منفذ أول عملية لابن لادن يروي كيف هاجم الملك ظاهر شاه بخنجر من الفضة في روما

برتغالي اعتنق الإسلام أراد تسميم المياه في إسرائيل وتزويد «القاعدة» بسلاح نووي وسدد للعاهل الأفغاني المعزول طعنة أنقذته منها منفضة سيجار

TT

أول من نفذ عملية لابن لادن قبل 10 سنوات، وكذلك أول من سعى لتزويد تنظيم «القاعدة» حين كان في بداية التأسيس في أفغانستان، بقنبلة نووية روسية على شكل «حقيبة» صغيرة، بل خطط من هناك أيضا لتسميم شبكة مياه الري في اسرائيل عبر اشباعها بالزئبق المكثف، بحيث لا ينبت في تربتها بعد ذلك خضار ولا حبوب، ولا حتى الفاكهة والعشب طوال سنين عديدة، هو برتغالي مولود في أنغولا منذ 37 سنة.

إنه باولو جوزيه ألميدا دوس سانتوس، أو عبد الله يوسف كما سمى نفسه منذ اعتنق الاسلام قبل 13 عاما في تركيا، والمقيم الآن في دولة افريقية منذ خرج قبل سنتين و4 أشهر من سجن أمضى فيه 8 أعوام في ايطاليا، لقيامه وهو بعمر 26 سنة بأولى العمليات الدموية لابن لادن: محاولة اغتيال ملك أفغانستان السابق ظاهر شاه، في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1991 بخنجر فضي وهو يقابله في فيللته بروما متنكرا كصحافي.

وكانت صحيفة «اكسبريسو» البرتغالية نشرت تحقيقا موسعا ومعززا بمقابلة مع عبد الله يوسف، أجراها الصحافيان جوزيه بيدرو كاستانييرا وأنطونيو بيدرو فيريرا، ممن تحدثت «الشرق الأوسط» الى أولهما أمس، طالبة التعاون لاجراء حديث عبر الهاتف مع عبد الله، المقيم في دولة بالشرق الأفريقي مع زوجته مكية، مواطنة هذه الدولة، والتي له منها طفل وحيد اسمه عمر لا يزيد عمره على 7 أشهر. الا أن عبد الله رفض الحديث، طالبا في الوقت نفسه عدم ذكر الدولة التي يعيش فيها، فيما لو كتبت «الشرق الأوسط» عن قضيته، بعد حصولها من الصحافيين البرتغاليين على مزيد من المعلومات عن محاولته اغتيال الملك الأفغاني المعزول الذي عاد منذ بضعة أيام الى بلاده.

وألمت «الشرق الأوسط» من الصحافيين بالمزيد عن العملية الأولى لابن لادن، ومنها أن عبد الله ناقش تفاصيل اغتيال الملك الأفغاني شخصيا مع زعيم تنظيم «القاعدة» نفسه، حين التقاه في 1991 بمدينة بيشاور الباكستانية، وإن الشرطة الايطالية هي التي كشفت مخططه لتسميم مياه اسرائيل، حين عثرت على وثائق تتضمن بعض التفاصيل في شقته بعد اعتقاله اثر فشل عملية الاغتيال، ومن ذلك المخطط، بالاضافة الى التحقيقات معه فيما بعد، اتضح ما كان ينوي له بن لادن حين البدء بتأسيس «القاعدة» وسعى اليه منذ سنين طويلة، الا أن أجهزة المخابرات الغربية استصغرت شروره.

وروى عبد الله إنه بعد أن أمضى عامين في أفغانستان، تدرب خلالهما مع «المجاهدين» وغادرها على مراحل ليزور اليمن ومصر والمغرب، سافر من بعدها من أفغانستان الى روما، بعد الالمام بتفاصيل ما عليه أن يفعل من أبو حفص المصري، متنكرا كصحافي برتغالي ينوي إجراء مقابلة مع ظاهر شاه، الذي كان قد مضى على نفيه الى هناك 18 سنة بعد خلعه في 1973 عن العرش، فاستأجر شقة في وسط روما، وطلب موعدا مع الملك ليجري معه مقابلة صحافية، وحين جاء موعدها أقله بسيارته من باب العمارة التي كانت فيها الشقة صهر للملك، وهو الجنرال الأفغاني السابق عبد الوالي، ومضى به الى حيث يقيم الملك في فيللا على مشارف العاصمة الايطالية «فاستقبلني كالمعتاد، وبدأنا نتحدث دائما بالانجليزية، حتى انتهت المقابلة بعد ساعتين كما حددها، وتماما عند الواحدة بعد الظهر» كما قال.

من بعدها نهض عبد الله يوسف، وفتح حقيبة صغيرة كانت بحوزته، وسحب منها خنجرا كان ما يزال في غمده، وسبق أن اشتراه من افغانستان وحمله معه، وقال للملك: «جئتك بهذا الخنجر معي من بلادك التي كنت فيها قبل شهر، لأقدمه اليك هدية» فتبسم ظاهر شاه، وقام عن مقعده وهو يشكره ليتسلم الهدية التي بدل أن يضعها باولو دوس سانتوس بين يديه، تراجع خطوة الى الوراء وسحب الخنجر الفضي من الغمد المطرز، وأقبل من بعدها مسرعا الى الأمام ليسدد به طعنة الى الصدر حيث القلب، فترنح الملك المنفي من مفاجأة لم يكن ينتظرها بالمرة، الا أن الطعنة ذهبت سدى، لاستقرارها تماما في منفضة فضية للسيجار اعتاد الملك المدمن على تدخين اللفافة الكوبية أن يضعها في جيب بالجانب الأعلى من سترته، بحيث تكون تماما عند موقع القلب حين اغلاق السترة بالأزرار، فهي رقيقة ويمكن فتحها واغلاقها بسهولة بعد استخدامها كلما أشعل الملك، المصاب بسرساب النظافة، سيجارا في مكان لا منافض فيه.

استشاط عبد الله يوسف غضبا، وحل به المزيد من التوتر، حين رأى الملك لا يصاب بأي ضرر، بل يحاول الهجوم عليه أيضا، فهاجمه بدوره ليسدد له طعنة بالخنجر ثانية، الا أنها مرت أفقيا الى اليمين من عنق ملك غاضب ومتوتر، فأصابته بجلخ في الجلد بسيط، تمالك معه نفسه من جديد وبدأ يصرخ بالايطالية ولغة البشتون، طالبا النجدة، فأسرع الجنرال عبد الوالي، وكان في غرفة مجاورة يكلم أحدهم عبر الهاتف، ومعه أسرع 3 خدم الى غرفة الملك وهو يتعارك مع عبد الله يوسف، فيما هب آخر واستدعى الشرطة التي وصل رجالها على عجل، ليلقوا القبض على «الصحافي» القادم من أفغانستان بخنجر من فضة، وزجوه بعد محاكمة استمرت عامين لأكثر من 8 سنوات، أمضاها وراء القضبان يطالع المزيد عن الاسلام بالايطالية التي تعلمها من سجناء اعتاد أن يلعب مع بعضهم الشطرنج، ويروي للبعض الآخر مغامرات وحكايات، ومن بينها علاقته بشاب عربي في أفغانستان، لم يكن يزيد عمره ذلك الوقت على 34 سنة، وأسمه أسامة بن لادن.

ويقول عبد الله الذي انتقل في 1982 بعد تخرجه بالهندسة الالكترونية من جامعة في أنغولا الى لشبونة، إن بن لادن: «كان نحيفا، كما هو الآن، وخافت الصوت وهادئا في كل ما يقول ويفعل. وكان مختلفا تماما عن الصورة التي رسموها عنه بعد تفجيرات واشنطن ونيويورك» كما قال.

وفي المعلومات عن عبد الله يوسف، أنه كان كاثوليكيا ملتزما، الى درجة أنه فكر في أوائل الثمانينات بالانخراط في سلك الرهبنة، فمضى الى دير للرهبان منعزل قرب لشبونة، وهناك أمضى بعض الوقت يتأمل، انتظارا لاتخاذ قرار حاسم، فوقعت بين يديه كتب بالبرتغالية عن الاسلام، وراح يطالع ويتأثر، حتى خرج ناويا التوجه الى دول الشرق، ومنها تركيا التي سافر اليها في نهاية 1989 وفيها اعتنق الاسلام وأسدل لحيته وبدأ يصوم ويصلي، واستبدل اسمه، لينطلق بعدها الى ايران، حيث بقي بعض الوقت، وانتهت به الحال زائرا للديار المقدسة ليؤدي العمرة في السعودية بأوائل 1990 بعد أسبوعين أمضاهما في بغداد.

في مكة تعرف عبد الله يوسف بعدد من «المجاهدين» الأفغان، وبآخرين من الأفغان العرب، ممن اقترحوا عليه العودة معهم «الى البلاد التي يسعى مجاهدوها لاقامة نظام الخلافة» كما قال، فطار سريعا الى هناك.

وفي أفغانستان، التي وجد فيها عددا كبيرا من الأوروبيين المعتنقين للاسلام، عاش عبد الله أقل من عامين، تعرف خلالهما الى أبو حفص المصري والى بن لادن، الذي التقاه 3 مرات، والى حكمتيار «زعيم الحزب الاسلامي الذي وضعني في مناخات وجدت فيها نفسي حرا من كل شيء وسعيدا، فرحت بعد التدريب أنشط في سلاح المدفعية معهم، بحيث كنا نحارب ونحارب، حتى السيطرة النهائية فيما بعد على مدينة خوست، التي دخلتها وفي يدي كلاشنكوف» على حد تعبيره.

ويقول عبد الله: «لأن ظاهر شاه كان يحلم ذلك الوقت بالعودة لملء الفراغ السياسي بعد هزيمة السوفيات وانسحابهم من أفغانستان، فقد كنت أول من اقترح على المجاهدين تصفيته، وكنت من اقترح اغتياله بالسلاح الأسهل في ذلك الوقت، وهو طعنة بسكين أو خنجر، فاشتريت واحدا من سوق للأثريات في قندهار بأقل من 100 دولار، وانتظرت السماح لي بالبدء بالعملية».

يتابع: «مرة، وكان ذلك في باكتيا، التقيت بابن لادن، وكان معي آخرون من الأوروبيين والأميركيين المعتنقين للاسلام، وتحدثنا عن الجهاد، وتطرقنا في احدى المرات للاسرائيليين، فقال بن لادن إن قتالهم شرعي، ولو كانوا أبرياء، لأن نساءهم يشاركن في الجيش وينجبن الأطفال ليكونوا جنودا فيه مستقبلا، الى أن سأله أحدهم: والأميركيون، هل يجوز قتالهم؟ فأجاب بن لادن: الأميركيون لا، أما حكومتهم فشيء آخر، باعتبار أن معظمهم بالكاد يدلي بصوته في صناديق الاقتراع لاختيار الرؤساء والحكام، لذلك فمن غير الشرعي قتالهم» وفق ما نقل عن لسان بن لادن.

من بعدها اجتمع عبد الله يوسف مرتين الى بن لادن، وفي الأخيرة كان برفقة أبو حفص المصري «فجلسنا على حصيرة في الأرض ببيشاور، حيث شرحت تفاصيل خطتي لاغتيال الملك الطامع بالعودة ليكون حجر عثرة في طريق المجاهدين للوصول الى الحكم واقامة أول نظام خلافة اسلامي.. بعدها نظر اليّ بن لادن، وقال: توكل على الله ومن ذلك اليوم لم أره».

أما عن التفجيرات الأخيرة في واشنطن ونيويورك، فيقول عبد الله إن بن لادن أخطأ باستخدام الطائرات «فقد كان يمكنه اسقاط المبنيين بغير هذا السلاح اذا أراد، وليته لم يفعل على أي حال، فقتل الأبرياء لا يبرره الاسلام، ولا أي شيء آخر على الاطلاق».

=