مصدر مقرب من الرئاسة الإيرانية: خاتمي نفد صبره ويشعر بالاستياء من نقض خامنئي لتعهداته

الرئيس الإيراني اضطر للسكوت والانسحاب بعد احتجاجات نواب أكراد على تشبيه التلفزيون لهم بالصهاينة

TT

هدد الرئيس الايراني محمد خاتمي بتقديم استقالته الى الشعب اذا شعر بانه غير قادر على تنفيذ وعوده للملايين من الايرانيين الذين «لم يصوتوا لمحمد خاتمي فحسب بل للبرامج والافكار التي طرحها» حسب قول خاتمي نفسه في لقاء مع رؤساء ومسؤولي اتحادات المعلمين يوم الاحد الماضي.

واشار مصدر قريب من الرئاسة لـ «الشرق الأوسط» الى ان صبر خاتمي قد نفد وهو يشعر بيأس عميق وبات موضوع استقالته المحور الاساسي لنقاشاته مع مستشاريه في الاونة الاخيرة. واعتبر المصدر قرار توقيف صحيفتي «ايران» الحكومية الرسمية و«بنيان» لسان حال التيار الاصلاحي القريب من خاتمي، واصدار احكام قاسية بحق الكاتب والصحافي الوطني البارز احمد زيد آبادي الذي يحظى باحترام ونفوذ بالغ لدى الاصلاحيين (23 شهرا في سجن انفرادي وخمس سنوات حرمان من الحقوق الاجتماعية) والصحافي المعروف سيامك بورزند البالغ عمره 73 عاما (8سنوات سجن) فضلا عن احضار زعيم حركة الحرية الدكتور ابراهيم يزدي الذي عاد الى ايران مؤخرا بعد حصوله على ضمانات من مسؤولي النظام بانه لن يواجه المحاكمة والاعتقال، من قبل محكمة الثورة واستجوابه مرتين تمهيدا لتنفيذ القرار الصادر سابقا بسجنه، يعد من العوامل التي دفعت خاتمي الى الخروج عن نهجه الدائم وهو التكتم على مشاعره وما يتعرض له خلف الكواليس، ومصارحة الشعب والنظام في آن معا.

وعلمت «الشرق الأوسط» بان خاتمي مستاء بدرجة اولى من نقض عهد مرشد النظام آية الله علي خامنئي الذي حسب قول احد النواب الاصلاحيين، تظاهر عقب تشديد التهديدات الاميركية واعلان الرئيس الاميركي جورج بوش بان «اقلية غير منتخبة تمارس القمع بحق الشعب الايراني ومؤسساته الدستورية المنتخبة» بأنه يؤيد الاصلاحات وسيدعم خاتمي ومشاريعه بعد الان، ودعا التيار الراديكالي المناهض للاصلاحات والذي يسيطر على القضاء واجهزة الامن والاذاعة والتلفزيون، للتعاون مع الاصلاحيين والسعي لعدم تعثر خطوات خاتمي في مجال ابعاد خطر الحملة العسكرية الاميركية ضد ايران.

ووفقا لما جاء في افتتاحية صحيفة نوروز لسان حال حزب جبهة المشاركة حزب الرئيس خاتمي امس فان الجناح المعارض لخاتمي قد عاود اجراءاته ضد الاصلاحيين وبعد اسابيع من فترة هدوء اعطت انطباعات خاطئة الى بعض الاصلاحيين بان حلم الوفاق الوطني قد تحقق فعلا.

وبدا ان الجناح المعارض (المحافظين والراديكاليين) لا يرى سببا لمواصلة سياسة التفهم والتفاهم، اذ ان خاتمي تمكن من ابعاد خطر الهجوم الاميركي، مما يعني انه ليس هناك دليل على تغيير المنهج السابق بتعطيل الصحف المستقلة واعتقال كل من يعارض المرشد والاطراف المجتمعة حوله.

ويأتي موضوع العلاقات مع الولايات المتحدة في مقدمة القضايا التي اوصلت علاقات خاتمي مع خامنئي الى نقطة المواجهة. بحيث لم يعد امام خاتمي حسب المصادر القريبة من التيار الاصلاحي الا الاستقالة او التحدي. بيد ان الرئيس الايراني حسبما اورده في خطابه الى المعلمين بشكل غير مباشر، يرى ان النظام لن يتحمل ازمة داخلية كبيرة بخروجه من الحكم وسقوطه على ايدي الجماهير الغاضبة والتهديدات الخارجية سيكون مؤكدا ولهذا فانه قرر اعطاء خامنئي والتيار اليميني المتطرف الفرصة الاخيرة لمراجعة خطواتهم وسياساتهم.

وفي ذروة التهديدات الاميركية، وافق مرشد النظام في اجتماع طارئ للمجلس الاعلى للامن القومي (نشرت «الشرق الأوسط» تفاصيله سابقا) على ان يقوم خاتمي بما هو ضروري لابعاد خطر الهجوم الاميركي وخول رئيس الجمهورية تشكيل لجنة لدراسة سبل اجراء الحوار مع الادارة الاميركية. وقد عين خاتمي فعلا اعضاء اللجنة، وبدأت اتصالات عبر السفارة السويسرية في طهران التي ترعى المصالح الاميركية منذ قطع العلاقات بين البلدين في العام 1979 عقب احتلال السفارة الاميركية من قبل طلبة «خط الإمام» مع الادارة الاميركية اسفرت عن اتصالات مباشرة في عدد من العواصم الاوروبية بين الدبلوماسيين الايرانيين والاميركيين. وساهمت هذه الاتصالات بشكل مؤثر في تخفيف حدة التوتر القائم في علاقات طهران وواشنطن، وكادت ان تمهد للقاء على المستوى الوزاري بين كمال خرازي وزير خارجية ايران ونظيره الاميركي كولن باول. الا ان الحملات ضد الاصلاحيين الداعين لفتح الحوار مع اميركا، استؤنفت بعد عطلة عيد رأس السنة الايرانية النوروز في ابريل (نيسان) الماضي في الصحف الخاضعة لادارة مرشد النظام ومن ثم جاءت تصريحات خامنئي في الاسبوع الماضي التي اعلن خلالها رفضه الكامل لأي اتصال مع اميركا كما انه اتهم بعض الصحف الاصلاحية بالخروج عن مبادئ النظام والثورة بنشر مقالات وتقارير عن ضرورة تعديل السياسة الراهنة حيال اميركا. وقد تلقى خاتمي تصريحات خامنئي كاهانة شخصية وضربة الى موقعه ومصداقيته كرئيس للبلاد خاصة ان خاتمي كان خارج ايران في زيارة لدول آسيا الوسطى حيث اعلن ان القطيعة بين ايران واميركا ليست ابدية ولا بد من ايجاد ارضية مناسبة لعودة الحوار بين البلدين. ورغم انتقادات خاتمي لمواقف الرئيس الاميركي وتصريحاته ضد ايران، الا انه ترك باب الحوار مفتوحا مؤكدا بأن ايران مستعدة للحوار في حالة تخلي واشنطن عن خطابها وتهديداتها ضد ايران. وحينما عاد خاتمي الى طهران لم يجد اثرا للوفاق الذي وعد مرشد النظام بتحقيقه بممارسة ضغطه الشخصي على المحافظين والراديكاليين. وبدلا من الوفاق شاهد خاتمي تعطيل الصحف القريبة منه واصدار الاحكام القاسية بحق الصحافيين الاصلاحيين خلال «مهرجان اسبوع الصحف». اضافة الى ذلك فان حالة الغضب السائد على البرلمان بسبب رفض مجلس صيانة الدستور معظم القوانين التي ابرمها البرلمان لاصلاح الوضع السياسي والاقتصادي واجهزة الامن والقضاء، جعلت الرئيس الايراني هدفا لانتقادات اقرب انصاره ومساعديه الذين يريدون منه ان يمارس حقه القانوني برفض سياسات المرشد ويكشف للشعب المتعطش لايضاحاته ما يدور حقا خلف الكواليس بينه وبين المرشد ورجاله. وقد جاءت الضربة الاخيرة شديدة على خاتمي حينما بثت القناة الاولى للتلفزيون الايراني برنامجا حول الجرائم الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني الذي وصف خلاله مقدم البرنامج الاكراد الايرانيين السنة بانهم يشبهون الصهاينة مدعيا بان تمرد الاكراد في بداية الثورة، بقيادة الزعيم الكردي التاريخي عبد الرحمن قاسملو الذي اغتيل في النمسا على ايدي عناصر استخبارات الحرس الثوري، كان شبيها بما يجري في فلسطين حاليا، اذ ان الاكراد ارتكبوا ايضا جرائم بشعة بحق رجال الحرس ومسؤولي محافظة كردستان.

وقد اثار البرنامج احتجاجات واسعة في كردستان وطالب نواب محافظة كردستان الرئيس خاتمي بالتدخل وبمعاقبة مسؤولي الاذاعة والتلفزيون. وحينما قال خاتمي لاحدهم ان الاذاعة والتلفزيون ليسا تحت ادارة الحكومة وأن المرشد يشرف على هذه المؤسسة، رد عليه النائب الكردي قائلا: فلماذا لا تتوقفون عن تأمين ميزانية الاذاعة والتلفزيون؟ وقد سكت خاتمي وخرج من المكان حسب قول نائب كردي في البرلمان.