الانتخابات الفرنسية: لوبن لا يستبعد تعرضه للإغتيال ومخاوف من مواجهات غدا بين أنصاره ومعارضيه غدا

TT

فيما عمدت وزارة الداخلية الفرنسية الى تعزيز الحماية الشخصية لمرشح اليمين المتطرف الذي يواجه جاك شيراك يوم الاحد القادم في دورة الانتخابات الرئاسية الثانية، اعرب جان ـ ماري لوبن امس عن تخوفه من تعرضه لمحاولة اغتيال. وأعلن لوبن، في احاديث صحافية الى جريدة «فرانس سوار» واذاعة «اوروبا رقم واحد» للمرة الاولى، امس، ان مسألة اغتياله «اخذت تثار في النقاشات الجارية اليوم»، مضيفاً ان «عدداً من الصحافيين يتساءلون عما يمكن ان يحصل في فرنسا اذا تم اغتيال لوبن».

غير ان الجهات الرسمية المعنية لم تؤكد او تعلق على مخاوف لوبن الذي اكد، بالمقابل، انه عمد الى اتخاذ «الترتيبات الضرورية» من اجل تفادي تعرضه لعملية اغتيال. وترى اوساط سياسية فرنسية ان حديث لوبن عن اغتياله يهدف لاجتذاب العطف الشعبي وتصويره ضحية «لمؤامرة كبرى» يشترك فيها، على حد سواء، اليمين واليسار. ويمكن تفسير الحديث عن الاغتيال، في ظل غياب اية معلومات موثوق بها، محاولة من لوبن لإظهار ان «المعسكر المقابل» يتخوف حقيقة من «الخطر» الذي يمثله في الدورة الثانية، ومن «المفاجأة» التي وعد بحصولها يوم الخامس من مايو (ايار) المقبل، بحيث يبدو اغتيال لوبن الوسيلة الوحيدة للتخلص من زعيم التيار العنصري والمتطرف.

وتأتي تصريحات لوبن التي يتهم فيها كل قوى «المؤسسة الفرنسية من منظمة أرباب العمل وحتى الحزب الشيوعي، ومن كاردينال باريس (مونسينيور) لوستيجيه وحتى المحافل الماسونية»، بالتآمر ضده، قبل يومين فقط من التظاهرة الكبرى التي ستجري ضده، في باريس والمدن الكبرى، بمناسبة عيد العمال في الاول من مايو. فبعد اسبوع كامل من التعبئة ضد لوبن الذي جعل كل القوى السياسية والنقابات والطلبة والفنانين وجمعيات المجتمع المدني تتوحد من اجل دحر ه وحرمانه من اصوات الناخبين يوم الاحد القادم، فان تظاهرات يوم غد ستكون بمثابة امتحان لـ«جبهة الرفض» خصوصاً ان الجبهة الوطنية ستحشد انصارها في باريس بمناسبة عيد القديسة جان دارك. ودأب لوبن، منذ سنوات، الى استغلال عيد جان دارك «عذراء اورليان» وبطلة فرنسا، التي قضت محروقة عام 1431، بعد ان اسرها الانجليز وسلموها الى محكمة دينية تخضع لأوامرهم، من اجل استعراض قوته واثارة انصاره بخطبه النارية.

وتتخوف الاجهزة الامنية من احتكاكات بين انصار لوبن ومعارضيه يوم غد، لذا عمدت الى تجميع 2000 رجل شرطة اضافيين في العاصمة وخصوصا في محيط ساحة الأوبرا، حيث يتجمع انصار لوبن، وما بين ساحتي ريبوبليك وناسيون حيث ستسير المظاهرة المعادية له.

وفي اي حال، فان التعبئة الشعبية ضد لوبن التي يقودها اليسار المتطرف واليسار التقليدي والخضر والنقابات والطلاب والفنانون، ليس مصدرها الخوف من نتائج الدورة الثانية، المحسومة سلفاً لصالح المرشح جاك شيراك، بل منع لوبن من الحصول على نسبة عالية من الاصوات، الامر الذي من شأنه ان يجذّره في الحياة السياسية ويجعل منه قوة صاعدة وبالغة الخطورة. واذا كان لوبن قد اكد لصحيفة «لوموند» اول من امس انه يهدف الى الحصول على نسبة تتراوح ما بين 40 و51% من الاصوات الاحد القادم، فان آخر استطلاع للرأي نشرت نتائجه امس صحيفة «لو فيغارو»، يفيد ان شيراك سيحقق فوزاً كاسحاً. ويظهر الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة «ايبسوس»، ان الرئيس الحالي سيحصل على نسبة تتراوح بين 19 و26% من الاصوات.

وكانت الاوساط الصحافية تداولت في اليومين الاخيرين نتائج استفتاء اجرته المخابرات العامة يفيد ان لوبن سيحصل على 44% من الاصوات. وقد اثار هذا الاستطلاع الذي نفت وزارة الداخلية لاحقاً وجوده، الهلع يميناً ويساراً وأعطى مصداقية لتأكيدات لوبن حول مفاجأة يوم الاحد.

ولكن بعيداً عن دورة الانتخابات الثانية، فان ما يشغل الاحزاب يتمثل في الانتخابات التشريعية التي ستجري يومي 9 و16 يونيو (حزيران) القادم، والتي ستقرر ما اذا كان شيراك سيمنح اكثرية نيابية تمكنه من الاتيان بحكومة يمينية، ام ان فرنسا ستغرق مجدداً في نظام «التعايش» بين رئيس يميني وحكومة يسارية، على غرار ما حصل في السنوات الخمس الماضية.

والمفارقة السياسية ان عودة اليسار الاشتراكي وحلفائه الى السلطة مرهونة بقوة لوبن واليمين المتطرف، ذلك ان حصول لوبن على نسبة من الاصوات بين 20 و30% يعني انه سيكون، في الانتخابات التشريعية، في وضع يمكنه من الاحتفاظ بمرشحيه في الدورة الثانية من هذه الانتخابات. ووجود مرشح اليمين المتطرف في «ثلاثية» تضمه الى جانب مرشح اليمين الكلاسيكي واليسار الكلاسيكي، تفيد هذا الاخير وتساعد اليسار على الاحتفاظ بنسبة كبيرة من مقاعده النيابية. غير ان الوصول الى هذا الهدف يفترض ان يتغلب اليسار على انقساماته، وان ينجح في انشاء تكتل واحد يضم الحزبين الاشتراكي والشيوعي والخضر والراديكاليين اليساريين وانصار المرشح جان ـ بيار شوفنمان، كما يفترض تعاون اليسار المتصرف الذي حصل الاحد الماضي على 10% من الاصوات وكان سبباً في الاطاحة بالمرشح ليونيل جوسبان. ولكن اذا فشل اليسار في التكتل، فانه سيكون مهدداً بخسارة الكثير من مواقعه الانتخابية والسياسية، والتهميش داخل البرلمان، لا بل تحوله الى احزاب متناحرة وانفجار الحزب الاشتراكي في الداخل.