الجزائر: خلافات داخل الأحزاب الوطنية قد تؤدي إلى فوز الإسلاميين بالأغلبية في الانتخابات

TT

أبدى سياسيون جزائريون قلقا من الخلافات التي تضرب، منذ أيام، أقوى حزبين مقربين من السلطة الحاكمة، اعتقادا منهم أن ذلك من شأنه أن يزيد في حظوظ أحزاب التيار الإسلامي بالفوز بأغلبية المقاعد في البرلمان القادم. وحذر برلماني ينتمي إلى حزب جبهة التحرير الوطني، الذي يقوده رئيس الحكومة علي بن فليس، من «تمادي أطراف في دوائر الحكم من نفث سموم الخلاف وسط أحزاب التيار الوطني». وأوضح نفس المصدر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أمس، من أن التململ الذي يطبع حزبه، بسبب الخلاف حول قوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية المقررة يوم 30 مايو (أيار) القادم، «لن يعود إلا بالضرر على سمعة جبهة التحرير، ومن شأن ذلك أن يقلل حظوظنا في إحراز الأغلبية». ورغم أن نفس المصدر يعتقد أن الخلاف الذي يهز قواعد الحزب في مختلف المناطق «ليس بنفس الحدة التي تشهدها أحزاب أخرى»، في إشارة إلى التجمع الوطني الديمقراطي (حزب الأغلبية البرلمانية)، فإنه لم يخف قلقه من «استفادة الأحزاب الأصولية» من مخلفات النزاعات الداخلية في وسط أكبر حزبين في البلد.

ولا يستبعد وزير سابق وقيادي في التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يتزعمه وزير العدل أحمد أويحيى، أن يفرز اقتراع 30 مايو القادم نتائج «مفاجئة أشبه بتلك التي أذهلت الرأي العام في فرنسا»، قبل أيام. وقال، في هذا الصدد، ان شبح الإسلاميين المتطرفين لم يبتعد عنا رغم الحرب التي تشنها الدولة ضدهم منذ عشر سنوات، ومن المحتمل جدا أن يخرج علينا هذا البعبع من عنق الزجاجة في الانتخابات التشريعية القادمة. خاصة في ضوء دعوة أهم شخصيات وأحزاب التيار الجمهوري إلى مقاطعة الانتخابات». ولا يتفق، نفس المسؤول الذي يقول إنه رفض الترشح هذه المرة، مع الرأي القائل إن «هناك محاولات من السلطة لتغليب كفة التيار الإسلامي وتحجيم حزب الأغلبية الحالية»، لكنه يشدد على أن «إصرار حكومة الرئيس (عبد العزيز) بوتفليقة على إجراء هذه الانتخابات في موعدها رغم مقاطعة منطقة القبائل وأقطاب التيار الجمهوري، من شأنه أن يؤدي إلى هذه النتيجة».

ووصل الأمر بالغاضبين على كيفية اختيار مرشحي التجمع الوطني الديمقراطي للبرلمانيات القادمة، إلى حد الإعلان عن إنشاء لجنة وطنية لإنقاذ الحزب من أيدي أمينه العام أحمد أويحيى. وبدأ أصحاب المبادرة، وأغلبهم من نواب الحزب في البرلمان، في التحرك من أجل تشنيع صورة كثير من المرشحين، ومن ذلك تسريب معلومات حول ماضي هؤلاء أو تورط بعضهم في قضايا أخلاقية أو متابعتهم أمام القضاء. كما حذر الغاضبون على أويحيى من مغبة تقزيم حجم تمثيل التجمع الوطني الديمقراطي. ويعاتب هؤلاء الأمين العام للحزب على سوء تسييره وذهبوا إلى حد اتهامه بما وصفوه بجر التجمع نحو التفكك الحتمي، اعتقادا منهم أنه «يطبق خطة محكمة أملتها عليه جهات في دائرة القرار تعتقد أن دور حزبنا يجب أن ينتهي».

من جهة أخرى، أعلن الأمين العام لحركة النهضة الإسلامية الدكتور لحبيب آدمي، أمس، أنه لا يمانع في تأجيل الانتخابات البرلمانية، إذا اقتضت الضرورة والمصلحة الوطنية ذلك. وصرح آدمي، في ندوة صحافية عقدها في أحد فنادق العاصمة أن حزبه تلقى ضمانات من السلطة لإجراء انتخابات شفافة ونزيهة وديمقراطية. وكشف أن المرشحين باسم حركة النهضة ليسوا جميعا مناضلين فيها، بل هناك 25 في المائة من المرشحين جاؤوا من خارج الحزب، إلا أنهم يشاطرونه الأفكار ويحملون نفس المشروع لكنه لم يوضح كثيرا ما اذا كان الأمر يتعلق بمرشحين ينتمون إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ، مثلما تردد في السابق.

كما أعلن، بالمناسبة، أن حركة النهضة، المشاركة في الائتلاف الحاكم، سحبت مرشحيها في منطقة القبائل بسبب التهديدات والضغوط التي تعرضوا لها. وكان أهم حزبين يمثلان منطقة القبائل (جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) قد أعلنا مقاطعتهما للانتخابات البرلمانية إلى حين استجابة السلطة لجميع مطالب الحركة الاحتجاجية التي تعيشها المنطقة منذ عام بعد مقتل تلميذ داخل مقر للدرك الوطني في قرية بني دوالة بولاية تيزي وزو (110 كلم شرق العاصمة). وقام راديكاليون في حركة العروش بسرقة عدد كبير من صناديق الاقتراع من داخل البلديات وحرقها كمحاولة منهم للضغط من أجل منع الانتخابات. كما هددوا من يحاول الترشح والتوجه إلى صناديق الاقتراع بالانتقام منه. غير أن الحكومة فضلت عدم الرضوخ لهذه الضغوط وأعلنت تمسكها ونيتها في إجراء الانتخابات في موعدها المحدد. في حين يعتقد ملاحظون أن «اجراء الانتخابات من دون منطقة القبائل ليس من شأنه إلا أن يدفع بالمنطقة نحو مصير مجهول ويعقد حل الأزمة القائمة هناك».

وبالمقابل تبدو الأحزاب الإسلامية الثلاثة، حركة مجتمع السلم وحركة النهضة وحركة الإصلاح الوطني، أكثر انسجاما وانضباطا بعد الانتهاء من إيداع ملفات الترشح وهو ما يدفع الملاحظين إلى الاعتقاد أن ذلك سيكون لصالح هذا التيار الذي أصبح يؤمن بضرورة نبذ الفكر المتطرف والدخول في مرحلة هدنة مع النظام الحاكم إلى حين التمكن من معرفة جيدة لطرق سير دواليب الحكم في الجزائر. ويذكر أن حركة محفوظ نحناح تشارك في الحكومة منذ سنوات، تلتها حركة النهضة بعد الانتخابات الرئاسية لعام 1999، في حين يتردد أن حركة عبد الله جاب الله قد أعلنت موافقة مبدئية على دخولها الحكومة القادمة مقابل تخفيف حدة معارضتها.