القوات الأميركية بدأت بسرية تنفيذ عملية «أسد الجبل» العسكرية ضد مقاتلي تنظيم «القاعدة» داخل المناطق القبلية الباكستانية

بن لادن والظواهري يتنقلان بين بيشاور واقليم وزيرستان * غارات أميركية باكستانية على إقليم حدودي يتمركز فيه مقاتلو «القاعدة»

TT

يقول المسؤولون الافغان، ان الطائرات المروحية التي تحلق فوق منطقة غلام خان الجبلية الوعرة قد اسقطت المئات من الجنود الاميركيين والبريطانيين على الحدود مع باكستان، في الايام الاخيرة، في اطار خطة قوات التحالف لمطاردة مقاتلي «القاعدة» في هذه المنطقة الباكستانية المعروفة باضطراباتها القبلية.

وعلى اثر التقارير التي اوردت ان اسامة بن لادن وكبار مساعديه قد شوهدوا في المنطقة القبلية، انصب اهتمام القوات الاميركية الخاصة ومشاة البحرية الملكية البريطانيين، على هذه المنطقة بعد اسابيع من مطاردة اتباع بن لادن في المناطق الشرقية من افغانستان. وتامل القوات الخاصة تحت قيادتها الاميركية في احباط مخططات «القاعدة» لاعادة تجميع صفوفها في باكستان وشن هجمات جديدة داخل افغانستان.

وقال محمد يعقوب، القائد الافغاني في نقطة الحراسة الاخيرة التي تديرها القوات الاميركية في افغانستان، قبل الممر الحدودي عبر جبال خوست الشاهقة «استطعنا حتى الآن ان نغطي 95 في المئة من المناطق التي كان على الاميركيين ان يذهبوا اليها في افغانستان، والآن حان الوقت للمرحلة الثانية والتي تتجه نحو باكستان. في السابق كنا نركز على اعضاء «القاعدة» الهاربين الى الخارج، اما الآن فان تركيزنا ينصب على العناصر التي تخطط للدخول».

وليس واضحا تماما حجم القوات التي تم نشرها في تلك المنطقة. وقال مسؤول افغاني يعمل مع القوات الاميركية ان 1200 جندي من القوات الخاصة الاميركية والبريطانية نقلوا الى قمم جبال غريغيراي الوعرة على الحدود، وان ذلك كان قبل اربع ليال. وقال قائدان افغانيان آخران، في مقابلتين منفصلتين معهما، انهما شاهدا عددا من حالات الانزال، الاسبوع الماضي، والتي قالا انها يمكن ان تكون جزءاً من عملية اكبر.

ومع ان المسؤولين الاميركيين امتنعوا عن الادلاء باية تصريحات تفصيلية، فانهم ذكروا ان 4 طائرات من طراز «آباتشي ايه اتش ـ 64» وصلت الى قاعدة باغرام الجوية شمال كابل، ويمكن استخدامها في العمليات بشرق افغانستان.

وقد نفذت يوم الجمعة الماضي غارة اميركية باكستانية مشتركة على موقع كان في يوم من الايام مدرسة دينية تابعة لطالبان، بمنطقة قبلية في غرب باكستان، ما اعتبر اشارة مبكرة على تنفيذ عملية اوسع ستجري في هذه المناطق الحدودية مستقبلاً.

وقال مسؤول افغاني طلب عدم ذكر اسمه «انهم يتلقون معلومات استخباراتية ويعملون بجد واجتهاد، وهم لا يريدون اضاعة الوقت ابدا. انهم في عجلة من امرهم. وهناك علامات لا حصر لها انهم يخططون لبداية عملية خلال 10 او 15 يوما على الاكثر».

وصرح اللفتنانت كولونيل مارتن كومبتون، المتحدث باسم القيادة المركزية بتامب في ولاية فلوريدا، وهي القيادة المسؤولة عن ادارة العمليات في افغانستان، ان قوات التحالف لم تنقل الى معسكرات في المناطق القبلية، ولكن هناك عملية يجري تنفيذها حاليا هي «عملية أسد الجبل» وان هذه العملية تدور على الجانب الافغاني من الحدود، «للبحث عن جيوب «القاعدة» في شبكة الكهوف، وتدمير هذه الجيوب وازالتها حين العثور عليها».

وقال الناطق الرسمي باسم الجيش الاميركي في باغرام، الميجور بريان هلفرتي «ظلت باكستان حليفا لا يلين في الحرب ضد الارهاب. ولكن الاعتبارات الامنية لا تسمح لنا بمناقشة العمليات الدائرة حاليا او تلك التي ستنفذ في المستقبل».

ومن الواضح ان امتداد الحرب الى داخل باكستان يدشن مرحلة بالغة الحساسية سياسيا، خاصة ان هذا الانتقال حدث عشية الاستفتاء الذي يجريه الرئيس الباكستاني برويز مشرف لتمديد ولايته الرئاسية لمدة خمس سنوات اخرى. ومع ان الجنرال مشرف تعاون تعاونا مكثفا في مجال توفير المعلومات الاستخباراتية وسمح للاميركيين باستخدام القواعد الجوية الباكستانية، فان حكومته قللت من احتمالات الاعمال العسكرية الاميركية المباشرة من باكستان، تحسبا للاستفتاء المقرر اليوم. وقال مشرف للصحافيين «هناك بعض المسؤولين الاميركيين يضطلعون بمهام الاتصال. ولكنهم لا يشاركون في القتال. ان الاميركيين الذين معنا يمكن حسابهم على اصابع اليدين. انهم خبراء في مجال الاتصالات».

وقال المسؤولون العسكريون الاميركيون ان قواتهم قامت بعمليات استطلاعية في باكستان. ولكن المسؤولين الافغان العاملين مع الاميركيين يقولون ان الوضع اكثر تعقيدا من ذلك وان المشاركة الباكستانية اكبر من ذلك. وقال جلال خان (22 سنة)، وهو جندي افغاني دربته وتدفع له الولايات المتحدة مرتبا، «انهم يعتقلون عددا كبيرا من الناس على الجانب الباكستاني من الحدود، وياتون بهم الى هنا». وكان جلال خان يتحدث من قاعدة اميركية جوية بمنطقة خوست. وقال ان واحدة من الحملات التي يذكرها القي القبض فيها على 10 الى 15 سجينا جيء بهم جميعا من باكستان.

ويضاف الى ذلك ان القوات الاميركية قامت بالاشتراك مع 200 جندي باكستاني بغارة على مدرسة دينية اسسها في قرية داتا خيل، القائد الطالباني المتحالف مع تنظيم «القاعدة»، جلال الدين حقاني. ويقال ان المدرسة كانت خالية وقت الغارة. وقال بهرام خان (35 سنة) سائق الشاحنة الافغاني الذي شهد الغارة من بدايتها، ان قوات المليشيا الباكستانية وصلت بشاحنات حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر، وجاءت في اثرها طائرتان مروحيتان وتسع شاحنات من ذوات الدفع الرباعي تحمل جنودا اميركيين. وتابع خان «لم يسمحوا لنا بالاقتراب، بل امرونا بالجلوس على الارض».

ومن المتوقع ان تواجه اية قوات اميركية او بريطانية تنقل الى هذه المناطق الجبلية على الحدود بظروف قاسية، ولكنها لن تكون في برودة الجبال المغطاة بالجليد حول شاهي كوت التي دارت فيها المعارك الشهيرة في مارس (آذار) الماضي. وتكوّن المنطقة الصحراوية التي تتخللها السلاسل الجبلية، افقا رماديا ممتدا الى ما لا نهاية، ولا توجد سوى بعض شجيرات الصنوبر موزعة هنا وهناك. وقد كان الممر الحدودي عند غلام خان، منطقة مفضلة لدى المهربين لعدة سنوات. واذا صرفنا النظر عن نقطتي تفتيش على الحدود داخل افغانستان، فان الممر يعتبر غير محروس. اما نقطة التفتيش الباكستانية الاولى فتوجد على بعد كيلومتر تقريباً على الطريق. والمنطقة على الجانبين تعتبر خطرة وغير آمنة بالنسبة للمسافرين الغرباء، الا اذا تعدى عدد حراسهم العشرة اشخاص، على ان يكون في صحبتهم واحد على الاقل ممن يحملون قاذفات القنابل. ولان الكثيرين من الافغان يتفادون الطريق فانهم لا يلتقون عادة باية جهة مسؤولة.

وتقول التقارير الاستخباراتية ان قوات «القاعدة» انسحبت الى القرى في منطقة القبائل حتى تتمكن من تخطيط وشن هجمات عبر الحدود. وتركز قوات الحلفاء على اقليم ميران شاه الباكستاني، الذي تقول وسائل الاعلام الباكستانية، ان القوات الباكستانية والاميركية قامت فيه بشن هجمة على مدرسة دينية اخرى الاسبوع الماضي. وتقول التقارير الاستخباراتية كذلك ان قوات طالبان و«القاعدة» قد تجمعت في اربع قرى شمال وزيرستان التي هي ايضا واحدة من مناطق القبائل. ولم تكن الحكومة الباكستانية تتمتع بسلطة تذكر في منطقة القبائل منذ وقت طويل مما جعلها مناطق مثالية للهاربين والمختفين. وتقول التقارير الاكثر اثارة، وان لم تكن مؤكدة، ان اسامة بن لادن، وساعده الايمن ايمن الظواهري، موجودان في قرية ميدان باقليم وزيرستان. وقال هزرت اودين، مدير الاستخبارات في خوست، يوم السبت الماضي، ان مصادره تؤكد رؤية الرجلين في تلك القرية الباكستانية. ومع ان هناك تقارير كثيرة يزعم اصحابها انهم شاهدوا بن لادن الا انها جميعا بقيت غير مؤكدة من قبل المسؤولين الاميركيين.

وقال اودين ان واحدا من مصادره بباكستان، شاهد بن لادن في مدينة بيشاور، قبل اسبوع من عودته الى ميدان. وقال عميل آخر عائد من ميدان انه شاهد الظواهري هناك. وربما تكون «القاعدة» تحاول فعلا زعزعة الاوضاع بشرق افغانستان. وقد صدر منشور وزع في قرية زانخيل، الاسبوع الماضي، باسم «بيان من المجاهدين بالقاعدة» يتوسل الى الافغان ان يرفضوا الاموال الاميركية والا يتحولوا «خداما لاميركا وابناء (للرئيس الاميركي جورج) بوش». واختتم البيان قائلا «اننا سنقضي على الاميركيين ان شاء الله».

وقال وزير خان، شقيق كمال خان، امير الحرب الذي يسيطر على منطقة خوست والذي يعمل ضابط اتصال للقوات الاميركية «انهم يقيمون منطقة نفوذهم هنا. ويكونون صداقات جديدة».

ومن جانبها، عملت القوات الاميركية على تعطيل نهوض هذه الحركة من جديد. وقد عاد الجنود الاميركيون قبل ثلاثة اسابيع تقريبا الى قرية زوار كيلي، التي كانت في يوم من الايام احد مراكز منظمة «القاعدة». وكانت الولايات المتحدة قد استهدفتها بضربات عام 1998 بصواريخ كروز، رداً على تفجير السفارتين الاميركيتين في شرق افريقيا. وقال ثلاثة مسؤولين محليين، ان الجنود الاميركيين بقوا بالقرية لمدة اربع ليال ودمروا الكهوف وقالوا ان العدو لن يعود مرة اخرى الى هذه القرية.

ويوم الجمعة الماضي قام الجنود الاميركيون وحوالي 30 من المقاتلين الافغان المأجورين، بالاستيلاء على كمية كبيرة من الاسلحة المخبأة في بعض الكهوف في منطقة غورباز الى الجنوب الشرقي من خوست. وكان من ضمن تلك الاسلحة مدافع ورشاشات خفيفة ومدافع من عيار 75 ملم وقاذفات صواريخ ومدافع هاون. وتطلب نقل هذه الاسلحة توفير ثماني شاحنات. وكانت هذه الاسلحة قد اخفتها حركة طالبان في الايام الاخيرة لحكمها وكانت تأمل في استخدامها ضد القوات الاميركية في المستقبل.

وكانت مهمة الولايات المتحدة قد عرقلتها النزاعات الداخلية في اوساط القوات المعادية لحركة طالبان. واستجابة لطلب من الحكومة المركزية في كابل، قال كمال خان انه سيسحب قواته التي تحاصر احد منافسيه وهو ضابط شرطة بخوست. ولكن اتباعه ظلوا يجوبون المدينة وهم يحملون اسلحتهم الثقيلة.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»