الجيش الإسرائيلي يواصل عمليات الاجتياح العسكري يوميا في البلدات الفلسطينية

قلق حقيقي في إسرائيل من لجنة الحقائق خوفا من استخدام نتائجها لمحاكمة ضباطها لارتكابهم جرائم حرب

TT

إزاء تخفيف المطالبة الاميركية والعالمية بالانسحاب الاسرائيلي من المناطق الفلسطينية، باعتبار انها انسحبت من كل المدن باستثناء جنين في رام الله (حول مقر الرئيس ياسر عرفات) وبيت لحم (حول كنيسة المهد)، تواصل قوات الاحتلال الاسرائيلي عملياتها الحربية ضد الفلسطينيين، يوميا، ولكن بأسلوب جديد تنجح بواسطته في تخفيف الانتقادات الدولية عليها.

وفي يوم امس وحده، اجتاحت قوات الاحتلال 12 بلدة في الضفة الغربية وبلدة اخرى في قطاع غزة، وقتلت خلال ذلك سبعة فلسطينيين وجرحت خمسة على الاقل واعتقلت حوالي 50 فلسطينياً. وتمت هذه العمليات بالأسلوب الاسرائيلي المعروف: حصار، منع تجول، تطويق البيت بقوات كبيرة مؤللة ومحمية من الجو، واقتحام البيت واثارة الرعب في نفوس ساكنيه وجيرانه وفي بعض الاحيان اثارة الفوضى وخلع الابواب او تكسيرها والسرقة والاعتداء على الناس، ثم قيادة «المشبوهين» الى المعتقل.

ولا تتم هذه العمليات بشكل سري، بل تتباهى بها قيادة الجيش. وعقد، يوم امس، مؤتمر صحافي اعلن فيه عن «اكتشاف افراد الخلية التي نفذت عمليات اطلاق الرصاص على السيارات المارة على طريق القدس رام الله». وقال الناطق العسكري ان قواته اعتقلت جميع افراد الخلية وهي بقيادة احمد البرغوثي، الذي اعتقل برفقة قريبه امين سر «فتح» مروان البرغوثي، فاعترف بقتل سبعة اسرائيليين وجرح خمسة آخرين، خلال الاشهر الستة الماضية.

وقال الناطق ان قواته اعتقلت ايضا شابين من حركة «فتح» في قرية كوبر، هما المسؤولان عن العملية العسكرية التي نفذت ضد جنود الحاجز العسكري المحصن قرب عين عريق (غرب رام الله) واسفرت عن مقتل الجنود الاسرائيليين الستة وجرح جنديين آخرين. ولم يكشف عن هويتيهما، لكنه قال ان احدهما نفذ العملية والثاني ساعده في التخطيط والنقل.

< تخفيف الضغط < وكانت الحكومة الاسرائيلية قد بدأت تخفف من العزلة الدولية على مكتب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، بواسطة افساح المجال امام الدبلوماسيين الاوروبيين ان يلتقوه متى يشاءون. فالتقاه للمرة الثانية الليلة قبل الماضية مسؤول الامن والخارجية في الاتحاد الاوروبي، خافيير سولانا، والمبعوث الاوروبي الى الشرق الاوسط، ميغل موراثينوس، وزاره امس وزيرا خارجيتي تركيا، اسماعيل جيم، واليونان، جورج باباندريو.

وجاءت هذه الخطوة في اطار المبادرة الاسرائيلية لتحسين العلاقات مع اوروبا. وفي هذا الاطار اجتمع وزير الدفاع الاسرائيلي، بنيامين بن اليعزر، امس، مع سفراء الدول الاوروبية المعتمدين في تل ابيب.

ولكن اسرائيل لا تبني كثيرا على العلاقات مع اوروبا وتحرص بالأساس على الجوانب الشكلية حتى تمنع خطوات واجراءات مقاطعة ضدها. اما في الجانب السياسي فالاوروبيون يقدمون طروحات بعيدة عن المفاهيم الاسرائيلية. فقد طلب سولانا، خلال لقاءاته مع بن اليعزر ومع وزير الخارجية، شيمعون بيريس، ان توقف اسرائيل حصارها على مقر الرئيس عرفات وعلى كنيسة المهد وان تتجاوب مع لجنة تقصي الحقائق الدولية حول جنين وتكف عن وضع العقبات في طريقها. وكذلك فعل الوزيران جيم وباباندريو، اللذان ارادا ان يعطيا نموذجا للطرفين، يقولان فيه ان بامكان الخصمين اللدودين في الماضي ان يتعاونا معا على الخير في المستقبل. وجميعهم طالبوا عرفات، بالطبع، ان يبدأ بالحديث عن استعداده للعودة الى مكافحة الارهاب.

وقالت مصادر سياسية في القدس ان الاوروبيين يحاولون التوصل الى حل وسط يفضي الى تسوية الأزمة الحالية. ونقلوا اقتراحا اسرائيليا الى عرفات بأن يغادر الى قطاع غزة وحده في المرحلة الحالية ويمارس قيادته للشعب الفلسطيني من هناك ويقدم نموذجا لاستعداده لمكافحة الارهاب، لكنه رفض ذلك بشكل قاطع. وقال ان هذا الاقتراح يصب في الجهود الاسرائيلية الرامية الى القضاء على آثار اتفاقيات اوسلو بفك الارتباط ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ولذلك يرفضه. كما أصر عرفات على خروج قوات الاحتلال من المدن الفلسطينية تماما كشرط لأي شيء في المستقبل. وأبدى استعداده لفرض النظام الامني بعد الانسحاب الاسرائيلي، «حسب قدراتنا على العودة الى مسك زمام الامور، وهي باتت قدرات محدودة بعد الضربات الاسرائيلية المدمرة».

* لجنة تقصي الحقائق

* وعلى صعيد لجنة تقصي الحقائق حول جنين ما زالت اسرائيل تحاول الضغط لتغيير كتاب التعيين لاعضاء اللجنة، بحيث يخلو من اية ابواب توصل الى الخروج باستنتاجات ادانة قضائية.

وتبين ان الموقف الاسرائيلي السلبي من اللجنة ينطلق من خوف الحكومة الحقيقي من ان تخرج اللجنة باستنتاجات تفسح المجال امام محاكمة الضباط والجنود الاسرائيليين، الذين شاركوا في العمليات الحربية في جنين، بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وهي تريد الا يكون هناك اي خطر لمحاكمتهم في المستقبل.

وكشف النقاب عن ان هذه المخاوف تستند الى اساس واقعي جدا. اذ ان رجل القانون الدولي الاسرائيلي، دانئيل بثليحم، قدم مذكرة عاجلة الى رئيس الوزراء، ارييل شارون، يحذره فيها من المطب الذي اعده له الامين العام للأمم المتحدة، بواسطة نص كتاب التعيين. ويقول: «حسب كتاب التعيين يظهر بوضوح اننا امام لجنة تحقيق خطيرة. اذ ان اية استنتاجات تخرج بها، حتى لو كانت متواضعة، سنفتح المجال امام محاكمة اسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب وسنفتح الطريق امام فرض قوات طوارئ دولية علينا. وحتى لو رفضنا ذلك في المستقبل، ولم يتحقق، فاننا سنكون عرضة لهجمة دولية شديدة لن تستطيع حتى الولايات المتحدة ان تقف الى جانبنا فيها».

من جهة اخرى بعث عضو الكنيست العربي، الدكتور احمد طيبي، برسالة الى رئيس اللجنة رئيس فنلندا الأسبق، مارتي اهتيساري، يحذره فيها من التجاوب او التساهل مع الحكومة الاسرائيلية في محاولتها افراغ مهمة اللجنة من محتواها ـ «فقد علمنا ان الحكومة الاسرائيلية ستطلب بأن تكون شهادات الضباط والجنود الاسرائيليين من دون الادلاء بأسمائهم او رتبهم العسكرية. وذلك لتفادي تقديمهم في المستقبل طبقا للقانون الدولي او المحلي». وأكد الطيبي ضرورة الكشف عن هوياتهم من اجل ملاحقتهم قضائيا في المستقبل.

تجدر الاشارة الى ان قيادة الجيش الاسرائيلي تقوم بفحص الضباط والجنود الذين شاركوا في العدوان على جنين لاختيار من يستطيع منهم الظهور امام اللجنة ويطرح الموقف الاسرائيلي الرسمي الذي يمنع ادانة الجيش حول تلك الجرائم.