الصوت العربي والإسلامي يصب في مصلحة شيراك وفتوى لقطع الطريق على لوبن

الجالية العربية في فرنسا منحت صوتها لـ 3 مرشحين و«عاقبت» جوسبان لمواقفه المؤيدة لإسرائيل

TT

كشف محمد بشاري، رئيس الفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا، وهي منظمة تضم 500 مسجد ومعهد ديني اسلامي في فرنسا، ان الفيدرالية تعمل في الوقت الحاضر على اصدار فتوى تدعو الناخبين المسلمين الفرنسيين الى قطع الطريق على مرشح اليمين المتطرف والعنصري جان ـ ماري لوبن في دورة الانتخابات الرئاسية الثانية التي ستجري في 5 مايو (ايار) القادم. وأكد محمد بشاري ان هذه الفتوى ستكون جاهزة قبل يوم الجمعة القادم حتى يقوم أئمة المساجد في فرنسا بتلاوتها على المصلين لحثهم على التعبئة وعلى تحقيق وحدة الصوت المسلم والعربي في فرنسا ضد جان ـ ماري لوبن ولصالح الرئيس جاك شيراك.

وتتشابه ردة فعل الجالية الاسلامية ـ العربية في فرنسا مع ردة كل الطبقة السياسية والمجتمع الفرنسي في رغبتها في الوقوف سدا منيعا امام وصول ممثل اليمين المتطرف الى السلطة، باعتبار ان هذا اليمين بنى ايديولوجيته وخطابه السياسي على التخويف من المهاجرين ومن الغزو الاجنبي ومن مخاطر خسارة الهوية الوطنية الفرنسية لا بل من «أسلمة» المجتمع الفرنسي. ويعزو لوبن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في فرنسا مثل البطالة وعجز الصناديق الاجتماعية وتكاثر الاعمال المخلة بالامن لوجود المهاجرين الاجانب، ويدعو الى التعامل بقسوة مع هؤلاء ومنع تدفق الهجرة وما شابه من التدابير التي تجد اصداء لها داخل المجتمع الفرنسي، كما يظهر ذلك حصول اليمين المتطرف عبر ممثليه جان ـ ماري لوبن وبرونو ميغريه على 20 في المائة من اصوات الناخبين في الدورة الاولى من الانتخابات التي جرت اول من امس.

وامس تكاثرت الدعوات الصادرة عن جمعيات الجالية العربية والاسلامية لدعم شيراك وضمان انتخابه في الدورة الثانية باكبر نسبة ممكنة. فقد اعلن عيسى طوازي، رئيس تجمع «الاتحاد» وهو تجمع يضم مائة جمعية فاعلة منتشرة في كل المناطق الفرنسية كما يضم ما يزيد على 4000 عضو وفق ما اكده طوازي لـ«الشرق الأوسط»، ان التجمع سيصدر نداء موجها للجالية العربية ـ الاسلامية للتصويت صفا واحدا لمصلحة المرشح الديغولي شيراك ولتحطيم الجبهة الوطنية ومرشحها جان ـ ماري لوبن. وفي السياق عينه، اعلن عبد الرحمن دهمان، رئيس «دائرة المسلمين الديمقراطيين» التي تضم بدورها عدة مئات من الجمعيات الى «اقامة جبهة واسعة حول رئيس الجمهورية جاك شيراك وضد صعود الفاشية والعنصرية» التي يمثلها جان ـ ماري لوبن.

وتمثل الجالية العربية ـ الاسلامية خزانا هائلا من الاصوات. ورغم غياب الاحصائيات الدقيقة التي تعطي صورة حقيقية عن وزنها الانتخابي، فان التقديرات المتعارف عليها تفيد انها تتمتع بحوالي 1.2 مليون صوت. غير انه من الصعب جدا معرفة نسبة الذين قاموا بواجبهم الانتخابي، علما ان الجالية ككل تقدر بحوالي 5 ملايين نسمة.

والى جانب الاصوات الداعية للاقتراع لصالح شيراك من غير تحفظ، فان اصواتا اخر، تفرض «شروطها». فرئيس حزب مسلمي فرنسا محمد الناصر الاطرش وهو من اصل جزائري ويقيم في مدينة ستراسبورغ (شرق فرنسا) أصدر بيانا امس عبر فيه عن ارتياحه لسقوط ليونيل جوسبان «الحليف الوفي للدولة الصهيونية». الا انه بالمقابل، يؤكد ان حزبه (الذي لا يعرف حجم تمثيله في منطقة ستراسبورغ) لا يريد ان يمنح شيراك «شيكا على بياض»، ومشترطا «مواقف واضحة» من الرئيس الفرنسي في «دعم الحق الفلسطيني وفي رفع الحصار الظالم عن الشعب العراقي». وجاء في البيان ايضا ان الفلسطينيين «رشقوا جوسبان بالحجارة في جامعة بير زيت» فيما الناخبون المسلمون والعرب «رشقوه بالاصوات».

واجمع كل الذين سألتهم «الشرق الأوسط» امس على التأكيد ان تصويت الجالية العربية ـ الاسلامية، في غالبيته الساحقة كان ضد جوسبان وان الاصوات العربية ـ الاسلامية التي كانت تصب لصالح اليسار بشكل عام واليسار الاشتراكي بشكل خاص تركته اول من امس، بسبب ما تعتبره هذه الجالية من وقوفه الى جانب اسرائيل. وقال الدكتور خطار ابو دياب، وهو باحث سياسي في باريس، ان «الوعي السياسي للناخبين من اصول مغاربية دفع الكثيرين منهم الى معاقبة جوسبان، بحرمانه من اصواتهم والاقتراع لمصلحة من يعتبرونه اكثر تأييدا للحق الفلسطيني». ووفق ما قاله قاسم قلال، وهو مستشار المرشح جاك شيراك لشؤون الانسجام الوطني والانخراط الاجتماعي وخصوصا الجالية العربية ـ الاسلامية، فان اصوات هذه الاخيرة استهدفت هذه المرة «معاقبة جوسبان» للخط السياسي الذي اتبعه في منطقة الشرق الاوسط.

غير ان الدعوة للاقتراع لصالح شيراك رغم انها عامة، فان الناشطين في اوساط الجالية، يريدون ان تترافق ببادرة من جانب المرشح الديغولي. وبكلام اوضح، فان هذه الجمعيات تريد من حزب التجمع من اجل الجمهورية، الذي ينتمي اليه شيراك، ان يرصد عددا من الدوائر في الانتخابات التشريعية التي ستجري في شهر يونيو (حزيران) المقبل لمرشحين من اصول عربية ومغاربية. وقد اكد قاسم قلال لـ«الشرق الأوسط» ان شيراك وعد بالعمل لدى حزبه ولدى اصدقائه من اجل توفير مثل هذا الامر. والمفارقة ان الجالية العربية ـ الاسلامية التي تمثل سدس سكان فرنسا ليس لديها من يمثلها في البرلمان الفرنسي او في الوزارة، وينحصر ممثلوها في المجالس البلدية، غير ان عددهم ضئيل للغاية، اذ يبلغ 180 ممثلا من اصل 37 الفا.

وقال محمد بشاري ان ثلاثة مرشحين انصبت عليهم اصوات الناخبين لها اصول عربية واسلامية، هم جاك شيراك والمرشح جان ـ بيار شوفينمان ثم مرشح الخضر نويل مامير. وفيما يؤكد عبد الرحمن دهمان ان جوسبان كان سينجح في الوصول الى الدورة الانتخابية الثانية لو حصل على الاصوات العربية، مثلما كان يحصل في الانتخابات السابقة، وتحديدا أيام رئاسة فرنسوا ميتران، فان عيسى طوازي يؤكد ان سبب الابتعاد عن اليسار الاشتراكي مزدوج; الاول الوعي السياسي المتنامي لهذه الجالية بسبب ما يحصل في فلسطين وتأثير ذلك على توجهاتها السياسية داخل فرنسا، والثاني خيبتها من الوعود التي اغدقتها الحكومة الاشتراكية والتي لم تتحقق والخاصة بالمهاجرين واوضاعهم الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية.

ويرى خطار ان ثمة مستقبلا سياسيا للنخبة السياسية التي اخذت تظهر على المشهد السياسي الفرنسي ذات الاصول العربية ـ المغاربية والتي اخذت تثبت وجودها سياسيا، رغم ان هذا الوجود ما زال في بداياته.

وفي اية حال، فان معركة الرئاسة التي ستجري في 5 مايو (ايار) محسومة لصالح المرشح شيراك. غير ان ما يهم هذه الجالية هو مواجهة «الثقافة العنصرية والمعادية للاجانب» التي يمثلها جان ـ ماري لوبن وتأثير خطابه على الطبقة السياسية وحتى على شيراك نفسه لذي ركز في حملته الانتخابية على مسائل غياب الامن والتي حمل حكومة جوسبان مسؤوليتها. لا شك ان الشباب الذين خرجوا الى الشارع للتظاهر الليلة قبل الماضية احتجاجا على فوز لوبن بالمركز الثاني كان بينهم الكثير من ابناء الجالية العربية ـ الاسلامية الذين يعرفون سلفا انهم ضحايا ايديولوجية لوبن وخطابه السياسي.