الحريري يطالب الصين والدول الكبرى «بجهد استثنائي» لانقاذ سلام الشرق الأوسط من تصرفات حكومة شارون

TT

قال رئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ان المشكلة التي تواجهها منطقة الشرق الاوسط سببها رفض اسرائىل الانصياع للقرارات الدولية. ولفت الى ان تصرفات الحكومة الاسرائيلية في الشهرين الماضيين «اضرت كثيراً بفلسفة السلام وفكرته». ودعا الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الامن، ومنها الصين، الى بذل جهد استثنائي لانقاذ السلام.

ويعود الحريري من زيارته الرسمية للصين اليوم الى بيروت بعد لقاء مع الرئيس الصيني جيانغ زيمين في بكين حضر ه الوفد المرافق له والمؤلف من وزير السياحة كرم كرم ووزير الاقتصاد باسل فليحان ووزير الثقافة غسان سلامة وسفير لبنان لدى الصين زيدان الصغير والامين العام للمجلس الاعلى للخصخصة غازي يوسف. وشارك في اللقاء ايضاً عدد من المسؤولين الصينيين وسفير الصين لدى لبنان ليو زان تانغ.

وقد تناول البحث خلال اللقاء الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط وسبل تطوير العلاقات بين البلدين. واستهله الرئيس الصيني مرحباً بالحريري ومذكراً باللقاء الاول الذي عقد بينهما عام 1996. وبادله الحريري الشكر، معرباً عن اعجابه الكبير بالتطور الذي شهدته الصين في الاعوام الاخيرة والنجاح الكبير الذي حققته في تحولها نحو اقتصاد السوق.

واكد الحريري للرئيس الصيني «ان المشكلة التي تواجهها منطقة الشرق الاوسط ناتجة عن رفض اسرائيل الانصياع للقرارات الدولية. وان تصرفات حكومتها خلال الشهرين الاخيرين اضرت كثيراً بفلسفة السلام وفكرته، مما يتطلب جهداً كبيراً واستثنائياً من الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الامن ومن بينها الصين لانقاذ السلام». ولفت الحريري الى «ان الدول العربية اجمعت في قمة بيروت الشهر الماضي على خطة سلام مبنية على قرارات الامم المتحدة وايدها العالم بأسره باستثناء اسرائيل».

وأيد الرئيس الصيني تشخيص الحريري للوضع في الشرق الاوسط، مكرراً تأييد بلاده ودعمها للمواقف العربية. كما وجه تهئنة على التضامن والوحدة التي تبديها الدول العربية في شأن عملية السلام منذ قمة بيروت الاخيرة.

وتطرق اللقاء الى ما تم بحثه في الشأن الاقتصادي بين رئيس مجلس الوزراء ونظيره الصيني تشو رونغجي في لقائهما اول من امس. وابدى جيانغ اهتماماً بتفاصيل خطة الاصلاح المالي والاقتصادي التي تنفذها الحكومة اللبنانية.

وعقب اللقاء، انتقل الحريري الى قاعة الشعب الكبرى حيث التقى رئيس مجلس الشعب (البرلمان) الصيني لي بينغ الذي اكد له «ان الصين تؤيد قضايا الشعوب العربية وكفاحها العادل، بما فيها الشعب الفلسطيني، من اجل الحصول على السلم والاستقرار». ونوه بالقمة العربية «التي نجحت فيها الدول العربية بأن تتكلم بصوت واحد» مثنياً على التفاهم الذي شهدته بين العراق والكويت والمملكة العربية السعودية.

ووافق لي بينغ الحريري على الدور الذي يجب ان تلعبه الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن من اجل اعادة اطلاق عملية السلام. واكد دعم مجلس الشعب الصيني للتفاهم حول تعزيز العلاقات الذي جرى خلال محادثات الحريري مع نظيره الصيني تشو رونغجي.

ولبى الحريري دعوة مجلس تنمية التجارة الخارجية الصيني الى غداء عمل في فندق «شيراتون» في العاصمة الصينية في حضور عدد من رجال الاعمال الصينيين والوفد المرافق له. والقى كلمة جاء فيها: «ان العلاقات التي تربط لبنان والصين علاقات تاريخية، وهي علاقات مميزة على المستوى الثقافي والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي، والصين كانت دائماً موجودة الى جانب لبنان حكومة وشعباً. وطالما دعمته على الساحة الدولية، لا سيما في ما يتعلق بمقاومة الاحتلال الاسرائىلي وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة وفي مقدمها القرار 425. واود في هذه المناسبة تجديد تقديرنا وشكرنا لجمهوية الصين الشعبية على مواقفها التاريخية الداعمة للبنان».

واضاف الحريري: «اما على المستوى التجاري، فالعلاقات تتطور والتبادل ينمو في استمرار، والصين احتلت في العام المنصرم المركز الخامس بين البلدان التي نستورد منها، بينما كانت تحتل المركز السادس في العام 2000 والمركز السابع في العام 1999. ولبنان يطمح الى ان تصبح الصين شريكاً استراتيجياً له على الصعيد التجاري والاقتصادي والاستثمار وعلى صعيد تبادل التقنيات».

ولفت الحريري الى «ان لبنان اليوم يعمل على تطوير وتحديث اقتصاده ويخوض تجربة كبيرة في محاولة للانبعاث مرة اخرى واستعادة دوره في المنطقة كمركز تجاري، مالي واعلامي، واعادة احياء الاقتصاد اللبناني كاقتصاد منفتح، متحرر، يعتمد بالدرجة الاولى على قوى السوق. وفي هذا الاطار، وانطلاقاً من رؤيتها الجديدة للاقتصاد اللبناني، وضعت الحكومة اللبنانية برنامجاً اقتصادياً شاملاً يرتكز عى تفعيل الدورة الاقتصادية وزيادة حجم الاقتصاد اللبناني وتحقيق النمو المستدام عبر اصلاحات هيكلية، بالاضافة الى الاصلاحات التدريجية في وضع المالية العامة، بهدف خفض عبء الدين العام على الاقتصاد اللبناني، من جهة اخرى. كما تعمل الحكومة حالياً على تحضير عدد من القطاعات والمؤسسات العامة للخصخصة، ومن اهمها قطاعا الاتصالات والكهرباء، اضافة الى قطاعات اخرى كقطاعي المياه والمواصلات». وقال: «هنا ادعو جميع الشركات الصينية الى الاطلاع عن كثب على عملية الخصخصة في لبنان وأحثها على المشاركة فيها».

وقال الحريري: «ان اهم الميزات التي يتمتع بها الاقتصاد اللبناني تكمن بامتداده خارج حدود الوطن الجغرافية نظرا لوجود العديد من الجاليات اللبنانية في مختلف القارات كالقارة الاسترالية والقارة الاميركية والقارة الافريقية وغيرها، حيث يبلغ عددها نحو ثلاثة اضعاف عدد المقيمين داخل لبنان. وكان ولا يزال لشبكة الاغتراب اللبناني الدور الاكبر لجهة دعم الاقتصاد اللبناني وتطويره، ولجهة امداده بالقدرات المالية والبشرية وبالخبرات والتقنيات الحديثة». واعتبر انه «يمكن للصين الاستفادة من شبكة الاغتراب اللبنانية لولوج الاسواق الاجنبية. ولبنان ايضا يتمتع بقطاع مصرفي متطور، متين ومنفتح على الخارج، ويتمتع هذا القطاع بقدرة وكفاءة عالية على تمويل جميع العمليات التجارية للشركات الصينية في حال قررت اتخاذ لبنان مركزاً لأعمالها التجارية في المنطقة. وبالاضافة الى الخدمات المصرفية، تشكل خدمات الاعلان والاعلام والتسويق احدى اهم ركائز قطاع الخدمات في لبنان. ويمكن للشركات الصينية الاستفادة من هذه الخبرات والخدمات لترويج وتسويق منتجاتها في الدول العربية والاوروبية المجاورة في حال قررت اتخاذ لبنان مركزاً لاعمالها التجارية في المنطقة». ولاحظ الحريري «ان لبنان اليوم امام منعطف تاريخي لجهة استعادة الدور الذي طالما تمتع به في فترة الستينات والسبعينات، ونحن ندعو الصين لأن تكون شريكاً اساسياً للبنان في عملية النهوض والنمو الاقتصادي. واود التأكيد هنا ان للقطاعات الانتاجية في كل من لبنان والصين دوراً اساسياً وحيوياً لجهة تطوير العلاقات بين البلدين، خصوصا في ما يتعلق بتشجيع الاستثمار والتعاون على المستوى المصرفي والتجاري وفي مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. لذا ادعو القطاع الخاص في البلدين الى اخذ المبادرة والعمل على ارساء اسس متينة لتعاون مميز وشراكة استراتيجية».

وعندما سأله احد الحاضرين، معرفاً عن نفسه ممثلاً لاحدى شركات الاتصالات، عن دخول هذا السوق في ضوء شرحه خطة الحكومة اجاب الحريري: «الحكومة ستعلن قريباً، وخلال بضعة اسابيع، عن دفتر الشروط للخصخصة التي ستكون معروضة على مستوى عالمي ومفتوحة لكل الشركات المتخصصة، ففي استطاعة الشركات الصينية ان تستثمر بمفردها او مع مستثمرين لبنانيين، وليس هناك اي قيود على العمل في لبنان ولا على ادخال الاموال واخراجها او على دخول الرساميل والارباح وخروجها».

ورداً على سؤال آخر، قال الحريري: «ان تأثير الوضع في الشرق الاوسط على النهوض الاقتصادي في لبنان بسيط حيث ان الوضع مستقر منذ اكثر من عشر سنوات». واضاف: «نتمنى ان تحل كل المشاكل في الشرق الاوسط، لكننا قررنا ان نستمر في حياتنا سواء حصل اتفاق سلام مع اسرائيل ام لم يحصل. وفي اي حال فإن لبنان هو البلد الاقل تأثراً بما يحصل في منطقة الشرق الاوسط».