عرفات يؤجل مغادرته المقر خوفا على «المطلوبين» وفريق بريطاني يصل إلى الأراضي الفلسطينية لتفقد منشآت السجون

بن اليعزر يؤكد أن بإمكان عرفات مغادرة مقره والرئيس الفلسطيني ينتظر حتى تتم عملية نقل المتهمين المتوقعة اليوم أو غدا

TT

حظي اقتراح الرئيس الاميركي جورج بوش القاضي باشراف اميركي ـ بريطاني على حبس متهمين بقتل وزير السياحة الاسرائيلي رحبعام زئيفي في القدس المحتلة في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، مقابل رفع الحصار عن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في رام الله، بموافقة اسرائيل والسلطة الفلسطينية. واعلن وزير الدفاع الاسرائيلي بنيامين بن اليعزر امس ان باستطاعة الرئيس عرفات ان يغادر مقره في اي لحظة يشاء منذ الآن والى اي مكان يشاء، وان القوات الاسرائيلية ستنسحب من حول مقر عرفات في اللحظة التي يجري فيها نقل المتهمين. غير ان الرئيس عرفات نُصح بأن ينتظر الى ان يجري فعليا نقل المتهمين، خوفا من ان تخل اسرائيل بالاتفاق وتقوم باقتحام المقر فور مغادرته لوضع يدها على المعتقلين.

وقال وزير الاعلام الفلسطيني ياسر عبد ربه ان لدى السلطة «ضمانات من الاميركيين والبريطانيين بأن الرئيس سيكون حرا في التنقل داخل الاراضي الفلسطينية وحتى الخارج مع ضمانات للعودة». غير ان مسؤولين آخرين قالوا ان حرية التحرك ستكون مقصورة على الاراضي الفلسطينية في الوقت الحاضر.

يذكر ان الرئيس عرفات لم يغادر رام الله منذ الاول من ديسمبر (كانون الاول) الماضي بعد سلسلة من العمليات الفدائية في القدس المحتلة وحيفا اسفرت عن قتل العشرات من الاسرائيليين وجرح المئات. وفرض عليه الحصار في مقره في مجمع محافظة مدينة رام الله في 29 مارس (آذار) الماضي بعد سلسلة عمليات انتحارية كانت اكثرها عنفا تلك التي وقعت في فندق في منتجع نتانيا شمال تل ابيب واسفرت عن قتل ما لا يقل عن 28 اسرائيليا. واتخذت حكومة شارون هذه العملية ذريعة لإعادة احتلال الضفة الغربية، فشرعت بما سمته حملة «السور الواقي» العسكرية لقطع دابر ما سمته بالارهاب، والتي شملت اعادة احتلال جل المدن الفلسطينية في الضفة الغربية وتدمير مؤسسات السلطة الفلسطينية والبنى التحتية تدميرا كاملا بما فيها معظم مباني مجمع المحافظة التي يقع فيها مقر عرفات. ووصل جنود الاحتلال ودباباتهم الى ابواب مكتب الرئيس عرفات واصبح لا يفصل بينهم وبينه سوى جدران المكتب وابوابه فقط.

وظل الاسرائيليون، ويحاصرون مقر عرفات الى جانب كنيسة المهد التي لجأ اليها المئات من الفلسطينيين بعضهم من المسلحين، حتى بعد اعلان شارون عن انتهاء المرحلة الاولى من هذه الحرب. واشترط الاسرائيليون تسليمهم قتلة زئيفي من كوادر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، العسكريين الاربعة، لرفع الحصار عن عرفات، واستسلام المقاتلين في كنيسة المهد لفك الحصار عنها. لكن الرئيس عرفات ظل يرفض تسليم المتهمين معتمدا في رفضه على بنود اتفاق اوسلو، ويصر على محاكمتهم امام محاكم فلسطينية. وبناء على نصيحة اوروبية اجرى في الاسبوع الماضي محاكمة عسكرية صورية عقدت على عجل تحت الحصار، للمتهمين الاربعة الموجودين معه في المقر، انتهت باصدر احكام عليهم بالسجن لفترات تتراوح بين سنة واحدة و18 سنة. اذ انه بموجب اتفاق اوسلو لا يحق لاسرائيل المطالبة بفلسطينيين مطلوبين اذا ما جرت محاكمتهم في محاكم السلطة.

وبمحاكمة المتهمين الاربعة وادانتهم قطعت السلطة الطريق على الاسرائيليين وفتحت الطريق املم حل وسط. ومن هنا جاء الاقتراح البريطاني الاصل بحبس المتهمين المدانين في سجن فلسطيني وسجانين بريطانيين.

لكن يبقى هناك خلاف واحد حول عدد الذين سيشملهم الاقتراح. فالحكومة الاسرائيلية تتحدث عن ستة اشخاص هم الى جانب المدانين الاربعة من كوادر الجبهة الشعبية مباشرة بقتل زئيفي، الامين العام للجبهة احمد سعدات الذي اعتقل في مقر الرئاسة في يناير (كانون الثاني)، وتتهمه اسرائيل باتخاذ قرار قتل زئيفي ردا على اغتيال سلفه ابو علي مصطفى في رام الله في اغسطس (آب) الماضي، اضافة الى العميد فؤاد الشوبكي مدير المشتريات العسكرية في حركة فتح الذي تتهمه حكومة شارون بالوقوف وراء سفينة السلاح «كارين ايه» التي اعترضتها القوات البحرية الاسرائيلية في عرض البحر الاحمر في 3 يناير الماضي. وحتى الرئيس الاميركي تحدث عن 6 اشخاص.

اما الرئيس عرفات، الذي اطلع على تفاصيل الاقتراح خلال اجتماع عقده الليلة قبل الماضية، مع القنصلين العامين الاميركي والبريطاني في القدس الشرقية المحتلة، فانه ابدى تحفظه على شمل الأمين العام للجبهة الشعبية وفؤاد الشوبكي الى الصفقة. ونقل عنه القول إن الأمر يتعلق بشخصيتين سياسيتين وليس بمقدوره إبقاؤهم في السجن.

وقال وزير المنظمات الاهلية الفلسطينية حسن عصفور لـ«الشرق الأوسط» ان سعدات والشوبكي ليسا معتقلين ولكن سيجري التحفظ عليهما مع المدانين الاربعة تمهيدا لمحاكمتهما.

وبموجب اقتراح الرئيس بوش، اتفق على ان يحبس الرجال الستة في سجن السلطة الفلسطينية في اريحا، وهي المدينة الفلسطينية الوحيدة في الضفة الغربية التي لم تشملها حملة «السور الواقي» العدوانية الاسرائيلية الاخيرة وبقيت فيها بعض من مؤسسات السلطة والاجهزة الامنية والسجن.

ومن المتوقع ان يجري نقل المتهمين في غضون الاربع والعشرين ساعة المقبلة بموجب ترتيبات توصل اليها خبراء اميركيون وبريطانيون مع قادة امنيين فلسطينيين. ويفترض ان يكون قد وصل الى الاراضي الفلسطينية فريق ثلاثي من المختصين البريطانيين كي يقوم بفحص منشآت السجون في المناطق الفلسطينية للتأكد من سلامة الظروف التي سيعمل فيها الحراس البريطانيون والاميركيون، حسب قول وزير الخارجية البريطاني جاك سترو. وقال سترو في تصريحات لهيئة الاذاعة البريطانية امس «ان فريقا من 3 اشخاص سيغادر لندن اليوم (امس) لفحص المواقع والترتيبات». واضاف «نحن لن نلقي بأي شخص في السجن في مثل هذه الاوضاع اذا كان لدينا احساس بوجود خطر على سلامته». وتابع القول «بالتأكيد فإن سلامة الافراد مهمة جدا بالنسبة لنا لكن لدينا مجموعة قامت بمثل هذا العمل في الماضي، واعتقد بأننا نستطيع ان نلعب دورا مهما هناك».

يذكر ان السجن الذي سيجري حبس المتهمين فيه هو سجن بني ابان الانتداب البريطاني لفلسطين في النصف الاول من القرن الماضي، حسب المواصفات الامنية البريطانية. لذا فان فريق المختصين البريطانيين سيجد ما يبحث عنه في هذا السجن، كما قال ساخرا مسؤول فلسطيني طلب عدم ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط».