لبناني في شبكة لتزوير الشيكات وتهريب الآثار والنوادر وراء إفلاس طيار ناطحة سحاب بميلانو

TT

اتضح أن هناك خيطا لبنانيا في قصة الطيار الذي قيل إنه انتحر في ميلانو باقتحامه ناطحة سحاب في المدينة بطائرة سياحية صغيرة بعد ظهر الخميس الماضي، وفقا لمعلومات تابعتها «الشرق الأوسط» بين ميلانو، بايطاليا، ونيس الفرنسية وجنيف السويسرية.

فقد أكدت آخر التحقيقات أن الطيار، لويجي فاسولو، وهو سويسري من أصل ايطالي وعمره 67 سنة، كان قد تعرض للافلاس بسبب احتيالات متنوعة مارستها عليه شبكة تهريب للآثار والممنوعات وتزوير الشيكات على مستوى دولي، واعتقل بعض أفرادها قبل 5 أشهر بين ميلانو ونيس، ومن بينهم أحد أكبر الناشطين في الشبكة، وهو لبناني عثر بحوزته عند اقتحام شقته بميلانو واعتقاله في ديسمبر (كانون الأول) الماضي شيكات مزورة بمليار ليرة إيطالية، كان يهم بايداع بعضها في حساب رجل أعمال في نيويورك، معتقل بدوره الآن أيضا.

وقد ألمت «الشرق الأوسط» بمعلومات لدى الأجهزة الأمنية في ميلانو، وكذلك في نيس وجنيف، اتضح منها أن اللبناني، (ر. ع)، البالغ من العمره 54 سنة، ما زال سجينا في ميلانو بالجرم المشهود، عن نشاطه فيما تصل عقوبته الى 8 سنوات سجن على الأقل، وينتظر بدء المحاكمة في أي وقت، علما أن الشرطة الايطالية اعتقلت منذ 4 أيام شريكه الايطالي، سيرجيو لاندونيو، البالغ عمره 63 سنة، لمشاركته بعمليات التهريب والتزوير، التي كان من ضحاياها الطيار، الذي من المعتقد أنه قضى بمخطط من الشبكة، أو أنه انتحر بسبب افلاسه «لأن بعض الناس أرادوا خداعه والقضاء عليه ماليا، فانتحر» وفق تعبير نجله، ماركو، وطبقا لما تشير اليه التحقيقات.

وكان أحد المقرّبين من الطيار ذكر للمحققين الايطاليين، أن صديقه قال له قبل أيام من الحادث: «أنا مفلس، فقد أخذوا مني كل ما أملك، وهم مجموعة من هنا (يقصد ايطاليا) أخذوا مني أكثر من مليون دولار» طبقا لما نقل عن لسانه، مما حمل الشرطة الايطالية على التحري عن ماضيه، فأجرت اتصالات مع نظيرتيها السويسرية والفرنسية. وألمت الشرطة بخيوط ومعلومات أدت للاشتباه بتورطه في عمليات تهريب أعمال فنية وأثرية، ولعله كان ناشطا مع الشبكة التي قيل إنها زورت شيكات من دفتره المصرفي وسحبت من حساباته في أحد البنوك الايطالية ملياري لير قبل شهرين، لذلك سعت الشرطة الايطالية وراء سيرجيو، واعتقلته يوم الجمعة الماضي، بوصفه كان شريكا في العمل مع الطيار، وملما أكثر من سواه بأسرار الشبكة، وبمعلومات عنها، للتؤكد الى أي حد كان الطيار المنتحر ناشطا مع المهربين والمزورين، أو الى أي حد كان واحدا من ضحاياهم فعلا.

وسعت «الشرق الأوسط» وراء المعلومات عن سيرجيو فاتضح أنه سبق لشرطة مدينة نيس، في مونت كارلو، أن اعتقلته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) 1998 بعد دخول شقته المطلة على مرفأ المدينة، اثر البحث عنه طوال 6 أشهر، تلت اكتشاف عمليات تهريب نوادر وأثريات قامت بها شبكة سابقة تزعمها في ايطاليا.

وكان بحث الانتربول الدولي عن سيرجيو واعتقاله تم بموجب مذكرة من الشرطة الايطالية، فأودع السجن بمونت كارلو لأسبوعين، خرج بعدها لعدم اثبات ما يدينه، ثم بقي مقيما في نيس، فارا من ادانة في حقه بالسجن 15 شهرا في روما، الى حين اعتقاله مع 3 ناشطين في الشبكة منذ 4 أيام.

أما عن شبكة اللبناني، التي لم يعتقل من أفرادها سوى 5 فقط، فقد كانت ناشطة مع مثيلاتها في اليونان والنمسا وروسيا وأوكرانيا، في «استنساخ» دفاتر شيكات عائدة لبنوك عدة، سويسرية وايطالية بشكل خاص، بعد حصولها على شيكات حقيقية عادية، لتتعرف منها الى اسم صاحب الحساب ورقمه وتوقيعه، بحيث تتم طباعة التواقيع منفصلة عن الشيكات، ومن بعدها يتم طباعتها عليها، عبر اللصق الطباعي بأجهزة خاصة، مرتفعة الثمن، واستخدامها لسحب المبالغ وايداعها بعد تبييضها والباسها حلة الشرعية في حسابات ببنوك خارجية، معظمها في نيويورك واليونان. ومع أن رئيس دائرة الشرطة في ميلانو، إينزو بونكوراغليو، ما زال الى الآن يعتبر نظرية انتحار الطيار في حاجة الى مزيد من المعلومات لتؤكدها نهائيا، الا أنه اعترف يوم اول من أمس بأن الطيار واجه تهديدات من أشخاص، لم يفصح عن هوياتهم لمخفر في مدينة كوم الايطالية، على الحدود مع سويسرا، ووصفهم بمجهولين حين اتصل بالمخفر صباح يوم الارتطام بطائرته ببرج بيرللي في المدينة.

كما أن أحد أبنائه عاد واتصل بالشرطة ثانية بعد ظهر ذلك اليوم ليبلغها عن تهديدات جديدة بالقتل تسلمها والده، وكان ذلك قبل ساعتين من حادث الارتطام، فيما اتصلت زوجته، وقبل ربع ساعة من الحادث في ميلانو، لتبلغ الشرطة السويسرية عن عدم مجيئه الى البيت، بعد أن كان قد وعدها بالتوجه معها الى المخفر السويسري للابلاغ عن مجهولين احتالوا عليه بمئات آلاف الدولارات، سحبوها من حسابه بشيكات مزورة.

وتشتبه الشرطة السويسرية في أن سيرجيو زور شيكين عائدين للطيار المنتحر، وسحب بهما ملياري ليرة ايطالية من حسابه المصرفي، ثم تعامل مع 3 مواطنين روس، استطاعوا ايداعها في بنك آخر بعد تمريرها في أنابيب مصرفية عدة، هنا وهناك، بحيث أصبحت مصادرها شرعية، فقاموا بحسم 250 مليون ليرة ايطالية، كعمولات لهم، وأودعوا الباقي في حسابات، بالطريقة نفسها التي كان يتبعها اللبناني لايداع قيم الشيكات المزورة في حسابات بالخارج. أما الطيار فكان قد اكتشف أن ما بقي في حسابه لم يكن يزيد على 100 دولار، فراح يهدد باقامة شكوى لدى المخافر، ومن أجلها تسلم تهديدات ممن احتالوا عليه.

وكان الطيار فاسولو ارتطم بطائرته، وهي سياحية من طراز «روكويل كوماندر» بمحرك واحد وتتسع لأربعة أشخاص، في ناطحة «بيرللي» المرتفعة 30 طابقا وسط ميلانو، قاتلا راكبتين محاميتين كانتا تعملان في المبنى، وجارحا 34 شخصا آخرين ممن كانوا يعملون هناك، في حادث أعاد الذاكرة الى تفجيرات واشنطن ونيويورك لأول وهلة، خصوصا بعد التأكد أن الطائرة لم تكن تواجه أي عطل طرأ عليها.

وفي المعلومات عن فاسولو أنه كان ثريا، جمع ما كان يملك في السابق من عمولات جناها من بيع الطائرات الصغيرة وتأجيرها، حتى امتلك شركة لحسابه الخاص قبل 5 سنوات في المجال نفسه. لكن كشوفاته الضريبية في سويسرا، حيث كان يقيم معظم الوقت مع عائلته، لا توضح ملابسات امتلاكه لثروة كبيرة، لا تتناسب مع قلة في الأرباح كان يجنيها من شركته الصغيرة، لذلك يشتبهون بنشاطه في اللاشرعي من الأعمال، ومنها تهريب النوادر والأثريات.

=