«معركة» بين عرفات والسلطات الإسرائيلية حول مصير «صراف» السلطة الفلسطينية

TT

من بين الذين يوجدون داخل المجمع الرئاسي المدمر للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، هناك محاسب قصير بدين، عمره 62 سنة يحتل موقعا متقدما في قائمة المطلوبين لدى اسرائيل. وهذا المحاسب هو فؤاد الشوبكي، مدير دائرة المشتريات العسكرية والمسؤول الاول عن الحسابات لدى السلطة الفلسطينية. ونسبة لان الشوبكي من الملازمين لياسر عرفات منذ زمن بعيد، وهو من اقرب المقربين اليه، فانه يعرف بالضبط من دفع مالاً لمن، وكم دفع، ومن اجل أي غرض. وتقول المصادر الاسرائيلية والفلسطينية على السواء، انه كان صاحب دور كبير في تدبير الاسلحة للفلسطينيين منذ زمن بعيد. ويعتقد الاسرائيليون انه سيكون حجر الزاوية في مخططهم من اجل اشانة سمعة عرفات.

ويقول الدبلوماسيون والمسؤولون ان مصير الشوبكي، خريج المدارس العليا الذي يتمتع بذاكرة فوتوغرافية فيما يتعلق بالارقام، هو الذي يثير كثيرا من الخلافات. فهو محتجز مع عرفات في المقر الرئاسي، مع المساعدين الاخرين والحراس ومع المعتقلين المتهمين بقتل وزير السياحة الاسرائيلي رحبعام زئيفي. ومن المقرر ان يتحول الشوبكي والمحكومين الاربعة الى سجن من سجون الخليل وفق شروط اتفاق ابرمه الاميركيون مع الطرفين، ولكن الاسرائيليين ما يزالون يطالبون بتسليمهم المطلوبين. والواقع ان الشوبكي هو الذي يرغب الاسرائيليون في استجوابه اكثر من سواه، وهو الذي يتمسك به عرفات اكثر من أي شخص آخر.

قال مسؤول اميركي: «المسألة شبيهة بقصة «المنبوذين». انهم لم يستهدفوا آل كابوني، بل استهدفوا حافظ السجلات. وفي العالم الفلسطيني فان حافظ السجلات هو الشوبكي. هذا هو الدور الذي يلعبه. ولكن الهدف ليس الشوبكي بل عرفات».

ولا يمكن لعرفات ان يسمح للاسرائيليين بالقاء القبض على الشوبكي، والحصول بالتالي على معلوماته الدقيقة حول العمليات المالية ليس بالنسبة للسلطة الفلسطينية وحدها بل بالنسبة لمنظمة فتح كذلك. ويعتقد مسؤولو الاستخبارات الاسرائيلية ان الشوبكي ظل لسنوات طويلة يتصرف في ملايين الدولارات، من الاموال التي كانت تصرف على تمويل الفصائل الفلسطينية قبل تأسيس السلطة الفلسطينية، وعلى الاجهزة الامنية بعد ذلك.

وبمجرد تأسيس السلطة الفلسطينية صار الشوبكي المسؤول الاول عن المالية، وله سلطات على الخزانة، التي تمول من قبل مصادر معروفة مثل الاتحاد الاوروبي والمملكة العربية السعودية واسرائيل، فضلا عن عائدات الضرائب. وربما يثير شهية الاسرائيليين اكثر من أي شيء آخر ان الشوبكي ربما تكون له معرفة دقيقة بحسابات عرفات في البنوك الاجنبية. ويأمل ضباط المخابرات الاسرائيلية ان يزودهم الشوبكي بمعلومات حول تمويل مجموعات مثل كتائب الاقصى التي نفذت العديد من الهجمات الانتحارية والمسلحة ضد الاسرائيليين. كما يرون انه يمكن ان يزودهم كذلك بمعلومات حول تركيبة وعضوية هذه المنظمة وغيرها من المنظمات الشبيهة، وعن صفقات الاسلحة، والدور الايراني في المنطقة. وتقول المصادر الفلسطينية والاسرائيلية ان الشوبكي لا يمكن ان يعمل الكثير دون موافقة عرفات. ولكن الشوبكي نفسه نفى، من خلال محاميه، ان يكون ارتكب اية مخالفات.

كانت وظيفة الشوبكي منذ تاسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، هي صرف المرتبات وشراء المعدات، من البنادق حتى الاحذية، لصالح اهم ثلاثة اجهزة امنية من بين الاجهزة الامنية الفلسطينية الكثيرة، وهي الامن الوقائي والامن العام والقوة 17، وهي بمثابة الحرس الجمهوري بالنسبة لعرفات. ويقول الاسرائيليون ان بعض اعضاء هذه الاجهزة شاركوا في هجمات ضد اسرائيل. وبينما لا ينكر الفلسطينيون هذه الحقيقة الا انهم يقولون ان قوة كاملة لا يمكن محاسبتها باعمال فئة قليلة من اعضائها.

ويقول الفلسطينيون ان الشوبكي يتحكم في الصرف على فتح، وانه هو المشرف على كل الاموال الواردة الى التنظيم والصادرة عنه. وهو شريك في كثير من المشاريع التجارية بما فيها شركة للزبادي بقطاع غزة، يقول المساعدون ان الاموال المستثمرة فيها تخص منظمة فتح. وحتى قبل تأسيس السلطة الفلسطينية كان يضطلع بوظائف مشابهة، تحت اشراف عرفات، ويقوم بتوزيع الاموال على الفصائل المرتبطة بفتح.

وقال صديقه حسين الشيوخي: «انه جيب عرفات. لا اكثر ولا اقل».

وعندما قامت القوات الاسرائيلية بغزو مدينة رام الله بالضفة الغربية يوم 29 مارس (آذار)، وحاصرت مقر عرفات الرئاسي، توجهت مباشرة الى مكاتب الشوبكي والى مكاتب مدير الامن العام توفيق الطيراوي. ويدعي المسؤولون الاسرائيليون انه من بين الوثائق التي استولوا عليها وملأوا بها الشاحنات، كانت هناك فواتير تحمل توقيع الشوبكي تتعلق بصرف قاذفات صواريخ محمولة على الكتف للقوة .17 ويقول هؤلاء المسؤولون انهم وجدوا ادلة على حصول السلطة الفلسطينية على صواريخ مضادة للطائرات.

وبناء على الاتفاقيات الموقعة فان السلطة الفلسطينية من حقها ان تحصل على كميات كبيرة من الاسلحة الخفيفة ولكن ليس من حقها ان تحصل على قاذفات الصواريخ والصواريخ المضادة للطائرات. وشكك المسؤولون الفلسطينيون في صحة الوثائق، مشيرين الى الطريقة غير الشرعية التي تم بها الحصول عليها واتهموا اسرائيل بتزوير المستندات من اجل ادانة الشوبكي والسلطة الفلسطينية والرئيس عرفات. وقال المسؤولون الاميركيون انهم لم يتأكدوا من صحة الوثائق من مصادر محايدة.

وعرض مسؤولو الاستخبارات الاسرائيلية على الصحافيين ما زعموا انه فاتورة قدمتها منظمة «كتائب شهداء الاقصى» الى الشوبكي، موضحة فيها بعض النفقات التي صرفتها على شراء مواد صناعة القنابل، وبعض الاسلحة الاخرى وعلى الاحتفالات التي اقامتها احياء لذكرى منفذي الهجمات الانتحارية. وقد طلبت الرسالة، المدعى انها كتبت يوم 16 سبتمبر (ايلول)، تخصيص اموال لشراء 30 قنبلة تكفي لمدة شهر واحد. ولكن مسؤولي المخابرات الاسرائيلية لم يقدموا دليلا على ان الاموال صرفت بالفعل. وقال مسؤول استخبارات الجيش الاسرائيلي، الكولونيل ميري ايزين، ان المحققين لم يستطيعوا ان يثبتوا حتى الان ان الشوبكي قدم دفعيات مباشرة الى «كتائب الاقصى».

ويقول احمد ناصر، العضو القديم بحركة فتح، بقطاع غزة، والذي عرف الشوبكي منذ ان عاش الاثنان في المنفى في تونس لمدة 15 سنة، ان الشوبكي هو الرجل الذي يمكن اللجوء اليه من اجل المال، والجازولين والكومبيوترات والمعدات. ولكن ناصر يضيف ان كل المبالغ الكبيرة تحتاج الى موافقة عرفات.

ويقول «ان الهامش الذي يتصرف فيه دون الرجوع الى ابو عمار هامش ضيق جدا. اذا كانت هناك شعبة ما تحتاج الى سيارة او اثنتين، فهذا لا بأس به. ولكن ليس لديه هامش اكبر. وتمر على مكتبه الاف الوثائق، وهو يذكرها جميعا بكل تفاصيلها. من ارسل هذا المبلغ من المال، ولمن ارسله وكم كان ذلك المبلغ. انه حريص وحذر الى اقصى مدى».

ويقول زملاء الشوبكي انه لم يقاتل مطلقا، ولكنه مع ذلك يرتدي زيا عسكريا ويحمل رتبة العقيد. وقال عنه محاميه الشيوخي: «انه ليس جنديا انه محاسب».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»