البرلمان اللبناني يقرر وقف الآليات العاملة على المازوت في جلسة «بيئية» طغت الخلافات الرئاسية على مناقشاتها

TT

في جلسة حدد فيها البرلمان اللبناني مهلة تنتهي في 15/06/2002 لوقف السيارات العاملة على المازوت وأخرى تنتهي في 15/07/2002 لوقف الشاحنات والفانات. عكست النقاشات الحادة في جلسة الاستجواب النيابية امس حول عدم تنفيذ القانون المتعلق بالحد من تلوث الهواء الناجم عن المحركات العاملة على المازوت ، عمق ما وصلت اليه الخلافات بين رئيسي الجمهورية اميل لحود ورئيس الحكومة رفيق الحريري، التي تجلت في انقسام النواب فريقين، واحد يحمِّل وزارة الداخلية مسؤولية عدم تنفيذ القانون وآخر يرمي المسؤولية على عاتق الحكومة كاملة.

وبدا واضحاً ان الحملة التي طاولت وزير الداخلية الياس المر لم تستهدفه مباشرة، بل حاولت تخطيه للوصول الى الرئيس لحود كون المر صهره وحليفه. كما لامست الانتخابات الفرعية المتوقعة في منطقة المتن الشمالي التي يعتبر المر ووالده، النائب ميشال المر، من ابرز المؤثرين فيها.

وشهدت الجلسة ايضاً نقاشاً دستورياً حول صلاحيات نائب رئيس الحكومة التي لم يرد لها ذكر في النصوص الدستورية، لجهة قانونية انعقاد جلسة الاستجواب في غياب رئيس الحكومة في الصين. وقد انقسم النواب بين فريق رافض للاستمرار في الجلسة على قاعدة ان المحاسبة يجب ان تتم بحضور رئيس الحكومة، وفريق آخر رافض لمنح الحكومة ورئيسها فرصة «التهرب من المراقبة بالغياب عن الجلسات وتعطيل الدور الرقابي». وبرز في هذا الاطار كلام لنائب رئيس الحكومة السابق النائب ميشال المرّ الذي حذر من ان منح الصلاحية لنائب رئيس الحكومة يجعله، اذا كان صديقاً لرئيس الجمهورية، قادراً على التواطؤ معه «فيقدم الاستقالة اذا ارادا تغيير الحكومة». فعلق رئيس مجلس النواب نبيه بري غامزاً من قناة الخلاف الرئاسي قائلاً: «خصوصاً في هذه الايام». فيما خاطب رئيس الحكومة الاسبق عمر كرامي نائب رئيس الحكومة عصام فارس قائلاً: «افعلها يا دولة الرئيس».

وكانت الجلسة استهلت بنقاش حول دستورية انعقادها في غياب رئيس الحكومة اطلقه الرئيس السابق لمجلس النواب حسين الحسيني الذي اكد ان الجلسة «غير دستورية» معتبراً انه «كان على رئيس الحكومة ان يعلم رئيس مجلس النواب انه سيكون خارج البلاد في موعد انعقادها». وقال: «ارتأى النواب عند مناقشة اتفاق الطائف (وثيقة الوفاق الوطني التي اقرت في مدينة الطائف السعودية عام 1989 واصبحت من صلب الدستور) ان يحال هذا الموضوع الى النظام الداخلي لمجلس الوزراء الذي يفترض ان يحدد صلاحيات نائب رئيس الحكومة».

وايده في ذلك النائب نقولا فتوش الذي قال: «ان المناقشة قد تؤدي الى طرح الثقة بالوزير. وهذا الامر يطرح مسائل عدة منها قضية التضامن الوزاري» مشيراً الى ان لا نصوص قانونية او دستورية تتحدث عن نائب رئيس مجلس الوزراء. وقال: «نحن امام نصوص دستورية واضحة، اذ لا يحق لاحد التكلم باسم الحكومة. ولا احد يحق له التضامن او ان يقرر طرح الثقة او عدم طرحها الا رئيس الحكومة. وغيابه يشكل مفصلاً دستورياً يؤدي الى عدم قانونية الجلسة».

ودعا النائب بطرس حرب الى تحديد الصلاحيات بنصوص. وقال: «اذا كانت الحكومة ومجلس النواب يعتبران ان اتخاذ قرار بطرح الثقة بالحكومة صحيح في غياب رئيس الحكومة فلنقرر هذا».

وعارضهم في ذلك النائب مخايل ضاهر الذي قال ان الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب لم يذكرا اي شيء عن ضرورة حضور رئيس الحكومة للجلسة. واضاف: «تصوروا ان رئيس الوزراء يغيب عن البلاد فيعطل عمل المجلس الرقابي».

واكد الرئيس السابق للحكومة عمر كرامي ان المادة 64 من الدستور واضحة لجهة ان رئيس الحكومة هو الذي يمثلها ويتكلم باسمها. وقال: «الدستور واضح، لو طلب النائب طرح الثقة فرئيس الحكومة هو الذي يقرر التضامن مع الوزير او عدمه».

وحذر النائب فارس بويز من خطورة الجلسة كونها اجتهادية لانها تبحث في هذا الموضوع للمرة الاولى بعد الطائف. وطلب اعتبار الجلسة قانونية بكل مفاعيلها لقطع الطريق على اي تهرب حكومي من المحاسبة مستقبلاً.

واكد النائب ميشال المر ان اللجنة الوزارية التي ترأسها خلال توليه منصب نائب رئيس الحكومة توصلت الى «ان لرئيس الوزراء وحده الحق في تقديم استقالة الحكومة. والا اذا سافر رئيس الوزراء وكان نائبه صديقاً لرئيس الجمهورية يتواطآن معاً اذا ارادا تغيير الحكومة فيقدم الاستقالة». واعلن انه مع عقد الجلسة «لكن من الناحية الدستورية، اذا كان المراد طرح الثقة فيجب ان يكون رئيس الحكومة حاضراً».

اما رئيس المجلس نبيه بري فقد اكد المضي في عقد الجلسة. وقال رداً على سؤال حول ما يمكن ان يحدث اذا طرحت المعارضة الثقة: «نؤجل خمسة ايام. ولي الحق بذلك». واعلن ان الرئاسة «قررت انه عندما تطرح الثقة يجب ان يكون رئيس الحكومة موجوداً، اما خلاف ذلك فلا داع». وعندها اعلن فتوش انه قرر الانسحاب من الجلسة «حتى لا اكون شاهداً على اعطاء صلاحيات لنائب رئيس الحكومة غير منصوص عليها في الدستور». ورغم ان بري رد قائلاً: «انا لا اضع نائب رئيس مكان رئيس، لكن اقول عندما سيكون هناك طرح ثقة عندئذ يحكى بالموضوع». إلا ان الرئيس الحسيني اعلن بدوره الانسحاب من الجلسة «لانها غير دستورية» طالباً تدوين ذلك في المحضر.

وبعد ختم النقاش الدستوري طرح بري الاستجواب المقدم من النائب اكرم شهيب حول تطبيق القانون المتعلق بالتخفيف من تلوث الهواء الناجم عن قطاع النقل. واشار الى «وجود 200 الف آلية تعمل على المازوت» آسفاً لـ «عدم تطبيق القوانين» ولـ «اجابة الحكومة المبهمة» على استجوابه.

وتحدث النائب محمد قباني فقال ان القانون الذي وضع عام 1961 ومنع استعمال سيارات المازوت «بقي محترماً حتى في عز الحرب الاهلية». وحمّل وزارات الداخلية المتعاقبة منذ العام 1994 «مسؤولية عدم تنفيذ القانون». واشار الى ان المراسيم التي تحدد مواصفات الوقود الصالح لم تصدر بعد، بالاضافة الى مواصفات العوادم والمعاينة الميكانيكية، متسائلاً: «لماذا طريقة التعاطي هذه مع المجلس النيابي؟ وكيف يستطيع المسؤول ان ينام وهو يعلم ان تقاعسه يساهم في تسميم الشعب اللبناني وقتله؟».

وردت الحكومة عبر نائب رئيسها عصام فارس الذي اكد ان «هاجس الحكومة منذ تشكيلها هو هذا الموضوع لجهة صحة المواطنين او الحالة الاجتماعية». ثم اعطى الكلمة لوزير الداخلية الياس المر الذي قال: «كان الاسهل بالنسبة الينا اصدار امر لقائد الدرك بمنع كل السيارات العاملة على المازوت، لكننا اخذنا الطريق الاصعب ... لان المطلوب هو الحل الذي يأخذ في الاعتبار البيئة ولقمة العيش معاً. واكد انه لا يمكن حل المشكلة بقرارات متسرعة، متسائلاً عمن «يسكت غضب 25 الف عائلة تقطع ارزاقها من دون حل او فرصة». واشار الى ان وزارة الداخلية قامت بما عليها لجهة اصدار المراسيم التنفيذية للقانون والمتعلقة باسترداد 10 آلاف لوحة عمومية ومنح حوافز لتجديد اسطول السيارات العمومية بالاضافة الى تخفيف الانبعاثات الصادرة عن العوادم واجراء الكشف الميكانيكي.

وتدخل الرئيس كرامي فقال ان الحكومة «كانت مصممة على رفع سعر صفيحة البنزين الى 20 الف ليرة لبنانية رغم المقاومة الشعبية. ولهذا كان التساهل في ادخال محركات المازوت لان اكثر الذين يتحركون ضد هذه الزيادة هم السائقون العموميون».

ورفض رئيس المجلس «البحث في التعويض لان هذا عمل الحكومة» حاصراً النقاشات في «اسباب عدم تنفيذ القانون». واكد على ضرورة وقف السيارات العاملة على المازوت في مهلة اقصاها 15 يونيو (حزيران) المقبل والباصات الصغيرة في مهلة اقصاها 15 يوليو (تموز) فأكد الوزير المر ان وزارته «قادرة على الالتزام بالامر».

وتحدث نواب فأشاروا الى ضرورة تحديد التعويضات للسائقين «لان وزير المال فؤاد السنيورة له سوابق في عدم دفع المستحقات» وتحديد سعر البنزين الذي «يرتفع دون نزول» وموضوع الآليات العسكرية العاملة على المازوت والسيارات العاملة على المازوت الآتية من سورية واستيراد المازوت بمواصفات جيدة والمعامل الكهربائية العاملة على المازوت. ثم تحدث السنيورة فقال: «اؤكد ان الموضوع ليس موضع تجاذب بين الحكومة ومجلس النواب. ولسنا في وارد التجاذب في هذا الامر. واشير هنا، حتى لا يغفل عن بالنا، الى ان الحكومة ليست ظالمة. عندما اعطي السائقون ارقاما عمومية اعطيت مجانا وبيعت 10 آلاف لوحة بسعر 6 ملايين ليرة لكل سيارة. واليوم اصبح سعر اللوحة اكثر من 10 ملايين ليرة». فقاطعه بري قائلاً: «ليست لي علاقة بما تطرحه. امامي قانون، واذا لم يعجب الحكومة فعليها ان ترسل مشروع قانون لتعديله... حدد المجلس النيابي مهلة 15/6/2002 لوقف عمل السيارات العاملة على المازوت ومهلة 15/7/2002 لوقف عمل الفانات وسيارات الشحن العاملة على المازوت، على ان تبقى جلساته مفتوحة حتى هذين التاريخين».