سعد الدين ابراهيم لـ«الشرق الأوسط» قبل إعادة محاكمته اليوم: أحتج على إدخال أميركا في قضيتي.. وبعد السجن أصبحت أكبر سناً.. أكثر حكمة وأقل صحة

شارون جزار نازي مرعب وعرفات تحول إلى مانديلا فلسطيني

TT

تبدأ غدا اعادة محاكمة د. سعد الدين ابراهيم استاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية.

وبدون شك ستتعلق عيون د. ابراهيم بمنصة الحكم بينما لن يمنع عقله من استدعاء لحظات صعبة ذاق فيها مرارة السجن حيث قضى 303 ايام خلف القضبان بعضها قضاها حبساً احتياطياً وبعضها بناء على حكم بالسجن لمدة 7 سنوات صدر ضده قبل اعادة محاكمته.

عندما التقت «الشرق الأوسط» د. سعد الدين ابراهيم قبل ساعات من بداية الفصل الثاني من محاكمته وجدته أكثر تفاؤلاً خاصة بعد أن استطاع دفاعه أن يعبر به الجولة الأولى ونجح في استصدار حكم باعادة محاكمته عقب صدور حكم بادانته وسجنه لمدة 7 سنوات.

وكعادته كان د. ابراهيم هادئاً، يخفي تحت جلده الكثير من القلق، يختار كلماته بعناية ودقة عندما يتكلم عن القضاء، ومرافعات الفرصة الأخيرة، تظهر في عينيه ومضات من التوتر عندما تأتي سيرة أيام السجن، ولحظات كان فيها يشعر بالسعادة والارتياح عندما يجد زائرا في انتظاره خلف الأسلاك.

وعن الفارق بين محاكمته الأولى التي ادين فيها بالسجن 7 سنوات واعادة محاكمته صباح غد، قال د. ابراهيم، ان هناك فارقا كبيرا «أولاً هناك تغيير في الدائرة وبعد الحكم بقبول الطعن في الحكم السابق أتوقع أن تكون الدائرة الجديدة، أكثر انصافاً من الدائرة السابقة وهذا يعطيني احساسا بالطمأنينة النسبية».

* هل تخشى من محاكمتك أمام المستشار عادل عبد السلام جمعة خاصة أنه قضى على مختطف السياح الألمان بعقوبة السجن لمدة 15 عاماً تم تخفيفها إلى عشر سنوات بقرار من الرئيس مبارك؟

ـ أنا لا أستبق الأحوال ولا أفتي برأي في أي مواطن سواء كان يشغل منصباً قضائياً أو أي منصب آخر قبل أن أمر بالتجربة وبالتالي فأنا لا أشعر بأي شعور خاص ولكني أتطلع الى محكمة أو اي قاض عادل.

* كيف قضيت أيامك خارج السجن بعد الافراج عنك في 7 فبراير (شباط) الماضي وهل كنت تتمنى تأجيل المحاكمة الى وقت ابعد من 27 ابريل الجاري لتستريح فترة أطول؟

ـ لم أكن أتوقع أن تتم اعادة المحاكمة بهذه السرعة ومع ذلك فقد تعودنا على المفاجآت في هذا الموضوع وبالتالي لم تكن المفاجأة مزعجة بنفس الدرجة التي يتوقعها الآخرون وعلى أي الأحوال كنت أقضي وقتي في رؤية الأهل والأصدقاء والاستمتاع بأحفادي وفي القراءة والكتابة، ثم في الأسبوعين الأخيرين بعد تحديد موعد اعادة المحاكمة في 27 ابريل الجاري قضيناها في التنسيق والاستعداد للمحاكمة مع المحامين ومع بقية المتهمين.

* هل هناك تغييرات في فريق الدفاع عنك وعن باقي رفاقك خاصة بعد أن أخذت حكماً بالسجن 7 سنوات في المحاكمة الأولى وأدين عدد من العاملين والمتعاملين مع مركز ابن خلدون بالسجن مددا تتراوح بين 5 سنوات وسنتين؟

ـ لا، لا يوجد أي تغيير في فريق الدفاع، لأن فريق الدفاع قام بدور ممتاز شهدت به محكمة النقض، وهي محكمة المحاكم وبالتالي لم أر أنا وغيري من فريق ابن خلدون سبباً وجيهاً لتغيير هيئة الدفاع وانما نتمسك بها ونفخر بها.

* من هم أعضاء هيئة الدفاع في القضية؟

ـ الهيئة برئاسة، د. ابراهيم صالح وتضم في عضويتها المحامين (أحمد طلعت - د. محمد عيد الغريب - عبد العزيز محمد - أحمد عبد الحفيظ - عبد الفتاح مصطفى - عبد القادر عبد الغفار).

* اذا عدنا لأيام السجن فكم يوماً قضيت فيه سواء على ذمة الحبس الاحتياطي أو بعد ادانتك بالسجن 7 سنوات وقبل الافراج عنك بعد قبول الطعن في الحكم؟

ـ ( قالها بسرعة ) 303 أيام.

* كيف كنت تقضي يومك في السجن وما هي أصعب الأيام التي عشتها هناك؟

ـ أصعب الأيام بالطبع هي الأيام الأولى فهي تشبه فترة التدريب الأساسي لمن يلتحقون بالخدمة العسكرية في الجيش الى أن تتعود على نظام السجن ولوائحه والروتين الخاص به، وفي هذه الفترة كان هناك كثير من التكيف الذي كان لابد أن أتعلمه والحمد لله تعلمنا وتكيفنا معه وكانت معاملة القائمين على السجن معاملة انسانية مهذبة كما كانت معاملة بقية المسجونين في السجن معاملة طيبة ومحاولة لاعانتي على مواجهة ما اعتبروه هم مهمة.

* من هم الأصدقاء الذين خرجت بهم من فترة السجن؟

ـ كثيرون على كل المستويات ولا أستطيع أن أعددهم فقد كان هناك 500 شخص في السجن إلى جانب ادارة السجن والحراس وكل هؤلاء أصبحوا أصدقاء خلال فترة الـ9 أشهر التي قضيتها في سجن مزرعة طرة ولكن فترة الحبس الاحتياطي الـ40 يوماً لم أخرج منها بصداقات.

* ماذا عن لقاءاتك بالاسلاميين خلف أسوار السجن وماهي الموضوعات التي دار حولها النقاش؟

ـ الاسلاميون وغيرهم كانوا يناقشون حينما تتاح لهم الفرصة كل الموضوعات التي كانت تشغل الرأي العام في خارج السجن وأهمها أحداث 11 سبتمبر التي هيمنت على الأجواء ومناخ السجن بصفة عامة، وفيما يتعلق بالاسلاميين الذين قضى عدد منهم فترات في أفغانستان فكان النقاش معهم حول أفغانستان نقاشاً ثرياً.

* زارك عدد من السياسيين والدبلوماسيين فما هي أهم هذه الزيارات، وماذا دار فيها؟ وهل أعطت هذه الزيارات بعداً جديدا للقضية؟

ـ كل من زارني في السجن كان مهماً، فالسجين عادة في جو العزلة الذي يعيشه يرحب بمن يسأل عليه سواء كان قريباً أو غريباً وسواء كان مسؤولاً أو غير مسؤول، سياسياً أو غير سياسي وبالتالي كل الاعزاء وكل مندوبي أو ممثلي المنظمات الانسانية، منظمات حقوق الانسان كلهم كانوا مصدر اعتزاز وسرور وارتياح لي، لأنهم كانوا مهتمين بأحوالي الشخصية وأحوالي العامة.

* ومن هم أهم السياسيين الذين زاروك في السجن؟

ـ لن أتكلم عن الأهم والأقل أهمية فكلهم كانوا مهمين ابتداء من أصغر أبناء قريتي الى سفراء أكبر الدول كلهم بنفس القدر من الأهمية.

* هل تعاملت مع مسجونين جنائيين داخل السجن وماذا عن المسجونين الآخرين الذين كانوا معك في سجن مزرعة طرة؟

ـ كل هذه الفئات تعاملت معها وكلها كانت مصدر معرفة ومصدر خبرة لي كعالم اجتماع وجد في السجن فرصة للتعرف على أحوال مصر، من وجهة نظر من هم متهمون في قضايا كبيرة أو صغيرة.

* ماذا عن رفاقك من مركز ابن خلدون الذين عوقبوا في هذه القضية؟

ـ كل من في السجن كان لديهم حب استطلاع شديد عن مركز ابن خلدون، وكان رفاقي في السجن من المركز يقومون بالاجابة عن أسئلة بقية المساجين، ولاحظنا أن المساجين يتابعون الشؤون العامة بدقة وتفصيل ولذلك كان لديهم العديد من الأسئلة عن مركز ابن خلدون وعن القضية.

* ماذا عن العلاقات فيما بينكم داخل السجن؟

ـ العلاقات كانت طيبة جداً طبعاً، وحتى من فيهم غرر به وضغط عليه ليقول ما يضر مثل خالد فياض، كان دائم الندم وقد عبر عن ذلك حتى قبل السجن فيما سمي برسائل الغفران.

* ما هي رؤيتك لما قامت به اسرائيل في الأسابيع الأخيرة من قتل وتدمير للشعب والأرض الفلسطينية؟

ـ ماقامت به اسرائيل سيىء ولا يختلف عن ممارسات النازية.

* علاقتك بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كانت طيبة فما رؤيتك لمستقبله؟

ـ علاقتي بالرئيس عرفات كانت ومازالت طيبة وأرى أن ماقامت به اسرائيل ضده ساهم في تكريس زعامته أكثر وتحول عرفات الى مانديلا فلسطين جديد فقد كان رئيساً وأصبح زعيماً.

* كيف تنظر الى شارون بعد ما قام به من مذابح؟

ـ أنظر الى شارون بعدما قام به مؤخراً مثلما كانت نظرتي له من قبل فهو جزار ـ جزار نازي مرعب لا يستحق أن يكون رئيساً للوزراء.

* كنت متهما كأحد المروجين للتطبيع مع اسرائيل فهل لاتزال عند موقفك بعد هذه التطورات؟

ـ هذا اتهام خاطئ ومغرض ويسأل فيه من روج له، فأنا علاقتي كانت ولاتزال طيبة بالرئيس الفلسطيني عرفات ومنظمة التحرير وأنا لا أستخدم كلمة التطبيع حتى ولو كنت من أنصار السلام ومازالت من أنصار السلام، لكن لا أستخدم التطبيع ولا أمارس التطبيع.

* وهل ما زلت ترى أن خيار السلام ممكن مع اسرائيل رغم كل ماجرى؟

ـ السلام هو الخيار الأفضل وليكن السلام فالمقاومة.

* ترى أن هناك جدوى من التفاوض مع اسرائيل؟

ـ هناك جدوى من التفاوض مع أي طرف هناك بينك وبينه خلاف وصراع وإلا سيستمر الصراع المسلح إلى الأبد، وكل الصراعات المسلحة في التاريخ تأتي الى نهاية ووجهة نظري أنه اذا كان هناك طرف اسرائيلي مستعد للسلام العادل فليتفاوض معه الفلسطينيون فهم أصحاب القرار وهم الذين يقررون.

* ماذا تغير في الدكتور سعد الدين ابراهيم بعد هذه التجربة وهل تتوقع أن تنتهي عند هذا الحد من أيام السجن؟

ـ أنا أستبشر خيراً دائماً والذي تغير فيَّ أنني أصبحت أكبر سناً وأكثر حكمة وأقل صحة، لكن روحي المعنوية لاتزال قوية أقوى مما كانت عليه من قبل.

* وهل تنوي اعتزال السياسة والعمل العام؟

ـ لا أنوي اعتزال العمل العام لأنه جزء من رسالة أي عالم ومثقف، أما السياسة فأنا لم أمارسها فالسياسة هي رغبة في السلطة وأنا لم أسع للمشاركة في السلطة، فأنا مفكر ومهتم بالعمل العام وداعية للديمقراطية وللمجتمع المدني.

* اذا استمر سعد الدين ابراهيم في العمل العام فما هي القضايا التي سيهتم بها وكيف سيكون شكل أدائه؟

ـ سأهتم بنفس القضايا والمبادئ والهموم التي شغلتني طوال الـ40 سنة الأخيرة ربما يتغير الأسلوب أو اللغة انما لن يتغير لا التوجه ولا الالتزام بهذه القضايا.

* أية تجربة مهما كانت مرارتها تكون هناك أوجه ايجابية لها فما هي الأوجه الأكثر مرارة في هذه التجربة وما هي ايجابياتها؟

ـ أنا شخصياً ليس لدي أي مرارة على الاطلاق والايجابيات كثيرة فهي انني تعلمت كثيراً عن نفسي وعن أسرتي وعن أصدقائي وعن خصومي ولا أقول أعدائي فأنا لا أعتبر أن لي أعداء ولكن لي خصوما، كذلك تعلمت كثيراً من زملائي في السجن الذين كانوا يقضون عقوبات ابتداء من الاسلاميين الى أعضاء مجلس ادارة نادي الشمس مروراً بنواب القروض. كانت بانوراما للمجتمع المصري بكل فئاته وطبقاته ومشكلاته.

* تدخلت السفارة الأميركية بشكل أو آخر عقب كل جلسة من جلسات محاكمتك وكانت ترسل بيانات تستنكر استمرار حبسك فهل تتوقع أن تتدخل في اعادة محاكمتك مرة ثانية؟

ـ أنا لا تعليق لي على تدخل السفارة الأميركية، اذا كان هناك شيء يخصها قلت لها عنه، وأنا دخلت هذه المحنة ومازلت فيها وانا مصري، مصري (قُح) من أعماق ريف مصر، ولا أسعد أبداً حينما يثير صحافي سواء بحسن النية أو بسوء النية قضية التدخل الأميركي في قضيتي، فقد كان هناك تدخل أوروبي ربما أكثر من التدخل الأميركي انما الاصرار والتلميح بتدخل أميركي، يسأل عنه الأميركيون أو المصريون الذين تدخل لديهم أميركان كما تقول، لكن أنا أحتج وبشدة على اقحام أميركا في هذه القضية، وفي سؤالي عن هذه القضية.