لقاء العاهل المغربي برامسفيلد في مستهل زيارته لواشنطن يعكس مكانة الرباط المتميزة في الاستراتيجية الأميركية

TT

اجرى العاهل المغربي الملك محمد السادس محادثات امس مع وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد في مقر اقامته «بليرهاوس» في واشنطن، وذلك في مستهل زيارة العمل التي يقوم بها الى الولايات المتحدة.

وتكمن اهمية هذا اللقاء الذي حضره من الجانب المغربي محمد بن عيسى وزير الخارجية المغربي ومحمد رشدي الشرايبي، مدير ديوان العاهل المغربي، والجنرال بو شعيب عروب مدير المكتب الثالث في القوات المسلحة الملكية، والجنرال احمد حرشي مدير مكتب الدراسات والمستندات (مخابرات عسكرية)، في ان المغرب كان دائما يرتبط بتعاون عسكري مع الولايات المتحدة، والمشاورات معها متواصلة باستمرار في هذا المجال. كما ان اللجنة العسكرية المغربية ـ الاميركية تعتبر من اقدم اللجان العسكرية المشتركة في المنطقة، وهي اللجنة التي تلتئم مرة كل عام بالتناوب بين الرباط وواشنطن.

يذكر ان التعاون العسكري المغربي ـ الاميركي عرف طفرة كبرى في عهد وزير الدفاع السابق وليام كوهين، الذي سبق له ان قام بزيارة الى المغرب، كما ان هذه الطفرة تزايدت اثناء زيارة الملك محمد السادس لواشنطن قبيل نهاية ولاية الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون، التي زار خلالها مقر وزارة الدفاع (البنتاغون)، وتوجت بترسيخ تعاون استراتيجي بين الرباط وواشنطن في منطقة البحر الابيض المتوسط وشمال افريقيا.

ويرى محللون سياسيون في العاصمة الاميركية ان المغرب يتبوأ مكانة متميزة في الاستراتيجية الاميركية في البحر الابيض المتوسط والشرق الأدنى عموما.

ولم تقتصر المكانة الاستراتيجية للمغرب في الولايات المتحدة على التعاون العسكري بل امتدت لتشمل مجالات اخرى لا سيما مجال «الفضاء» حيث تعتبر القاعدة العسكرية بن جديد القريبة من مدينة مراكش، احدى اهم المحطات الخارجية التي يمكن ان ينزل فيها اي مكوك فضائي اميركي عند الحاجة.

ولا يخفي مسؤولون في الادارة الاميركية ان المغرب يشكل حجر الزاوية في الاستراتيجية الاميركية في الشرق الادنى، باعتباره يعد من اقدم الدول الفاعلة والمتعاونة في نطاق حلف «الناتو»، خاصة انه يحظى ايضا بعلاقة شراكة مع الاتحاد الاوروبي.

الى ذلك، قالت مصادر متطابقة في الوفد المغربي المرافق للملك محمد السادس ان ما يجري الآن في الاراضي الفلسطينية تصدر المباحثات مع رامسفيلد.

وحول ما اذا كانت قضية الصحراء قد اثيرت خلال مباحثات العاهل المغربي مع وزير الدفاع الاميركي، قال مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط» ان قضية الصحراء «هي جزء من الكيان المغربي القومي، وبالتالي فان كل الاعتبارات التي تعيرها الولايات المتحدة استراتيجيا وامنيا للمغرب تأخذ بعين الاعتبار موضوع الصحراء».

وتميز اليوم الاول من زيارة العاهل المغربي لواشنطن ايضا بالمباحثات التي اجراها مع كولن باول وزير الخارجية الاميركي.

وقالت مصادر مطلعة ان باول قدم للملك محمد السادس عرضا حول زيارته الاخيرة لمنطقة الشرق الأوسط، واوضح له اين وصلت الجهود الاميركية لتهدئة الوضع في المنطقة.

وهذا ثاني لقاء يتم بين العاهل المغربي وباول في اقل من شهر، ذلك ان اللقاء الاول تم في مدينة اغادير في مستهل جولة باول التي قادته الى مصر واسرائيل وسورية ولبنان والضفة الغربية.

وكان العاهل المغربي قد تساءل حين زاره باول في اغادير، لماذا لم يبدأ جولته بمنطقة الشرق الاوسط قبل ان يأتي الى المغرب. وهو ما اسال مدادا كثيرا في الصحف الغربية وخاصة الاميركية.

ورغم انه لم يتسرب اي شيء عن فحوى وعمق المباحثات بين الملك محمد السادس وباول، فان «الشرق الأوسط» علمت ان العاهل المغربي شدد على ضرورة انسحاب القوات الاسرائيلية الكامل من كافة الاراضي الفلسطينية المحتلة ورفع الحصار عن الرئيس ياسر عرفات والعودة الى طاولة المفاوضات.

وعلمت «الشرق الأوسط» ان النقاط الاربع التي بحثتها ادارة الرئيس بوش بشأن استراتيجيتها في الشرق الأوسط تناولتها ايضا مباحثات الملك محمد السادس مع باول.

ويتعلق الامر بقناعة باول العميقة بأن الهوة القائمة بين الفلسطينيين والاسرائيليين كبيرة جدا، ومن المستحيل ردمها عن طريق خطوات تدريجية تهدف الى اعادة الثقة بينهما بشأن القضايا الامنية، وايضا مطالبة باول الحازمة بانسحاب القوات الاسرائيلية بشكل كامل من الاراضي الفلسطينية المحتلة، اضافة الى قبول عرفات كزعيم للفلسطينيين، وضرورة تكريس واشنطن جهودها للعب دور اكبر لمنع التدهور في المنطقة.

وكان محمد بن عيسى وزير خارجية المغرب قد صرح في وقت سابق بأن من بين المواضيع التي سيبحثها العاهل المغربي مع الرئيس جورج بوش وكبار المسؤولين الاميركيين، اضافة الى الوضع في الشرق الأوسط، الاوضاع في منطقة جنوب البحر الابيض المتوسط (المغرب العربي) والتطورات التي تعرفها بلدان هذه المنطقة، وخاصة نزاع الصحراء.

ويرى المغرب ان الولايات المتحدة تتفهم هذا الملف وتعرف طبيعته وتبعياته وتداعياته في ما لو حدثت تطورات تمس بأمنه واستقراره.

الى ذلك، اجرى الملك محمد السادس امس سلسلة من اللقاءات تركزت مباحثاتها على القضايا الاقتصادية والثنائية. ويتعلق الامر بلقائه مع اندرو نتسيوس رئيس برنامج المساعدات الاميركية «يو إس ايد»، كما التقى مع روبرت زوليك ممثل الولايات المتحدة في المفاوضات التجارية الدولية، بالاضافة الى مدير البنك الدولي جيمس دولفنسون ومدير صندوق النقد الدولي هورست كولر. وشكلت مسألة انشاء منطقة التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة محور المباحثات بين العاهل المغربي وزوليك، اذ اكد انه اذا تم انشاؤها سيكون المغرب خامس دولة تقيم منطقة تبادل حر مع واشنطن بعد كندا والمكسيك واسرائيل والاردن.

ومن خلال انشطة الملك محمد السادس في اليوم الاول من زيارته الى واشنطن، تبدو اجندته واضحة المعالم، اذ ترتكز على أسس هي، الاستراتيجية والعسكرية، الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والثنائية، تتصدرها بالطبع قضية فلسطين ووحدة تراب المغرب.