فدائي فلسطيني صاح: «جنين.. جنين» قبل أن يفجر نفسه

مقتل 16 إسرائيليا وإصابة 62 في العملية الانتحارية جنوب تل أبيب ورواد النادي اعتقدوا أن منفذها خبير كومبيوتر

TT

«جنين.. جنين..»، بهذه الكلمة كان الشاب الفلسطيني يئن وهو مصاب بجراح نازفة، امس، من جراء انفجار العبوة الناسفة التي كان يحملها قرب سجن مجدو العسكري، فاعتقله الجنود ونقلوه للعلاج في المستشفى، وهم فرحون بأنه لم يصل الى هدفه (مدينة العفولة)، ولم يتمكن من اصابة اي اسرائيلي بأذى. في حين كان رفيق له قد نجح في منتصف الليلة السابقة بدخول ناد للمراهنات غير القانونية في ريشون لتسيون جنوب تل ابيب، مما تسبب في مقتل 16 مدنيا اسرائيليا وجرح 62.

وكانت اجهزة الامن الاسرائيلية قد اعلنت حالة استنفار على اعلى المستويات، جراء وصول «انذارات ساخنة» لمخابراتها تقول ان فلسطينيين انطلقوا من مواقعهم الى عدة بلدات شمال اسرائيل من اجل تنفيذ عمليات فدائية.

وقال ناطق بلسان المخابرات، ان الفلسطينيين يريدون بذل أقصى الجهود لتنفيذ عمليات كبيرة تكون ضحاياها كثيرة، حتى يثبتوا ان عملية «السور الواقي» العسكرية التي قادها رئيس الوزراء ارييل شارون (منذ 28 مارس (اذار) الماضي) لم تحقق اهدافها في «تحطيم البنية التحتية للارهاب»، وان المقاومة ما زالت قوية وقادرة. ولهذا انتشرت اعداد ضخمة من رجال الشرطة والجيش والمخابرات وحرس الحدود على مداخل المدن وداخلها وعلى طول الحدود ما بين الضفة الغربية واسرائيل، وفرضت اشبه ما يكون باحتلال عسكري مطبق «لا تنفذ منه ذبابة».

وكما يبدو فان حسابات السرايا الاسرائيلية ظلت بعيدة جدا عن حسابات القرايا الفلسطينية. اذ تمكن احد الشبان (من «كتائب عز الدين القسام» التابعة لحركة «حماس») من التسلل الى مدينة ريشون لتسيون (وتعني «الاولى في صهيون»، باعتبارها اول مدينة يهودية في فلسطين)، الواقعة جنوب شرق تل ابيب. ووصل الى ناد غير شرعي للمراهنات، يقع في الطابق الثالث من بناية في المنطقة الصناعية للمدينة.

ولم يثر الشاب الفلسطيني الشبهات في هذا النادي، رغم ان رواده واصحابه يخافون عادة من وصول رجال شرطة بالزي المدني للايقاع بهم وتقديمهم للقضاء، اذ كان يحمل حقيبة دبلوماسية، فاعتقدوا انه خبير كمبيوتر جاء ليصلح عطبا ما في احدى ماكينات اللعب والمراهنات، واذا به يرتدي حزام متفجرات ويحمل حقيبة مفخخة ايضا، ففجرهما معا، وسط جمهور الرواد الذي ربا على 80 شخصا، فقتل في الحال 15 شخصا وجرح 62. وتوفي احد الجرحى امس، بعد ان فشل الاطباء في جهود اسعافه.

ومع ان الاسرائيليين كانوا يتوقعون وقوع انفجار كهذا في كل لحظة، باعتبار انهم هم ايضا مقتنعون بأن العمليات الحربية الاخيرة لن تؤدي الى وقف المقاومة الفلسطينية للاحتلال، الا ان هذه العملية احدثت هزة في كل المناطق، فعادوا الى تجنب الخروج الى الفسحة والمطاعم حتى في بلدات اخرى.

وصباح امس، تمكن فلسطيني آخر من اختراق اشد الحواجز العسكرية الاسراسيلية تحصينا، الواقع على طريق جنين ـ حيفا لدى تقاطع مجدو. ووقف على محطة باصات تقع على بعد 30 مترا من السجن العسكري الرهيب المعروف باسم المنطقة (سجن مجدو)، وهو الذي يضم حوالي الفين من السجناء والمعتقلين الاداريين الفلسطينيين، معظمهم يعيشون داخل خيام. وقد عبر هذا السجن معظم القادة الفلسطينيين وتعرضوا داخله للتعذيب المرير. لذلك شهد ايضا عدة حالات تمرد، بمعدل مرة كل سنتين.

وقد اختلفت الروايات حول انفجار هذا الشاب. اذ قيل بداية انه مجرد حادث عمل. فهو لم يكن ينوي تفجير نفسه في هذا المكان، انما التقدم الى مدينة العفولة (12 كيلومترا) او حتى نتسيرت عيليت (مدينة يهودية ـ عربية تقع على اراضي الناصرة العربية وتبعد 12 كيلومترا من المكان)، وانه كان ينتظر احدا يقله الى الداخل. وهناك رواية اخرى تقول ان الشاب قصد تفجير نفسه قرب هذا السجن بالذات.

واتضح ان الغالبية الساحقة من العبوات التي حملها هذا الشاب لم تنفجر، لذلك لم يصب بأذى حتى المواطنون الاسرائيليون الثلاثة الذين وقفوا على هذه المحطة. وتوقع خبراء المتفجرات ان تكون «الجثة» ملغومة فلم يقتربوا منها حتى وصل الرجل الآلي الخاص بتفكيك المتفجرات، وبوصوله فزَّ الشاب محاولا المقاومة والرفض، فاكتشفوا عندها انه ما زال حيا فنقلوه الى مستشفى العفولة للعلاج، وهو يصيح: «جنين .. جنين».

يذكر ان الفلسطينيين نفذوا، منذ بداية العمليات الحربية الاخيرة، (28 مارس، وحتى يوم امس، تسع عمليات فدائية اسفرت عن مقتل 61 اسرائيليا واصابة 268، بينما قتل في العمليات الاسرائيلية الحربية ما لا يقل عن 200 فلسطيني.

والمعروف ان قوات الاحتلال تواصل عملياتها الحربية في المناطق الفلسطينية، بغض النظر عن عمليتي مجدو أو ريشون لتسيون يوم امس وحده تم قصف طولكرم بالمروحيات المقاتلة واعلن عن اقتحام المدينة بأسلوب بشع وتخريب الممتلكات واعتقال عشرين فلسطينيا.

كما تم اقتحام حي في الخليل وقرى بني نعيم ودورا والعوجة (منطقة اريحا) والرام وحزمة (منطقة القدس)، واعتقال حوالي عشرين آخرين منها، بدعوى مكافحة الارهاب. وزعمت قوات الاحتلال ان اثنين من المعتقلين، من الخليل، كانا يستعدان للقيام بعملية فدائية في اسرائيل خلال ايام، وانها خلال العمليات اكتشفت عبوة ناسفة مخبأة في حرش قرب قرية زيتا على الحدود بين اسرائيل والضفة الغربية في المثلث الاوسط.