رئيس البرلمان اللبناني: لا طلاق بين لحود والحريري لتعذر التغيير الحكومي

TT

تمكن رئيس مجلس النواب نبيه بري بمبادرته العاجلة من انهاء الخلاف الظاهر والمباشر الذي نشأ بين رئيس الجمهورية اميل لحود ورئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري على امل ان تتوافر المعالجات للخلاف العميق المستحكم بينهما حول كثير من القضايا المطروحة وابرزها قضية تخصيص بعض القطاعات الخدماتية، وعلى اعتبار ان تعذر التغيير الحكومي يجعل «الطلاق» بين لحود والحريري غير وارد.

واذ يطمح الرئيس بري انطلاقاً مما يعتقد انه يمتلك من تأثير على لحود والحريري الى اعادة وصل ما انقطع بينهما، فان كل الدلائل تشير الى ان هذا الامر ليس بهذه السهولة، لان الخلاف بينهما عميق او يتصل في جانب رئيسي منه بعدد من مشاريع الخصخصة وفي مقدمها خصخصة الهاتف الخليوي.

وكان الخلاف بين لحود والحريري بدأ بالبروز الى السطح اثر الاعلان عن زيارة الحريري لواشنطن وما طرح في بعض الاوساط حول جدواها في هذه المرحلة. ثم برز اكثر عشية وصول وزير الخارجية الاميركي كولن باول الى بيروت والذي جاء قبل ساعات على توجه الحريري الى العاصمة الاميركية وحصول محادثات منفردة معه. وبرز اكثر فاكثر اثناء زيارة الحريري لواشنطن عندما سمع انتقادات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على التأخر في الخصخصة. وبلغ هذا الخلاف ذروته اثر عودة الحريري من العاصمة الاميركية حيث اعتبر رئيس الحكومة مواقف صدرت عن سياسيين حول الوضع الاقتصادي والخصخصة اضافة اقدام نائب رئيس مجلس الوزراء عصام فارس على الدعوة لخلوة اقتصادية للبحث في الوضع الاقتصادي مثابة «تجاوز» لزيارته الى واشنطن.

وازاء هذا الوضع سارع الحريري الى الكشف المباشر عن خلافه مع رئيس الجمهورية خلال حديث اذاعي ادلى به اول من امس وذلك خلافاً للعادة، وذلك بعدما بلغه ان ثمة اجراءات اتخذها البروتوكول الرئاسي لاستقبال الرئيس الاوكراني ليونيد كوتشما في مطار بيروت الدولي (الذي بدأ زيارة للبنان امس) شبيهة بالاجراءات التي اتخذها اثناء استقبال الملوك والرؤساء العرب الذين توافدوا الى بيروت في 26 مارس (اذار) الماضي لحضور القمة العربية وتقضي باصطفاف رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة الى جانب الوزراء والنواب والرسميين في استقبال الرئيس الضيف فيما رئيس الجمهورية يستقبله ويصطحبه للسلام عليهم ثم يختلي واياه في صالون الشرف في غياب رئيسي المجلس والحكومة. واعلن الحريري انه كرئيس مجلس الوزراء غير مكلف دستورياً بتقديم حساب لرئيس الجمهورية حول كل عمل يقوم به في نطاق صلاحياته، وانه لن يشارك في استقبال الرئيس الاوكراني. وقالت مصادر قريبة من الحريري لـ «الشرق الاوسط» ان رئيس مجلس النواب نبيه بري تحرك ازاء هذا الواقع فزار الحريري ظهر اول من امس في دارته للوقوف منه على الاسباب التي دفعته الى اتخاذ هذا الموقف، فقال له:«لقد حضّروا في القصر الجمهوري لاجتماع موسع يحضره نائب رئيس الحكومة ووزراء وسيتم خلاله توقيع اتفاقات في غياب رئيس الحكومة». وذكّر الحريري بري بانه اثناء العشاء الذي اقامته رئاسة الجمهورية للملوك والرؤساء العرب يوم انعقاد القمة العربية «ان البروتوكول الرئاسي لم يضع مقعداً لرئيس الحكومة على طاولة الشرف وانما حدد هذا المقعد على طاولة ثانية وهذا لا يجوز».

وهذه الملاحظات نقلها بري بعد اللقاء الى الرئيس لحود في اتصالات جرت بينهما، وتوجت نتائجها بلقاء انعقد مساء اول من امس عند بري وحضره الحريري ووزير الاشغال العامة والنقل نجيب ميقاتي ووزير الدفاع خليل الهراوي ووزير التربية عبد الرحيم مراد، وقال بري للحريري: «لقد تمت تلبية ما تريد، ستدخل مع رئيس الجمهورية الى صالون الشرف في استقبال الرئيس الاوكراني وستحضر المحادثات في القصر الجمهوري وسيوقع الوزراء المختصون الاتفاقات الثنائية في حضورك...وان كل شيء عولج بما ينبغي ان تكون المعالجة وبما يحفظ مقام رئاسة مجلس الوزراء».

وقالت المصادر القريبة من الحريري انه رد على بري ايجاباً وابلغه انه سيحضر استقبال الرئيس الاوكراني وسيشارك في المحادثات (وهذا ما حصل بالفعل امس). واعتبرت المصادر نفسها ان ما حصل «ليس مسألة شكلية وانما يخفي سوء فهم للصلاحيات وللدستور، فرئيس الجمهورية هو رئيس الدولة وليس رئيسا لمجلس الوزراء. وبالتالي لا يستطيع ان يعقد اجتماعات وزارية في غياب رئيس الحكومة».

وظهر امس زار الحريري بري في مقر مجلس النواب واجتمع به لبعض الوقت. واكتفى بالقول بعد اللقاء: «كُلّه تمام».

واعتبرت مصادر قريبة من رئاسة الجمهورية ان الخلاف «قد انتهى بالتي هي احسن» وامتنعت عن التعليق على كل ما صدر عن الرئيس الحريري مباشرة او عبر مصادره، وفيما اكد مقربون من رئاسة الجمهورية ان العلاقة بين لحود والحريري وصلت الى مرحلة تحتاج الى اعادة نظر وتقويم، وربما الى تغييرات قد تكون الحكومة احد استهدافاتها، تحدثت اوساط حكومية عن محاولات تبذل منذ مدة للحد من صلاحيات رئيس الحكومة واعادتها الى ما كانت عليه قبل «اتفاق الطائف» الامر الذي يرفضه الحريري باصرار.

واعادت هذه الاوساط الى الاذهان «جملة وقائع حصلت في الآونة الاخيرة وشكلت بمجملها اشارات كافية الى ان المقصود منها هو اضعاف رئيس مجلس الوزراء. وكان اولها ما حصل خلال التحضيرات للقمة العربية من عدم اشراك رئيسي المجلس والحكومة في استقبالات القادة العرب مما ادى الى مقاطعتهما لهذه الاستقبالات. وثانيها ما جرى خلال زيارة وزير الخارجية الاميركي كولن باول الى بيروت حيث شاءت دوائر القصر الجمهوري ان تحصر الزيارة بالقصر لكن باول وفق الترتيبات التحضيرية رغب الاجتماع مع كل من الرئيسين بري والحريري فاعتذر الاول وحدّد الثاني موعداً له في السراي الحكومي رافضاً ان يكون اللقاء مشتركاً في قصر بعبدا. اما ثالث هذه الوقائع فكان ما اثير حول زيارة الحريري لواشنطن وقيل ان الرئيس لحود غير راض عنها لانها لا تتناسب مع طبيعة المرحلة لكن الحريري اصرّ عليها.

واضافت هذه الاوساط ان رابع هذه الوقائع كان عودة الرئيس لحود الى التركيز على التقصير في عمل الادارات... فالشكوى من العمل الاداري مطروحة منذ عقود واعادة اثارتها مع هيئة التفتيش المركزي ودعوتها الى القصر الجمهوري من دون علم سلطة الوصاية المتمثلة برئيس الحكومة هو تجاوز للدستور واستهداف واضح لموقع رئيس مجلس الوزراء.

وقالت مصادر نيابية انه من خلال الوقائع والتطورات الجارية دخلت العلاقة بين الرئيسين لحود والحريري في مرحلة حرجة وان لا امكانية لاصلاح واقع الحال الاّ بتدخل القيادة السورية.

وكشفت المصادر الحكومية ان المسؤولين السوريين كرروا النصيحة للوزراء الذين اتصلوا بهم ان يعمل هؤلاء داخل السلطة لتعزيز الموقف اللبناني اولاً قبل مطالبة الآخرين بتوحيد الموقف العربي. واستبعدت هذه المصادر امكانية اجراء اي تعديل حكومي في هذه الظروف الاقليمية الضاغطة عدا عن اقتناع الرئيس الحريري بأن بقاءه رئيساً للحكومة راسخ وليس من يزحزحه سوى ارادة الله وسلطة مجلس النواب.