مهمة صعبة تواجه عرفات بعد رفع الحصار ورضوخ شارون لصيغة الحل المطروحة بشأن رام الله

TT

عندما يخرج الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من مقره بعد رفع الحصار عنه ربما لا يستطيع التعرف على ما سيشاهده. واذا نفذ الاتفاق الاميركي المقترح ورفع الحصار تبعا لذلك عن مقر الزعيم الفلسطيني، فإنه سيجد ان خرابا ماديا وسياسيا لحق بالضفة الغربية اثر هجوم استمر ثلاثة اسابيع.

اسرائيل قالت من جانبها انها شنت هجومها بغرض ملاحقة «الارهابيين» المسؤولين عن ارتكاب سلسلة من الهجمات الانتحارية، بيد ان الجيش الاسرائيلي ترك بعض المناطق الفلسطينية غداة انتهاء الحملة وقد تحولت مبانيها الحكومية ومنازل السكان وفصول الدراسة واقسام الشرطة وشبكات الكهرباء الى انقاض. والى جانب ملاحقة من تسعى اسرائيل لإلقاء القبض عليهم ومصادرة الاسلحة، صادر الجيش الاسرائيلي ودمر سجلات المرتبات والسجلات المدرسية واجهزة الكومبيوتر والسيارات. اما كيفية بدء عرفات في اعادة بناء مناطق السلطة الفلسطينية فلا تزال لغزا. ورغم التطمينات التي تلقاها من بعض الجهات، فإن حركة الزعيم الفلسطيني ستظل محدودة في الغالب، اذ ان القوات الاسرائيلية دمرت المروحيات التابعة له كما جرفت مدرج المطار الفلسطيني الوحيد. وتحيط بقايا الدمار وحطام المباني بالطرق المؤدية الى مجمع عرفات الذي هدمت جدرانه الخارجية المصفحات الاسرائيلية. اما الامر الاكثر اهمية، فهو ان اجهزته السياسية والامنية تعاني من فوضى تامة، كما ان كبار مساعديه يعانون اما من الاعتقال او القيود المفروضة على تحركاتهم، فضلا عن ان جزءا كبيرا من قوات الشرطة قد تعرض لاضرار واسعة. واجبر عرفات على الاعتماد على الاسرائيليين في الحصول على الغذاء والاذن لزواره النادرين، وحصرت اقامته في منطقة صغيرة داخل بضع غرف باحد المباني القديمة حيث التيار الكهربائي لا يأتي الا بصورة متقطعة. وبالنسبة له، فإن الظهور بعد كل هذا يعتبر نصرا. فحصاره في مقره وضعه مجددا في مواجهة عدوه التاريخي رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون. فقبل عقدين تقريبا فرض شارون حصارا على عرفات وزملائه في منظمة التحرير الفلسطينية بلبنان واتهمهم بأنهم كانوا يقيمون «دولة داخل دولة» بغرض شن هجمات على اسرائيل عبر الحدود مع لبنان. لكن عرفات ظهر بعد مضي 88 يوما من الحصار اثر تدخل الولايات المتحدة وتوجه صوب منفاه في تونس حيث نجح في اعادة تنظيم صفوف حركته. ويقول مسؤول اميركي طلب عدم ذكر اسمه ان الواضح هو ان عرفات سيواجه العديد من المشاكل وان الكل سيواجه مهام صعبة. واشار هذا المسؤول الى ان «مجرد بقاء عرفات على قيد الحياة يعد في حد ذاته معجزة». المثير في الامر ان مكانة عرفات في اوساط الفلسطينيين، تعززت. فبعدما هبطت شعبيته العام الماضي، فانها تحسنت كثيرا الآن بفعل سجنه وحصاره داخل مقره بمدينة رام الله رغم عدم تمكنه من الحركة او زيارة المناطق الفلسطينية التي تعرضت للهجوم الاسرائيلي الاخير او حتى الاتصال على نطاق واسع مع السكان. وتنص التسوية التي جرى التوصل اليها بشأن الفلسطينيين المتهمين بقتل الوزير الاسرائيلي اليميني رحبعام زئيفي على نقلهم الى سجن فلسطيني وحبسهم تحت رقابة حراس اميركيين وبريطانيين. وربما ينتظر نفس المصير فؤاد الشوبكي، كبير المساعدين الماليين لعرفات، الذي تتهمه اسرائيل بتهريب السلاح. وفيما ترفض اسرائيل المغادرة دون القاء القبض على هؤلاء، يرفض عرفات تسليمهم. ويأتي قبول شارون وعرفات لهذه التسوية نتيجة ضغوط اميركية وبريطانية كبيرة. شارون، على وجه الخصوص، ربما حاول ايجاد نوع من التوازن ازاء الخط المتشدد الذي ينتهجه وحكومته لمنع اجراء تحقيق بواسطة منظمة الامم المتحدة بشأن العمليات العسكرية الاسرائيلية في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين. وكان معلقون اسرائيليون قد اعربوا عن اعتقادهم ليل اول من امس بأن شارون قد استسلم فيما يتعلق بمسألة تسليم قتلة زئيفي، فقد كان حتى قبل بضعة ايام فقط متصلبا في موقفه ازاء هذا المطلب. وقال شارون انه لا يثق بأن عرفات، الذي اتهمه بترويج الارهاب، سيقوم بمعاقبة او سجن المتهمين بقتل زئيفي لأن المطلوبين الذين يحبسون بواسطة السلطة الفلسطينية كثيرا ما يخرجون بسرعة، حسبما قال. وكانت محكمة فلسطينية عسكرية خاصة عقدت داخل مقر عرفات الاسبوع الماضي قد اصدرت احكاما مستعجلة بحق المتهمين بقتل الوزير الاسرائيلي السابق بالسجن فترات تتراوح بين عام و18 عاما، بيد ان الجانب الاسرائيلي قال ان المحاكمة المذكورة لا تعدو ان تكون خدعة. وفي مكالمة هاتفية مع الرئيس الاميركي جورج بوش يوم الاحد الماضي بات موقف شارون تجاه هذه القضية اكثر مرونة بعد تجاهله باستمرار خلال الاسابيع الاخيرة مناشدات الرئيس بوش بوقف الهجوم العسكري الاسرائيلي وسحب القوات الاسرائيلية من الضفة الغربية، اذ ربما يكون شارون قد قرر ان رفض طلب آخر لبوش ربما يكون تجاوزا للحد. وطرح شارون امر التسوية في اجتماع لحكومته اول من امس خلال جلسة عسيرة وعاصفة، اذ كان من بين المعترضين افيغدور ليبرمان الذي قال ان اللحظة التي يسمح فيها بدخول قوات اجنبية، في اشارة الى الحراس الاميركيين والبريطانيين، يعني «ضياعنا»، على حد تعبيره. اما رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، منافس شارون الرئيسي داخل حزب الليكود، فقد ظهر في شاشات التلفزيون مساء، وادان التسوية التي توصل اليها شارون متسائلا: «السؤال الذي اجد صعوبة في الاجابة عنه هو لماذا لا يبعد عرفات الى المنفى؟.... الآن سيعود عرفات الى غزة ويعامل كبطل».

بيد ان افرايم سنيه، عضو الحكومة الحالية عن حزب العمل، اشاد بقبول طلب الرئيس بوش وبـ«المحافظة على الولايات المتحدة في جانب اسرائيل»، خصوصا في ظل ما تواجهه اسرائيل بشأن معركة جنين». الجدير بالذكر ان اسرائيل متهمة بارتكاب انتهاكات في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين، الا انها نفت هذه الاتهامات.

*خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»