الضغوط الأميركية على شارون جاءت بعد تسلم بوش المقترحات السعودية

TT

بعد اسابيع من التصريحات العلنية التي لم تحقق النتائج المرجوة منها، استخدم الرئيس الأميركي جورج بوش الدبلوماسية الهاتفية لاقناع رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، يوم الاحد، بالموافقة على انهاء الحصار الذي ظل مضروبا على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لمدة شهر كامل برام الله. وكان الرئيس بوش قد اتصل بشارون يوم السبت، ولكن المحادثات الهاتفية بينهما لم يعلن عنها الا بعد ان وافق مجلس الوزراء الاسرائيلي على الاقتراح المقدم من الرئيس بوش. وتدل هذه الحادثة على ان البيت الابيض غير تكتيكاته الى الدبلوماسية السرية بعد النتائج المخيبة للآمال لخطاب الرئيس بوش في حديقة الزهور وبعد فشل مهمة وزير الخارجية كولن باول الى المنطقة.

وقال المسؤولون في البيت الابيض انهم مارسوا ضغوطا على الطرفين، وانهم شجعوا جيران اسرائيل من الدول العربية على الضغط على ياسر عرفات للموافقة على الشروط التي يتم على اساسها فك الحصار عنه. وابلغ بوش الصحافيين في مزرعته بكروفورد، بولاية تكساس، ان موافقة اسرائيل على السماح لعرفات بحرية الحركة تضع الكرة في ملعب عرفات وتلزمه «بتصعيد الجهود». وقال المسؤولون ان هذا يعني اتخاذ اجراءات اكثر فعالية وقوة في مطاردة المسؤولين عن سلسلة من الهجمات على اسرائيل والاسرائيليين.

وقال بوش: «هذا يوم مفعم بالامل بالنسبة للمنطقة، وان علينا ان نمارس مزيدا من الجهود للوصول الى السلام. وعلى الرئيس عرفات ان ينتهز هذه الفرصة الان ليتخذ خطوات حازمة، قولا وفعلا، ضد الارهاب الموجه للمواطنين الاسرائيليين».

واعلنت الادارة الاميركية ان بوش سيلتقي شارون بالبيت الابيض، في وقت مبكر من شهر مايو (أيار) وقال بوش معلقا على ذلك: «انني ارحب بالزيارات التي يقوم بها المسؤولون من المنطقة ليجيئوا الى هنا ويطرحوا اراءهم بصدق وصراحة ويناقشوا تصوراتهم حول السلام».

ويبدو ان الانفراج الذي حدث، والذي يمكن ان يكون ظاهرة عابرة وقصيرة كما يمكن ان يكون تحولا جوهريا، كان احدى ثمرات المقدرة على الاقناع التي مكنت بوش من تحقيق نجاحاته السياسية، وساعدته في تجميع اطراف التحالف العالمي ضد الارهاب. ولكنه لم يكن تواقا لاستخدام تلك المقدرة في الشرق الاوسط. ومع ذلك فان المسؤولين في البيت الابيض يعترفون ان اتفاق الاحد كان خطوة صغيرة على الطريق الطويل المؤدي الى وقف اطلاق النار، وانسحاب القوات الاسرائيلية من الاراضي الفلسطينية المحتلة، تم الهدف البعيد المتمثل في السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين. وقد قال بوش «هناك عمل ضخم يجب القيام به».

وجاء النداء الذي وجهه الرئيس جورج بوش الى شارون في وقت كان مسؤولو الادارة محبطين مما اعتبروه عناد شارون في الاستجابة لنداءات الرئيس المتكررة.

وفي الاجتماع الذي استمر خمس ساعات بين بوش والامير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي توصل الطرفان الى ان أي تقدم نحو حل سياسي لن يكون ممكنا في وقت تحاصر فيه القوات الاسرائيلية مقر الرئيس عرفات في رام الله، وكنيسة المهد في بيت لحم. وكان مشهد عرفات وهو محاصر في غرفتين من مقره الرئاسي المدمر بصورة كبيرة، خلال الشهر المنصرم، قد اشعل غضب العالم العربي وغطى على انسحاب اسرائيل من بعض الاجزاء في الضفة الغربية. وبالاضافة الى مشروع من ثماني نقاط سلم الامير عبد الله للرئيس بوش اقتراحا فلسطينيا، وافق عليه ياسر عرفات ودعمته السعودية واضافت اليه، حول انهاء الحصار في رام الله وفي بيت لحم. وكان الاقتراح السعودي حول رام الله، يشمل النقطة الاساسية في اتفاق الاحد، والتي تسمح للفلسطينيين بالاحتفاظ بالمقاتلين الفلسطينيين الستة المطلوبين من قبل اسرائيل، ولكن تحت اشراف حراس اجانب. وينص الاتفاق الذي اجازه مجلس الوزراء الاسرائيلي بأغلبية 17 مقابل 9، والذي وافق عليه عرفات بعد ذلك، على انسحاب القوات الاسرائيلية من مقر عرفات الرئاسي والسماح له بحرية الحركة. وفي المقابل قبل عرفات بالسماح لمراقبين مدنيين، بريطانيين واميركيين، بحراسة السجناء الستة. ولكن الاتفاقية لم تناقش قضية بيت لحم، حيث ما تزال القوات الاسرائيلية تحاصر كنيسة المهد مطالبة المقاتلين الفلسطينيين الذين تزعم انهم بالداخل اما بتسليم انفسهم او الموافقة على الابعاد من البلاد. ويعتقد المسؤولون الاميركيون ان قضية رام الله، حيث يتواجه الاسرائيليون والفلسطينيون على بعد 30 ياردة من بعضهم البعض، هي الاصعب من بين الازمتين. وسيؤدي فك الحصار عن رام الله، الى تزويد عرفات بحرية اكبر في التنسيق مع مستشاريه، وجهاز امنه. وكان باول قد عبر من قبل عن اهمية اعطاء عرفات مساحة اكبر من الحركة حتى يتمكن من التصرف.

وقال بوش: «على السيد عرفات ان يؤدي واجبه. وقد وجه لي بعضهم قبل فترة، السؤال التالي: هل خيب آمالك؟ وهل فقد احترامك الشخصي؟ وقد اجبت على هذا السؤال قائلا: «حسنا، انه لم يكسب احترامي بعد. ولن يكسب احترامي الا بان يلعب دوره كقائد».

ومن شأن الانسحاب الاسرائيلي كذلك ان يفتح الطريق امام زيارة جورج تينيت، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، والتي سيكون الغرض منها اولا تقييم اوضاع اجهزة الامن الفلسطينية، التي اصابتها اضرار بالغة من جراء العدوان الاسرائيلي. ويقول المسؤولون الاميركيون ان تينيت ليس متوقعا ان يزور المنطقة قبل انهاء العملية الاسرائيلية كما انه ليس متشوقا للاضطلاع بالمهمة ذاتها. وقال مسؤولو البيت الابيض ان محادثة بوش مع شارون، التي اجراها من مزرعته حوالي الساعة السابعة صباحا، قد استمرت لمدة 10او 15 دقيقة، وانها تمت بعد مفاوضات مكثفة جرت بين مساعدي الرجلين. وكان مسؤولو الادارة الاميركية يحاولون لمدة اسبوعين الوصول الى اتفاق حول مجمع عرفات الرئاسي، آملين في ان يؤدي مثل هذا الاتفاق الى انسحاب القوات الاسرائيلية نهائيا من رام الله مما يسمح بدوره باستئناف التعاون الامني بين الطرفين.

قال وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل من هيوستن، عن الاتفاقية انها كانت نتيجة «جهود مكثفة» من ادارة بوش. ووصفها عادل الجبير أحد مستشاري الامير عبد الله، لقناة «سي بي اس»، التلفزيونية الاميركية بانها «تمثل انجازا عظيما».

وقال السناتور، جوزيف بيدين، الديمقراطي من ولاية ديلاوير، رئيس لجنة الشؤون الخارجية، والذي كان قد طالب بوش بان يلعب دورا مباشرا في حل الازمة، ان الاتفاقية تمثل خطوة ايجابية، واضاف: «ارجو ان تساعد محاولات الادارة في المنطقة على تحريك الاطراف بعيدا عن اراقة الدماء وان تدخلها في عملية سياسية بناءة من اجل السلام».

وقال دنيس روس، مبعوث الرئيس بوش الاب والرئيس كلينتون الى المنطقة، انه يرى الاقتراح كعلامة على ان الرئيس بوش قرر لعب دور شخصي اكبر، وان نجاحه في الوصول الى تلك الاتفاقية يؤكد ان «تدخلا من قبل الرئيس يمكن ان يؤدي الى تغيير الاوضاع. واذا كان ممكنا ان تتبع هذه الاتفاقية وعلى وجه السرعة خطوة اخرى، ربما تكون هي انهاء الحصار على بيت لحم، ثم الوصول الى ما يمكن اعتباره منهجا سياسيا في التعامل، فان المناخ كله يمكن ان يبدأ في التغيير».

وقال مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية ان باول تحدث الى عرفات والى ثمانية من المسؤولين الاخرين في المنطقة وخارجها حتى يطلعهم على اخر التطورات ويتشاور معهم حول الخطوات الكفيلة بتطوير عملية السلام. وتحدث باول كذلك مع الأمين العام للامم المتحدة كوفي انان، ومع خافيير سولانا كبير المسؤولين عن السياسة الخارجية بالاتحاد الاوروبي، ومع الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. كما تحدث ايضا الى وزراء خارجية بريطانيا، وروسيا والسعودية واسبانيا.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»