مسؤولون أميركيون: بوش سيتدخل عندما تستدعي الضرورة والتنسيق الوثيق مع السعودية سيتواصل بشأن عملية السلام

TT

بعد مرور ثلاثة اسابيع على فشل لهجته المتشددة في التوصل الى أي تقدم بشأن الاوضاع في الشرق الاوسط، ازدادت لهجة الرئيس الاميركي جورج بوش تشددا خلال عطلة نهاية الاسبوع الماضي، اذ تدخل بصورة شخصية لدى رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون لانهاء المواجهة الدموية بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطينيين. وفيما تم انجاز اتفاق حول انهاء الحصار على مقر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، قال مسؤولون اميركيون ان الحصار المضروب حول كنيسة المهد ببيت لحم اوشك على الانتهاء ايضا. ويحذر مسؤولون اميركيون واسرائيليون وعرب من ان حل مثل هذه الازمات ربما يكون سهلا مقارنة بما سيأتي مستقبلا. وفي الوقت الذي جرى التوصل فيه الى اتفاق حول التفاصيل الخاصة برفع الحصار المضروب حول مقر الزعيم الفلسطيني، تسعى ادارة الرئيس بوش جاهدة من وراء الكواليس الى التوصل الى كيفية تحويل هذه الفرصة الجديدة واستغلالها في تحقيق مكاسب على المدى البعيد ازاء السلام في الشرق الاوسط.

ويعتقد المراقبون انه ريثما تستكمل اسرائيل انسحابها من الضفة الغربية، فإن الدول العربية ستضغط، بقيادة ولي العهد السعودي الامير عبد الله بن عبد العزيز، باتجاه التوصل الى اتفاق سياسي سريع ونهائي لتسوية النزاع العربي الاسرائيلي الذي ظل مستمرا على مدى اكثر من نصف قرن. ومن المعتقد ان الرغبة في التوصل الى حل سريع ونهائي لهذا النزاع نابعة من السعي الى تجنب المراحل المطولة التي ربما تولد المزيد من الاحباط والعنف على الجانب الفلسطيني. الولايات المتحدة من جانبها تتحدث فقط على تسريع المحادثات ودمج المراحل الامنية والسياسية لعملية السلام، اما اسرائيل فتريد تطبيق ترتيبات امنية محددة قبل بدء المحادثات الخاصة بتسوية سياسية نهائية، بيد ان تحديد الاتجاه يجب ان يجري التوصل الى قرار بشأنه قبل ان تبدأ الاطراف مفاوضاتها بشأن القضايا الجوهرية التي لا تزال حولها خلافات عميقة. وكان آري فلايشر، المتحدث باسم البيت الابيض، قد علق يوم اول من امس قائلا «ليس هناك شيء سهل في الشرق الاوسط، كما ان الاشياء لا تظل تبعث على التفاؤل لفترة طويلة كما يتمنى المرء». واضاف فلايشر ان الرئيس بوش يشعر بالارتياح ازاء ما انجز خلال عطلة نهاية الاسبوع الماضي والمتابعة الاولية، لكنه اشار الى ان ثمة حاجة الى مراقبة الاوضاع والتطورات عن كثب. التعقيد الذي احاط بعملية التوصل الى اتفاق بشأن مغادرة عرفات لمقره المحاصر في رام الله يسلط الضوء على كبر حجم المهام المرتقبة. فيبدو ان مجموعة من العوامل اقنعت بوش في نهاية الامر باستخدام لهجة دبلوماسية محددة لانهاء الازمة التي اندلعت اثر عملية عيد الفصح اليهودي الانتحارية التي ادت الى غزو اسرائيل للضفة الغربية. وتأتي خطوات بوش الاخيرة بعد زيارة ولي العهد السعودي وقادة عرب آخرين للولايات المتحدة الاسبوع الماضي فضلا عن المطالبات المستمرة للدول الاوروبية الحليفة للولايات المتحدة بتدخل واشنطن، بالاضافة الى بروز مؤشرات على مرونة اسرائيلية واعتراف البيت الابيض بأن لا شيء يمكن ان يحدث فيما يتعلق بالقضايا الكبرى سواء كان ذلك في الشرق الاوسط او فيما يتعلق بالحرب ضد الارهاب ما لم يتم التوصل الى حل بشأن الازمة الراهنة وفي الأراضي الفلسطينية. وصرح مسؤول في ادارة الرئيس بوش، طلب عدم ذكر اسمه، بأن وزير الخارجية الاميركي كولن باول حاول ان يصل الى نفس الترتيب الذي جرى التوصل اليه اخيرا وذلك خلال جولته الاخيرة في منطقة الشرق الاوسط، بيد ان الاطراف لم تكن على استعداد في ذلك الوقت. وتمثلت احدى العقبات التي حالت دون التوصل الى نتيجة في وجود خمسة اشخاص ضمن المحاصرين في مقر الرئيس عرفات تتهمهم اسرائيل باغتيال وزير السياحة الاسرائيلي السابق رحبعام زئيفي بالاضافة الى محاسب الرئيس عرفات الذي تقول اسرائيل انه من ضمن المطلوبين لديها. وبمرور الوقت اعترفت الحكومة الاسرائيلية انها لن تستطيع ان تجري محاكمة بنفسها للأشخاص المذكورين مما افسح المجال امام واشنطن للتفاوض، حسبما يرى مسؤولون اميركيون. تزامنت هذه التطورات مع زيارات الاسبوع الماضي قام بها ولي العهد السعودي والعاهل المغربي ورئيس الوزراء اللبناني، اذ حذروا جميعهم من اخطار تحدق بجميع الاطراف المعنية اذا لم تحل الازمة، ويؤكد مسؤولون اميركيون ان تدخل الأمير عبد الله ولي العهد السعودي على وجه التحديد كان الاكثر قوة في التأكيد على اهمية التوصل الى حل بشأن الازمة الراهنة. واكد مسؤول في الادارة الاميركية ان الرئيس بوش كان حريصا على فعل كل ما بوسعه خلال المحادثات مع الجانب السعودي، وفي نهاية الامر اسفر التدخل الاميركي عن التطورات الاخيرة في الوضع.

وطبقا لما ذكرته مصادر في الادارة الاميركية، فإن مناشدات بوش لشارون يوم السبت الماضي كانت بمثابة نقطة تحول مهمة، الا ان الكثير من التحركات المهمة انجزت من خلال المكالمات المتواصلة التي استمرت ابتداء من يوم الخميس حتى الاحد من جانب وزير الخارجية كولن باول ومستشارة الرئيس بوش لشؤون الامن القومي، كوندوليسا رايس. واصل باول اتصالاته الهاتفية مع الوفد السعودي في هيوستن ثم مع العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري حسني مبارك ومع مسؤولين اوروبيين آخرين يتعاملون مع عرفات. كما ظل باول على اتصال بوزير الخارجية الاسرائيلي شيمعون بيريس. اما رايس، فقد ظلت على اتصال مستمر مع داني ايلون، مستشار شارون لشؤون السياسة الخارجية، يوم الاحد خلال اجتماع الحكومة الاسرائيلية العاصف الذي استمر ست ساعات. مسؤولو الادارة الاميركية نفوا من جانبهم ان يكون شارون قد حصل على تنازلات من جانب الادارة الاميركية لقاء اقناع الحكومة الاسرائيلية بتبني انهاء الحصار في رام الله، وهي الفكرة التي رفضها هو شخصيا. كما نفى المسؤولون نفيا قاطعا كذلك ادعاءات حول موافقة واشنطن على «التساهل» ازاء الجدل حول فريق منظمة الامم المتحدة الذي يريد التحقيق حول اتهامات بشأن ارتكاب القوات الاسرائيلية مذابح في مخيم جنين للاجئين. ونفى مسؤول في الخارجية الاميركية حدوث أي شيء من ذلك مؤكدا ان الطرفين مستفيدان من الاتفاق الذي جرى التوصل اليه.

واكد مسؤول اميركي مطلع ان باول تحدث مع كوفي انان خلال الاتصالات التي اجراها نهاية الاسبوع الماضي حول رام الله وقضية جنين. الجدير بالذكر ان باول لم يشارك في النقاش الذي دار حول تكوين فريق التحقيق الدولي حاثا اسرائيل والامم المتحدة على العمل بغرض التوصل الى التفاصيل ذات الصلة بهذا الشأن، بيد ان باول حث انان خلال نهاية الاسبوع المنصرم، وفق تأكيد المسؤول على استيعاب اسرائيل في الحد الممكن مع اتخاذ موقف متشدد ازاء ضرورة المضي قدماً في التحقيق. ورغم النفوذ الشخصي الذي استخدمه بوش في الجولة الاولى، فإنه لن يتدخل في الجولة المقبلة على الارجح، حسبما اكدت الادارة الاميركية اول من امس. فتدخل الرئيس، طبقا لتصريحات مسؤول بارز في الادارة الاميركية، سيكون فقط في حالات الضرورة والفائدة. واضاف المسؤول انه لا يجب ان يكون هناك افتراض بأن بوش سيناقش كل قضية او مواجهة تبرز في وقت لاحق، مشيرا الى ان «بوش سيتصرف بوصفه بوش وليس كما كان يتصرف كارتر او كلينتون او ريغان». واشار المسؤول كذلك الى ان بوش اكد مرارا على انه يرغب في ان يتولى وزير خارجيته مثل هذه المهام. اما ما سيحدث لاحقا، فسيناقش يوم غد بواسطة الامم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا، وهو الرباعي الذي حشده باول مطلع ابريل (نيسان) الماضي في العاصمة الاسبانية مدريد لرعاية جهود السلام في الشرق الاوسط. وكان ريتشارد باوتشر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية، قد اكد اول من امس ان الولايات المتحدة ستظل على اتصال وثيق مع المملكة العربية السعودية «للعمل سويا في ثلاث جوانب رئيسية لعميلة السلام»، على حد تصريحه. وحدد باوتشر هذه الجوانب في «التحرر من خطر الارهاب» بالنسبة للجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، وتسريع خطوات عملية السلام لتوفير الامل في الافق السياسي، والمعونات الانسانية واعادة البناء الاقتصادي لمعالجة «الاوضاع البائسة» وسط الفلسطينيين.

* خدمة «لوس آنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»