دوافع الانتحاريات الفلسطينيات هي نفسها دوافع الرجال.. الحرمان اليومي وسياسة الإهانة الإسرائيلية

TT

اذا كانت حالة واحدة تبدو شاذة، فإن اربع حالات تعتبر ظاهرة..

4 نساء مسلحات بالمتفجرات، اقل اثارة للشكوك من الشباب، ولا تنطبق عليهن الصورة التقليدية للانتحاري الفلسطيني.

4 نساء، واحدة خياطة ملابس، والثانية تعمل في الاسعاف، واخرى تدرس في الجامعة والاخيرة طالبة مدرسة ثانوية، تركن اربع اسر مصدومة، تتراوح مشاعرها بين الفرحة والبكاء، والعديد لم يتوقع حدوث ذلك.

وتقول ام اخر الانتحاريات عندليب طقاطقة «لو كنت اعلم أنها تنوي ذلك لمنعتها». بينما نقل عن ابيها امتداحه لعمل ابنته قائلا: «تفجيرها حافلة في القدس في 12 ابريل (نيسان) ادى الى مقتل 6 اسرائيليين».

العمليات الانتحارية النسائية بدأت في 28 يناير (كانون الثاني) الماضي، عندما دخلت وفاء ادريس (28 سنة) الى منطقة تجارية في شارع يافا بالقدس المحتلة، ونسفت نفسها وقتلت اسرائيليا. وكشفت العمليات التي قامت بها وفاء وغيرها من النساء الفلسطينيات عن مدى الفوضى المنتشرة في الشرق الاوسط، لكنها بالنسبة للبعض اصبحت نموذجا.

لقد دخلت وفاء والفتيات الفلسطينيات اللاتي تبعنها جماعات الشهداء الفلسطينيين المتزايدة. وانتشرت الملصقات التي تحمل صورهن على الجدران. وظهرت قصيدة تمتدح واحدة منهن. وقارن كاتب صحافي في صحيفة «الوفد» المصرية وفاء بالموناليزا، ممتدحا «عينيها الحالمتين والابتسامة الغامضة على شفتيها». واثارت الفتيات جدلا بين علماء الدين المسلمين حول الشرعية الدينية لما فعلنه.

وبعبارة قصيرة: تحولت الفتيات الى أساطير. غير انهن نساء ومن غير المتوقع قيامهن بمثل هذا العمل.

ان الفلسطينيين مثل الاميركيين يميلون الى ربط العنف بالرجال. وقال بعض خبراء الشرق الاوسط ان الفتيات الاربع يمثلن نقلة واعية في الفكر الفلسطيني، مثل تحول العمليات الانتحارية من تكتيكات هامشية الى استراتيجية منظمة، كانت نقلة نوعية هي الاخرى.

* سياسة الاهانة

* ومنذ عام 1993، وقعت اكثر من 100عملية انتحارية، بينها 60 عملية في الانتفاضة الحالية.

واوضح بريان جنكينز وهو خبير في مكافحة الارهاب خدم في القوات الخاصة الاميركية قائلا: «ان الظروف في الاراضي الفلسطينية المحتلة ادت الى خلق مثل هذا المستوى من اليأس والغضب والكراهية، بحيث ان اعداد الانتحاريين المحتملين والمجندين قد توسع». ويعمل جنكينز حاليا في مؤسسة راند للابحاث في كاليفورنيا.

السؤال الذي يتبادر الى الذهن هو من يدهش مما فعلته وفاء والفتيات الاخريات؟ لقد ادت الانتفاضة، بالنسبة للبعض، الى جعل ظهور الانتحاريات امرا حتميا.

ذكرت اصلاح جاد، وهي فلسطينية من مواليد القاهرة تحاضر في قضايا المرأة في جامعة بيرزيت في رام الله، ان النساء يتعرضن الى «سياسة الاهانة» الاسرائيلية مثل الرجال. وقد سألت الطالبات مؤخرا السؤال التالي: «اليس من الغريب بالنسبة لكن كنساء القيام بمثل هذا العمل؟»، وقد اجابت معظم الطالبات: لماذا؟ لماذا انت مندهشة؟ الغريب الا تنضم النساء».

ومعلوم ان العمليات الانتحارية ليست بالجديدة تاريخيا. فهناك العمليات الانتحارية للطياريين اليابانيين في الحرب العالمية الثانية، وجماعة نمور التاميل التي تناضل من اجل وطن مستقل في سري لانكا.

ففي عام 1991 اغتالت انتحارية تاميلية رئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي خلال تجمع سياسي بشحنة متفجرات كانت حول جسمها.

والتاريخ ملئ بنماذج النساء الفدائيات. وواحدة من اشهرن هي ليلى خالد، التي اختطفت باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين طائرة في عام 1969. وفي عام 1987، شاركت كيم هيون هيو من كوريا الشمالية في وضع قنبلة في طائرة تابعة لشركة طيران كوريا الجنوبية، مما ادى الى مقتل 115 شخصا داخل الطائرة، وقد حاولت ابتلاع سم الزرنيخ عندما قبض عليها.

ويوضح جنكينز: «ان خلفيات الانتحاريين الفلسطينيين تغيرت منذ اول عملية قبل تسع سنوات. ففي البداية كان النموذج المثالي للانتحاري هو شاب يتراوح عمره بين 18 و22 سنة، غير متعلم تعليما جيدا، وربما ينتتمي الى الطبقات الدنيا الاجتماعية».

* والآن ظهرت وفاء..

* يقول تشارلز كيمبل استاذ الاديان في جامعة ويك فورست في نورث كارولينا، والمتخصص في شؤون الشرق الاوسط والدرسات الاسلامية: «كان الامر صدمة بالنسبة لاسرائيل.. فأنت تبحث عن شباب يرتدون ملابس منتفخة، وفجأة.. يمكن لاي امرأة ان تصبح انتحارية».

ومع تزايد العنف في الانتفاضة الحالية، وتنافس الجماعات العلمانية والسياسية والدينية من اجل السيطرة على الشارع الفلسطيني، تحولت العمليات الانتحارية الى تيار رئيسي، طبقا لاراء العديد من المحللين. واوضحت رونا فيلدز وهي محللة نفسية قضت 30 سنة تدرس الفكر الارهابي: «الانضمام الى التيار الرئيسي هو الشهادة، والنساء يسعين اليها».

ويشير المحللون الى ان هذا الفكر يعتمد على العصبية الوطنية اكثر من اعتماده على المشاعر الدينية. واوضح شبلي تلحمي خبير شؤون الشرق الاوسط في جامعة ميريلاند والزميل في معهد بروكينجز: «ان دور المرأة في هذه الظاهرة هو توظيف لما اصفه بعلمنة الظاهرة».

وفي الوقت الذي كانت الجماعات «الاصولية» مثل حماس والجهاد اقل رغبة في تبني الانتحاريات، فإن كتائب شهداء الاقصى، وهي جماعة اكثر علمانية، هي الجماعة التي ينتمي اليها الفتيات الاربع. وبعد وفاة وفاء، يتردد انها بدأت في تشكيل وحدة خاصة لتجنيد المزيد من النساء.

واوضح شريف بسيوني، وهو مصري الاصل يحاضر في القانون في جامعة دي بول: «لقد زادت اعباء النساء في الاراضي المحتلة، فبعض الشبات لا يردن البقاء في الخفاء يبحثن عن الطعام او يحاولن العثور على خيط لرتق قميص ممزق، او العثور على خشب لاشعال النار.. لقد اصبحت الحياة بدائية للغاية».

وتضيف فيلد انه ربما كانت النساء الفلسطينيات بصفة خاصة اكثر استعدادا للرد على الازمة عبر وسائل حاسمة، وان كانت عنيفة. فمجتمعهن يسيطر عليه الرجال ولكن «من بين كل المجتمعات العربية فإن المرأة الفلسطينية هي اكثرهن ليبرالية.. فهن افضل المتعلمات واقلهن ارتباطا بالادوار التقليدية».

* علماء الدين

* وطبقا لترجمات قدمها معهد ابحاث الاعلام في الشرق الاوسط، ايدت مجموعة كبيرة من علماء الدين المسلمين والكتاب والصحافيين في العالم العربي وفاء. كما نقل عن قادة حماس قولهم: «ان الجهاد ضد العدو فريضة لا تنطبق على الرجال فقط، ولكن على النساء ايضا».

وكان الشيخ احمد ياسين الزعيم الروحي لحماس قد اشار في حديث لصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية الى ان النساء اللاتي يشاركن في «الجهاد والشهادة» في حاجة الى محرم في بعض الحالات. كما قال خالد ابو الفضل الذي يدرس الشريعة في كلية القانون جامعة لوس انجليس: «عندما يتعلق الامر بالدفاع عن الارض، فإن الاسلام ينص علي ان المسؤولية تقع على عاتق الرجال». (هناك خلافات كبيرة حول ما اذا كان الاسلام يقر العمليات الانتحارية، فالقرآن يحرم الانتحار وقتل الابرياء، ولكنه يصف الذين يموتون «من اجل الله» كشهداء).

ويشير البعض الذين يدرسون الشأن الفلسطيني الى ان ظهور الانتحاريات يمكن تفسيره، بطريقة خاطئة، وانه يعكس ما تصفه فيلد بأنه «المطالبة بوضع متساو». وقبل ان تفجر ايات الاخرس (18 سنة) نفسها في سوبر ماركت في القدس المحتلة في الشهر الماضي، مما ادى الى مقتل حارس وفتاة اسرائيلية في السابعة عشرة من عمرها، سجلت رسالة استشهاد. قالت: «سأقاتل بدلا من الجيوش العربية الخامدة، والتي ترقب الفتيات الفلسطينيات يقاتلن وحدهن».

وتقول اصلاح جاد انه بالنسبة لبعض النساء فإن الامر يبدو وكأنهن يقلن «لسنا اقل رجولة من الرجال». غير ان رونا فيلدز ذكرت «هذه طريقة رهيبة ومرعبة لتحقيق المساواة».

الا ان معظم الخبراء يؤكدون ان الاسباب الرئيسية لمشاركة النساء في العمليات الانتحارية تعكس نفس الدوافع بالنسبة للرجال ،انه الحرمان اليومي والافتقار الى موارد عسكرية، يمكن عن طريقها مواجهة الدبابات الاسرائيلية والجنود المسلحين تسليحا جيدا، والاعتقاد بأن الشهادة ستدخلهن الجنة.

ولكن هناك بعض الظروف الشخصية. فوفاء ادريس على سبيل المثال وهي امرأة مطلقة، شاهدت اراقة الدماء عن قرب خلال عملها كمتطوعة لمساعدة الاطباء. بينما فقدت دارين ابو عيشة، التي نسفت نفسها في شهر فبراير(شباط)الماضي، مما ادى الى اصابة ثلاثة من رجال الشرطة في نقطة تفتيش، عددا من افراد اسرتها في تبادل لاطلاق النار مع القوات الاسرائيلية.

ووصفت فيفيان خميس ،وهي استاذة فلسطينية لعلم النفس في جامعة بيت لحم،العمليات بأنها «عمليات استشهادية» ورفضت ادانتها او تأييدها، وقالت ان انتحاريي الغد يتشكلون اليوم.

واضافت «الاطفال يشاهدون الناس حولهم. ويشاهدون غيرهم من الاطفال، ويشاهدون التلفزيون، وهؤلاء هم النماذج التي يتطلعون اليها.. تطلب العديد من الفتيات الان اسلحة».

* خدمة «واشنطن بوست ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»