آفاق الصراع على نفط بحر قزوين بين إيران والولايات المتحدة

TT

«إنهم حاضرون حتى وان لم يكونوا هنا». هذا تعليق صدر عن وزير النقل الايراني أحمد خورام يوم الأربعاء الماضي في نهاية أعمال قمة الدول المطلة على بحر قزوين التي عقدت بعشق آباد عاصمة تركمانستان، وانتهت بدون نتيجة بعد طول انتظار. والمقصود بـ«هم» هنا، بطبيعة الحال، الولايات المتحدة، التي تحملها طهران مسؤولية فشل قمة قزوين. في هذه القمة التي عقدت في مدينة عاشق آباد، التقى رؤساء الدول الخمس المطلة على بحر قزوين وهي روسيا وكازاخستان وتركمانستان وايران وأذربيجان.

وقال خورام، وهو عضو في الوفد الأيراني الذي رأسه الرئيس محمد خاتمي، للصحافيين: «ان الولايات المتحدة كانت المشارك السادس غير المنظور». وأضاف «الأميركيون لم يرغبوا أن نتوصل لاتفاق.. وقد حدث ما أرادوا».

قد يكون هذا الرأي مبالغا فيه. لكن الحقيقة ان واشنطن مارست ضغوطا في موسكو وعشق آباد وألاستانه وباكو، من أجل منع الموافقة على مقترح ايراني بتقسيم بحر قزوين، الذي يعد أكبر تجمع للمياه تحيط به أراض من جميع أنحائه، بين الدول الخمس المطلة عليه بالتساوي.

وحتى عام مضى كان الموقف الايراني يتمتع بشيء من الدعم في موسكو وعشق آباد. لكن ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش أقنعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتن ونظيره التركماني مراد نيازوف بالابتعاد عن طهران. وهما الآن يدعمان الموقف الأميركي الداعي لتقسيم قزوين على أساس مساحة سواحل كل من الدول المطلة عليه. وذلك قد يعني حصول ايران في نهاية المطاف على 11% فقط من مساحة البحيرة الهائلة، وليس خمس المساحة الذي تطالب به.

وما حدث في قمة عشق آباد، التي أعلن عنها للمرة الأولى خلال عام 1999،ثم تأجلت ثلاث مرات، يمثل هزيمة دبلوماسية لخاتمي الذي يقوم حاليا بجولة في دول وسط آسيا. لكن مؤيدي خاتمي، مع ذلك، يوجهون اللوم للتيار الخميني المتشدد ولخطابه الصاخب المعادي لأميركا. ويقول ديبلوماسي ايراني مقرب من خاتمي: «لا نستطيع أن نطلب من روسيا أو كازاخستان أو أي شخص آخر أن يتبنى موقفا معاديا لأميركا بهذا الخصوص فقط من أجل ارضائنا. وبتحويل كل القضايا الى معارك بين ايران والولايات المتحدة سنكون قد ألحقنا ضررا بمصالح ايران».

وتصر بعض الجماعات المؤيدة لخاتمي على أن تبادر طهران باقامة حوار مع واشنطن «بشأن جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك». وبذل صادق خرازي، شقيق وزير الخارجية كمال خرازي، والمقيم في نيويورك منذ فترة زمنية طويلة، جهدا كبيرا من خلف الستار لتبني مثل هذا الحوار. حيث ظهرت أولى مؤشرات تحقيقه لبعض النجاح خلال شهر مارس (آذار) الماضي عندما وجه السيناتور جوزيف بيدن، الذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، الدعوة لبرلمانيين ايرانيين لزيارة الولايات المتحدة وبدء الحوار.

وكانت فكرة الحوار قد تلقت دعما اضافيا في الجانب الأميركي من قبل شخصيات كالسيناتور تشارلز هاجل، الجمهوري ذي المستقبل الواعد، ومن وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت.لكن التيارات المتشددة في طهران تصر على أن الولايات المتحدة تريد تدمير النظام الايراني الحالي، وان الحوار قد يستغل لاحداث الفرقة بين القيادة الايرانية،ويطرحون كيف ان بوش ضم ايران الى ما سماه «محور الشر» الى جانب كوريا الشمالية والعراق.

ويقول آية الله محمد يزدي، وهو عضو سابق في المحكمة العليا: «الأميركيون لا يريدون الحوار.. انهم يريدون املاء رغبتهم علينا كما هو الحال مع الآخرين».

وكان «المرشد الأعلى» علي خامنئي، قد استبعد خلال خطبة القاها الشهر الماضي، اجراء أي حوار مع واشنطن، لكن يبدو على أية حال ان هناك ما يشير الى أن طهران تتجنب المواجهة مع واشنطن. فخلال الشهر الماضي، طلبت طهران من الأصولي الأفغاني المتشدد قلب الدين حكمتيار مغادرة البلاد بعد أيام قليلة من دعوة واشنطن لوضع حد لأنشطته. كما أمرت ايران مقاتلي الهزارة المسلحين الذين يتمركزون بالقرب من كابل بعدم اقتحام المدينة.

والاهم من ذلك ان طهران بعثت بوزير خارجيتها الى بيروت ودمشق لتخفيف حدة التوتر بين اسرائيل والفرع اللبناني لحزب الله. ومنذ تلك الزيارة لم ينفذ حزب الله أي هجوم ضد مواقع اسرائيلية. وطبقا لمصادر اردنية فقد توقفت ايران عن تهريب الأسلحة لجماعات فلسطينية مسلحة لديها فروع في المملكة. وبنفس درجة الأهمية كان قرار ايران بعدم الانضمام للعراق فيما يتعلق بقطع امدادات النفط. وهو قرار مهم على اعتبار ان الفكرة خرجت في بادئ الأمر من طهران.

وتوقع خاتمي وأصدقاؤه أن تستجيب واشنطن لهذه الاجراءات ببعض الايماءات الايجابية.وقال ديبلوماسي مقرب من خاتمي: «لم نلحظ أية بوادر ايجابية.. ان الأميركيين يريدون أن نتوسل اليهم لكي يحاورونا ثم أن نستسلم لهم. .وتلك مسألة تجعل الحوار صعبا للغاية».

على ان هزيمة ايران في قمة قزوين لا تعود في مجملها لـ «دسائس» واشنطن. فقد أرادت ايران أن تتمتع الدول المطلة على قزوين بحق الاعتراض على صفقات النفط التي تعقدها كل منها مع دول لا تطل على البحيرة. ومضمون الفكرة أن لا يستغل انتاج قزوين بعيدا عن سياسات منظمة «أوبك» التي تعد ايران أحد مؤسسيها.

ويتوقع أن تبلغ صادرات نفط قزوين قرابة 53 مليون برميل يوميا خلال الأعوام الثلاثة أو الأربعة المقبلة. وتوفر احتياطيات قزوين ما يمكن اعتباره ثالث أكبر مصدر للنفط بعد الخليج وسيبيريا بما يجعلها متقدمة على خليج المكسيك. وكان الارتفاع الأخير في أسعار النفط قد جعل من الاستثمار في نفط قزوين أكثر جاذبية. حيث يرغب كبار مستوردي النفط مثل الولايات المتحدة واليابان والصين والاتحاد الأوروبي في أن لا تتمتع ايران بنفوذ واسع في هذا الاقليم الحساس للغاية.

ولم يغير استعراض ايران لقوتها أمام أذربيجان خلال الصيف الماضي من تلك الحقيقة. فالولايات المتحدة وتركيا استهلا بالفعل برنامجا لبناء جيش وقوات جوية في اذربيجان،كما وقعا معاهدات يقومان بموجبها بالدفاع عن هذه الدولة حديثة الاستقلال من اية تهديدات ايرانية مستقبلية.

وما أثار قلق ايران بشكل أكبر نجاح الولايات المتحدة في تأسيس وجود عسكري في جورجيا وأوزبكستان اضافة الى أفغانستان. وهناك مفاوضات جارية بشأن وجود أميركي في أرمينيا، آخر حلفاء ايران في منطقة القوقاز.

وقال هاله كالانتان الباحث الايراني: «يقوم الأميركيون بانشاء طوق حديدي حول ايران. وخلال عام او اثنين قد تكون هناك قواعد أميركية في العراق. والاجابة على كل هذا لا تكون بالمسيرات في طهران وبالخطب الحماسية التي لا تدعمها قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية».