالبان. ويحاول الضباط من خلال التحقيقات أن يحصلوا على معلومات حاسمة تساعد على إحباط عمليات ارهابية متوقعة مستقبلاً كما يحاولون تحضير قضايا جنائية ضد المعتقلين. ومن الصعب تحديد المدى الذي أعاقت به هذه المشاكل اللغوية والبيروقراطية جهود جمع المعلومات لكنها تشير الى ان الولايات المتحدة تفتقر الى الخبرات التي تتطلبها الحرب ضد الارهاب. وصرح الكولونيل رون وليام المتحدث باسم القيادة العسكرية الجنوبية أن مشاكل المحققين والمترجمين تعتبر مشاكل مؤقتة، ونفى أن يكون بينهم من لم يستطع القيام بواجبه.

وقال ويليام «لا اعرف حالات استطاع فيها معتقل ان يسيطر على الوضع، لكن قد يحجم المعتقل عن تقديم معلومات»، مضيفا «أن الامور تتطلب توفر المزيد من الوقت كي يمكن الوصول الى الخبرة الكافية في اي حقل». ونفى وليام بشدة ان تكون القيادة الجنوبية قد عطلت بأي شكل من الاشكال «حركة وصول المعلومات الى المحققين». وقال «إن نقل المعلومات في عالم اليوم قد صار يتم في الحال دون ابطاء، ولقد جمعت البيانات المعلوماتية الخاصة بالموضوع من افغانستان ونحن نتقاسمها مع واشنطن، والجميع يعرفون الاشياء نفسها». لكنه اعترف بأن المحققين في بعض الاحيان لا يحصلون على اجابات لأسئلة استخبارية بعثوا بها للقيادة الجنوبية إذا ما اعتبرت تلك الاسئلة غير ذات علاقة بالتحقيق. وسلم وليام ايضا بأن مترجمي غوانتنامو من مختلف اجهزة الاستخبارات الاميركية يفتقرون الى الخبرة باللهجات العربية المختلفة بالاضافة الى اللغات الاخرى التي يستخدمها المعتقلون، لأن البرامج اللغوية العسكرية ظلت تقلل من اهمية ذلك على مدى عقد كامل من السنوات. ورفضت متحدثة رسمية باسم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد التعليق على الموضوع.

ولكن حتى منتقدو عمليات التحقيق في غوانتنامو يعترفون بأن معظم الموظفين العاملين هناك على قدر عال من الكفاءة وان بعضهم له ميزات متفوقة. وذكر مسؤولون اميركيون ان عمليات التحقيق أتت بعدد من النجاحات وأعلن عن بعضها بينما بقي البعض طي الكتمان مما قد يكون قد حال دون وقوع عدد من الهجمات. وفي فبراير (شباط) الماضي استطاع اثنان من عناصر مكتب المباحث الفيدرالي «إف. بي. آي» بعد جلسة تحقيق دامت ساعة مع احد المعتقلين، الحصول على معلومات قادت الى توجيه تحذير بالخطر من اليمني فواز يحي الربعي و16 آخرين من اعضاء القاعدة يشتبه في انهم يخططون لهجمات في الولايات المتحدة واليمن. وفي الاسبوع الماضي قال ممثلو الادعاء الذين رفعوا دعوى ضد «الطالباني الاميركي» جون ووكر ليند بالتآمر لقتل أميركيين في اوراق المحكمة أن 20 على الاقل من المتهمين قدموا اعترافات للمحققين. لكن لم تظهر الى الآن سوى القليل من المعلومات الاخرى عن ما كشفته تحقيقات غوانتنامو والكيفية التي تجرى بها التحقيقات.

وذكر خبراء أن مسؤولي الاستخبارات الاميركية ظلوا لسنوات عديدة يزيدون من اعتمادهم على الاجهزة الالكترونية والصور التي تلتقطها الاقمار الصناعية بينما تضمحل مهارات التحقيق شيئا فشيئا. وذكرت مصادر عديدة أنه بينما يتميز العديد من المحققين البالغ عددهم 30 ونفس العدد من المترجمين في القاعدة بمهارات عالية فإنهم يفتقدون للذكاء اللماح المكتسب من الاحتكاك بالواقع ولقوة الشخصية التي تسمح بمعالجة المواجهات التي تتأجج فيها المشاعر. وقال وليام تيرني ضابط الاستخبارات العسكرية السابق الذي عمل في القاعدة لمدة 6 اسابيع كمترجم قبل ان يفقد وظيفته نتيجة نزاع مع رؤسائه «بعض المحققين لا يملك القدرات الكافية التي تحتاجها الوظيفة. يجب ان يكون المحقق مسيطرا على الموقف لكن هؤلاء لا يتمتعون بالمواصفات الشخصية المطلوبة لذلك. فبعض المحققين الشباب يخاطبون المعتقلين وكأنهم اصدقاء التقوا بهم في السوق».

وقد اصر احد المحققين على سؤال بعض المعتقلين من طالبان عن تفاصيل تتعلق بزوجاتهم بالرغم من تنبيهات الآخرين له بأن الافغان غالبا ما سيتعاملون مع مثل هذه الاسئلة بوصفها اهانات وسيرفضون التعاون. وهذا ما حدث بالفعل. وقال مصدر عمل في مكان التصوير بالاشعة التابع للمعسكر ان من الخطأ تعيين نساء كمحققات لأن بعض المعتقلين وبسبب اعتقاداتهم الدينية والثقافية يرفضون الحديث للنساء عن المواضيع الشخصية. وذكرت المصادر ان من بين المترجمين غير الأكفاء العاملين في غوانتنامو هناك من تتعلق وظيفته بترجمة المحادثات التلفونية الاجنبية يوما بعد يوم وتشير الى ان عددا منهم يرى من الصعب عليه أحياناً ترجمة تحقيقات تثير المشاعر يتعين عليهم خلالها تقليد نبرة صوت المحقق يصرخ عندما يصرخ ويهمس حين يهمس. وقد قاطع احد المترجمين مراراً محققا ليذكره بأنه قد طرح نفس السؤال من قبل في نفس جلسة التحقيق، دون ان يراعي المترجم ان من الاساليب المعروفة عند المحققين ان يكرروا الاسئلة من اجل الحصول على تفاصيل اكثر أو للتحقق مرة اخرى من مدى حقيقة ما يقوله المتهم.

وقالت مصادر ان وكالة «بي تي جي» للخدمات اللغوية عينت ايرانيا اميركيا يتحدث الفارسية لترجمة اجابات معتقل افغاني يتكلم لغة داري، وبينما تتشابه اللغتان فإنهما تختلفان بما فيه الكفاية للدرجة التي تسببت في تفجير نقاش حاد وسط فريق التحقيق. لكن ويل وليامز المتحدث باسم "بي تي جي" نفى وجود مشاكل من هذا القبيل، مضيفا ان هنالك الآن متحدثين بلغة داري في كوبا. وهناك نزاع بين «بي تي جي» ومنافستها الصغيرة «وورلدوايد ريسورسيس» التي لها موظفون يعملون في القاعدة، وقد ادى النزاع الى طرد «بي تي جي» احد العاملين معها من موظفي الوكالة المنافسة بعد سلسلة خلافات. وقال لاري كوستا رئيس «وورلدوايد ريسورسيس»: «نعم هناك نزاعات بين الشركات، فحين يظهر احدهم لمدة ثلاث ساعات ثم تقوم بي تي جي بطرده لا بد ان تكون هناك نزاعات». لكن المتحدث باسم «بي تي جي» نفى ان تكون شركته قد لعبت دورا في ابعاد الرجل.

وقال الكولونيل وليام من القيادة الجنوبية أن النزاع بين الشركتين لم يؤثر على جهود جمع المعلومات التي ذكر انها تحسنت مع قدوم الجنرال مايكل دونلافي كرئيس لوحدة التحقيقات، مضيفا ان عملية جمع المعلومات تسير بصورة «ناجحة للغاية».

وتمثل الخطوة الاولى لاقناع معتقل من عناصر القاعدة بالحديث التشكيك في ما قاله لمستجوبيه في افغانستان لتفسير اعتقاله في مكان القتال. وقد قدم الكثيرون تنويعات من قصتين للتغطية أحداهما انهم كانوا في افغانستان بحثاً عن زوجة، والاخرى انهم كانوا يقومون بتدريس القرآن في قرى نائية ويعيشون في غرفة ملحقة بالمسجد مما يوحي بان المقاتلين اعدوا رواياتهم مسبقاً.

ويهدف التحقيق الى جعل المعتقلين يتحدثون حتى عن التفاصيل التافهة. وقال مصدر «مجرد أن تكون عطوفاً قد يساعد في التحقيق، إذ ان ذلك قد يخترق احتياطاتهم الامنية لأنهم لا يتوقعون ذلك».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»