يهود أميركيون يفكرون في تحويل تبرعاتهم من الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري تعبيرا عن رضاهم عن سياسات بوش

TT

يأمل خبراء الاستراتيجية والتخطيط في الحزب الجمهوري الاميركي في استثمار سياسات الرئيس جورج بوش الحالية الموالية بقوة لاسرائيل لاجتذاب الناخبين والمتبرعين اليهود الموالين للحزب الديمقراطي الذين ظلوا على مدى عقود يمثلون سندا قويا وحيويا للديمقراطيين.

ويعتقد المراقبون ان الرئيس بوش، الذي حصل على نسبة 19 في المائة فقط من اصوات الناخبين اليهود في انتخابات الرئاسة الماضية، قد ترك انطباعا ايجابيا لدى العديد من افراد ومجموعات الجالية اليهودية من خلال تعامله مع قضية الحرب ضد الارهاب ومواقفه ازاء النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني. وباتت هذه المجموعات اليهودية تفكر جديا في تحويل دعمها وسندها الى الحزب الجمهوري، اذ من شأن هذه الخطوة اعطاء دفعة قوية لنجاح الحزب الجمهوري في انتخابات الكونغرس المقبلة وحملة اعادة انتخاب بوش رئيسا للولايات المتحدة وحتى ما بعد ذلك.

يقول ماثيو بروك، المدير التنفيذي لـ«الائتلاف الجمهوري اليهودي»، ان الحزب الجمهوري الاميركي بات في وضع يمكنه الآن من احداث تغيير للولاء السياسي في اوساط الجالية اليهودية الاميركية تماما كما فعل الرئيس الاميركي الراحل فرانكلين روزفلت عندما اسفر اشراك اليهود في ائتلاف روزفلت الى توجّه الناخبين اليهود صوب الحزب الديمقراطي في ثلاثينات القرن الماضي. كما يعتقد مالكوم هوينلين، احد مسؤولي «مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الرئيسية» في الولايات المتحدة، ان الرئيس بوش «حقق الكثير من المكتسبات» ازاء العلاقة مع الجالية اليهودية الاميركية، اذ انه، طبقا لتعبير هوينلين، «يفهم ما تواجهه اسرائيل».

وفي مؤشر يدل على المكتسبات التي حققها الحزب الجمهوري في اوساط الجالية اليهودية سعت ثلاث مجموعات يهودية حضرت ندوة موالية لاسرائيل للقاء جاك ابراموف، وهو عضو ناشط في اللوبي اليهودي بالحزب الجمهوري، لاستشارته بشأن افضل السبل للتعبير عن التأييد للرئيس بوش واعضاء الكونغرس الموالين لاسرائيل من خلال المساهمات في الحملة الانتخابية. وقال ابراموف انه احس بأن ذلك ربما يكون بمثابة «نقطة تحول»، حسب تعبيره. من ضمن الذين قابلوا ابراموف جيري غونتونك، وهو تاجر عقارات من نيوجيرزي كان من مؤيدي نائب الرئيس الاميركي السابق آل غور في انتخابات الرئاسة لعام 2000 وتبرع كذلك لمرشحي الحزبين الرئيسيين. وقال جيري انه يعتقد ان «رئاسة بوش تشكل افضل امل لمستقبل الحضارة الغربية». وذكر غونتونك، وهو ابن احد الناجين من الهولوكوست، ان اسرته تقضي ساعات بكاملها في النقاش حول ما اذا كانت الجالية اليهودية «قد فعلت ما فيه الكفاية» لمساعدة اليهود الاوروبيين خلال حقبتي الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي. واضاف غونتوك قائلا انه يريد فقط ان يشعر ان بوسعه ان يقول لاطفاله انه «يفعل كل ما بوسعه للتأكيد على سلامة وامن الدولة اليهودية».

وقلل مسؤولو الحزب الديمقراطي من جانبهم الآثار المحتملة لمثل هذه الآراء، رغم انهم اعترفوا بأن بوش قد نجح في اقامة علاقة مع ناخبين ومتبرعين يهود معروفين بولائهم التقليدي للحزب الديمقراطي.

ورغم ذلك يقول ديفيد هاريس، نائب مدير «المجلس القومي اليهودي الديمقراطي»، ان بوش ربما يجد قدرا من التأييد الزائد مقارنة بالانتخابات السابقة، بيد ان قادة الحزب الديمقراطي، طبقا لوجهة نظره، هم الذين يصرحون بكل ما هو صحيح وايجابي فيما يتعلق باسرائيل، كما اعرب عن اعتقاده أن غالبية اعضاء الجالية اليهودية الاميركية ستصوت لمصلحة الحزب الديمقراطي في انتخابات العام الجاري والانتخابات المقبلة ايضا. يضاف الى ما سبق ان توم داشيل، زعيم الاغلبية بمجلس الشيوخ الاميركي، الى جانب رموز بارزة في الحزب الديمقراطي ادلوا بتصريحات قوية مؤيدة لاسرائيل خلال الايام الاخيرة، لكنهم يفتقرون الى نفوذ البيت الابيض. ويعتقد تيري ماكاوليف، رئيس «اللجنة القومية للحزب الديمقراطي»، ان تأييد الجالية اليهودية للحزب الديمقراطي سيظل قويا وثابتا وان «الجالية اليهودية تدرك ان الحزب الديمقراطي كان وسيظل باستمرار مؤيدا قويا لاسرائيل. وتابع ماكاوليف قائلا: «ظلت الغالبية الساحقة للجالية اليهودية تؤيد الحزب الديمقراطي على مدى 80 عاما بسبب القيم المشتركة التي يؤمن بها الجانبان»، مؤكدا ان انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل ستثبت ان شيئا من ذلك لم يتغير. وقال مارفين جوزيفسون، رئيس مجموعة «ناشونال باك» الموالية لاسرائيل ان ولاء الكثير من اليهود للحزب الديمقراطي ليس قائما فقط على اساس الموقف ازاء اسرائيل وانما يرتكز كذلك على الالتزام بالعدل الاجتماعي والاهتمام بالفقراء والاعتقاد في اهمية الحريات والحقوق المدنية. لكنه اضاف كذلك انه «اذا كانت ثمة فرص لاظهار المكاسب الكبيرة في اوساط الناخبين اليهود، فإنها توفرت للرئيس الحالي بوش». وطبقا لبحث اجراه جون غرين، استاذ العلوم السياسية بـ«جامعة اركون»، وعدد من زملائه، فإن اليهود كانوا يمثلون 21 في المائة من جملة المتبرعين للحزب الديمقراطي خلال السباق التمهيدي بالحزب الديمقراطي عام 2000، كما تقدر مساهمات المتبرعين اليهود بحوالي 13 مليون دولار على الاقل من جملة 62 مليون جرى جمعها. وفي المقابل يشكل اليهود 2.5 في المائة من المتبرعين للحزب الجمهوري وتبرعوا بـ3.75 في المائة من جملة 150 مليون دولار جرى جمعها. ويشير الباحثون كذلك الى وجود امثلة مشابهة على مستوى انتخابات الكونغرس ايضا. ويشكل الناخبون اليهود نسبة 4 في المائة من جملة الناخبين في الولايات المتحدة، لكنهم يلعبون دورا اكبر حجما في عدد من الولايات المهمة بما في ذلك نيويورك وفلوريدا وكاليفورنيا. واشارت الاستطلاعات التي اجريت عقب الاقتراع في انتخابات الرئاسة السابقة في نيويورك الى ان اليهود شكلوا 14 في المائة من جملة الناخبين في تلك الانتخابات، كما اشارت النتائج كذلك الى انهم ايدوا آل غور بنسبة 78 في المائة مقابل نسبة 19 في المائة. وفي كاليفورنيا، يشكل اليهود نسبة 5 في المائة من الناخبين وحصل آل غور على نسبة 84 في المائة من اصواتهم. وخلال العقود الاخيرة جرت اقوى منافسة بين الناخبين اليهود خلال حملة الرئيس الاميركي الاسبق رونالد ريغان عام 1980، اذ حصل على 39 في المائة من اصوات اليهود فيما فاز جيمي كارتر بـ45 في المائة من اصواتهم والمرشح المستقل جون آندرسون 15 بالمائة. وفي عام 1992 حصل بوش الاب على 11 في المائة من اصوات اليهود فيما حصل بيل كلينتون، مرشح الحزب الديمقراطي، على 80 في المائة وروس بيرو 9 في المائة.

وكان بوش الأب اثار غضب الكثير من الناخبين اليهود اثر تهديده بوقف ضمانات قروض لاسرائيل ردا على سياسة المستوطنات في الضفة الغربية. ولا يزال بعض اليهود ينظرون بشيء من الحذر للرئيس الحالي بوش ليس فقط بسبب تاريخ والده، وانما بسبب ظهوره في منصة جامعة بوب جونز التي هوجمت ووصفت بأنها معادية للسود والكاثوليك. بيد ان اللقاءات التي اجريت مع قادة المنظمات اليهودية، بما في ذلك «المؤتمر اليهودي الاميركي» و«مؤتمر رؤساء المنظمات الاميركية اليهودية الرئيسية» و«اللجنة اليهودية الاميركية» و«منتدى السياسة الاسرائيلية»، تشير بوضوح الى ان بوش نجح في تهدئة مخاوف وحذر الجالية اليهودية تجاهه. يقول ريتشارد هايدمان، رئيس «بناي بريت انترناشونال»، انه ظل من مؤيدي الحزب الديمقراطي على مدى سنوات طويلة وانه كان يحتفظ بعلاقات جيدة مع البيت الابيض خلال عهد الرئيس كلينتون. ويضيف هايدمان، الذي كان يتحدث بصفته الشخصية وليس الرسمية، انه سيدرس احتمال التصويت للرئيس بوش في انتخابات الرئاسة المقبلة عام .2004

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»