مذكرات نيكسون تكشف عن حرب مبكرة ضد «الإرهاب»

الرئيس الأميركي الأسبق واجه وضعا مشابها لما يواجهه الرئيس بوش حاليا

TT

عندما هاجم مسلحون فلسطينيون القرية الاولمبية في ميونيخ عام 1972 وقتلوا 11 لاعبا ومسؤولا رياضيا اسرائيليا، تعامل الرئيس الاميركي الاسبق ريتشارد نيكسون مع الحدث بتفاعل، واقترح قطع العلاقات الدبلوماسية مع «الدول التي ترعى اي نوع من هذه الجماعات المسلحة».

وكما حدث بعد 29 عاما من ذلك التاريخ مع الرئيس جورج دبليو بوش، اعتبر نيكسون ان هناك حاجة «لممارسة سياسية صارمة للغاية» مع الدول التي «توفر ملجأ للخارجين عن القانون». وحينها قال نيكسون لكبير موظفي البيت الابيض الكسندر هيغ مساء اليوم الذي قتل فيه الاسرائيليون «يا للهول. ما هو موقفنا بشأن ما يحدث في لبنان؟ او حتى في الاردن».

لم يكن هيغ متأكدا تماما فقال للرئيس: «قد تواجهنا مشكلة صينية في هذا الصدد». فأجابه الرئيس: «اضغط على الصينيين بهذا الخصوص. وكن صارما للغاية»، حسبما جاء في وثائق الامن القومي خلال فترة رئاسة نيكسون، والتي سمحت هيئة الارشيف القومي للجمهور بالاطلاع عليها اول من امس.

لكن الوثائق تشير الى ان الحرب ضد الارهاب التي اعلنت ردا على مذبحة ميونيخ فقدت قوة دفعها بعد مرور ثلاثة اشهر. وحتى اسرائيل فشلت في المضي قدما بعنف ملائم، كما قال الجنرال اهارون ياريف، الخبير الاسرائيلي في مكافحة الارهاب لدبلوماسي اميركي في تل ابيب.

قال ياريف ان الحرب ضد الارهابيين اينما وجدوا والتي اعلنتها رئيسة الوزراء الاسرائيلية غولدا مائير لتعقب مرتكبي حادثة ميونيخ «لم تظهر جليا على السطح». كما جاء في برقية تلقتها وزارة الخارجية الاميركية يوم 22 ديسمبر (كانون الاول) من عام 1972. واعتقد ـ ياريف ـ ان المطلب الملح (في اسرائيل) بشأن الرد على ميونيخ «تبخر بشكل واضح».

اوجه التشابه والتناقض في الوثائق بين ازمات منطقة الشرق الاوسط خلال السبعينات وهذه الايام، تثير الدهشة. فمنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) الماضي التي تعرضت لها نيويورك وواشنطن وعمليات التفجير الانتحارية في اسرائيل، تتواصل الهجمات المضادة التي تشنها الولايات المتحدة واسرائيل.

في ذلك الوقت كما اليوم تداعت بشكل واسع اصوات المعبرين عن القلق في الدول العربية بشأن ما يعتبرون انه انحياز الولايات المتحدة لاسرائيل.

وقد تعرف نيكسون بشدة على ذلك الموقف خلال حرب اكتوبر (تشرين الاول) 1973 العربية ـ الاسرائيلية، عندما التقى بوزراء خارجية السعودية والمغرب والكويت والجزائر في مكتبه البيضاوي وحثوا الولايات المتحدة على ان تدعم عودة الاوضاع بين اسرائيل وجيرانها العرب الى ما قبل عام 1967، عندما سيطرت اسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان.

حينها قال وزير الخارجية السعودي عمر السقاف للرئيس الاميركي احتجاجا على الجسر الجوي الذي اقامته الولايات المتحدة مع اسرائيل: «مساعدتكم لاسرائيل ينظر اليها على انها عداء للعالم العربي». واضاف «ان العرب كانوا يدافعون عن اراضيهم من اجل استعادة ما اخذ منهم بالقوة... وها هي اسرائيل تحصل على دعم الولايات المتحدة بالقوة».

وقال نيكسون انه كان مدركا بأن معظم العرب يعتقدون ان الادارة الاميركية كانت «خاضعة لنفوذ سياسي قوي يعمل لصالح اسرائيل»، لكنه اكد لهم قائلا: «لست الآن، ولم اكن من قبل ابدا، ولن اكون في المستقبل ابدا، متأثرا بالسياسات الداخلية وانا اسعى لتحقيق السلام في هذا العالم».

وكما حدث مع الرئيس الحالي بوش ومع المسؤولين الاميركيين في الايام الاخيرة، قال نيكسون ان هدفه هو التوصل الى تسوية عادلة ومنصفة في منطقة الشرق الاوسط، وسعى لتبرير الجسر الجوي الاميركي باعتباره استجابة معقولة لمئات الطائرات التي قال ان الاتحاد السوفياتي بعث بها للعرب.

حينها قال نيكسون للوفد العربي: «اتخذت قرارا بالمحافظة على التوازن. وهذا هو كل ما نقوم به. ونحن لن نوفر لاسرائيل ما يمكنها من الهجوم». لكن وزير الخارجية الكويتي صباح الاحمد الصباح رأى ان هناك فرقا كبيرا في الجسر الجوي، حيث قال: «ان العرب يدفعون ثمن الاسلحة التي يحصلون عليها».

وقد قاطعه وزير الخارجية هنري كيسنجر بالقول انه لا يعتقد ان تلك كانت نقطة رئيسية، حيث قال «المشكلة تكمن في انه اذا ما اختل الميزان لصالح طرف ما، فإن ذلك قد يتيح المجال لتدخل القوى العظمى. وهذا ما يجعلنا بحاجة لوقف اطلاق النار رغم المعارضة الشديدة في الداخل».

اول من امس عرض جزء مما يزيد عن 110 آلاف صفحة من قبل طاقم ارشفة الوثائق الرئاسية، ومن بينها نصوص لما دار في الاجتماعات التي عقدت في المكتب البيضاوي، تشير الى اقتراح نيكسون بأن العودة الى حدود ما قبل حرب 1967 قد يكون محل ترحيب، لكنه يضيف انه «لا فائدة من قطع التزامات لا نستطيع الوفاء بها. ونحن لسنا بحاجة الى المزيد من الوعود التي لا تتحقق. لن يتسنى لنا اقناع اسرائيل بسهولة».

خلال الفترة بين احداث ميونيخ 1972 وحرب اكتوبر 1973 التقى بابا الفاتيكان بغولدا مائير في روما. وفي برقية تلقتها وزارة الخارجية الاميركية، جاء عن السفير الاسرائيلي في روما، ان تلك الزيارة «كانت مفاجأة مذهلة للعرب ولاصدقائهم»، ونتج عنها تعبيرات عن الغضب. وجاء في البرقية عن البابا قوله انه كان دائما ضد الارهاب، وقد ادانه اكثر من مرة، وان «تطوير الجزء الخاص باسرائيل سيساهم في تعزيز مكانتها ـ مائير ـ ومكانة الآخرين».

واضافت البرقية ان بابا الفاتيكان ايضا «شكر السيدة مائير» بحماس «على الطريقة المخلصة التي تقوم من خلالها اسرائيل بالمحافظة على الاماكن المقدسة في القدس».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»