مرافقون لشارون في واشنطن: عملية ريشون ليتسيون أنقذت رئيس الوزراء الإسرائيلي من مأزق حقيقي خلال اجتماعه مع بوش

TT

منذ وقوع العملية الانتحارية التي قتل فيها 16 مدنيا اسرائيليا من ريشون ليتسيون قرب تل ابيب اضافة الى الانتحاري الفلسطيني نفسه، واعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي، ارييل شارون، قطع زيارته للولايات المتحدة والعودة الى تل ابيب لاقرار رد عسكري قوي عليها، تحاول السلطة الوطنية الفلسطينية تجنيد دول العالم، خصوصا الادارة الاميركية والاتحاد الاوروبي وبعض الدول العربية، من اجل منع اسرائيل من اجتياح قطاع غزة او ترحيل الرئيس ياسر عرفات من فلسطين.

وكانت السلطة الفلسطينية قد اصدرت بياناً استنكرت فيه العملية بلهجة متشددة لم يسبق لها مثيل منذ سنة 1995، فأدانت العملية واعتبرتها ارهابية واتهمت من يقف وراءها بضرب مصالح الشعب الفلسطيني، واعلنت انها ستقوم بمحاسبة اولئك الاشخاص او التنظيمات التي ارسلت الشاب المنتحر. وقال الوزير الفلسطيني المسؤول عن ملف القدس، زياد ابو زياد، ان هذه العملية جاءت لتخدم مصلحة رئيس الوزراء الاسرائيلي، ارييل شارون، شخصيا ولتخدم اهداف اليمين الصهيوني في عرقلة الجهود الدولية لانجاز الاستقلال الفلسطيني في دولته، ووقف معاناة الشعب الفلسطيني. ونقل على لسان الرئيس ياسر عرفات انه امر بمنع اية عملية فلسطينية ضد اهداف مدنية اسرائيلية.

بيد ان عددا من القادة الفلسطينيين ابدوا تفهما لهذه العملية. وقال عضو المجلس التشريعي عن منطقة القدس، حاتم عبد القادر انه لم يفاجأ، «فالجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الاسرائيلي ضد شعبنا تركت اثرا رهيبا في نفوس الناس. ولهذا فانا احمّل حكومة اسرائيل كامل المسؤولية عن هذه العملية». وامتدح قادة حركة المقاومة الاسلامية «حماس» العملية، ووصفها محمود الزهار بانها «جاءت لتؤكد ان حرب شارون الدموية ضد شعبنا لم تفلح في اسكات صوت المقاومة، رغم كل الجرائم التي رافقتها».

وكانت العملية قد وقعت قبيل منتصف الليلة قبل الماضية عندما ما كان شارون مجتمعاً في البيت الابيض مع الرئيس الاميركي جورج بوش. وقال احد المراسلين السياسيين الاسرائيليين المرافقين لشارون ان اللقاء جرى في جو ودي لكن وسط خلاف واضح. وبدا ان بوش يضغط على شارون في موضوع عرفات ويقول له: «اوافقك بانه لا يصلح لقيادة الشعب الفلسطيني وبأنه متعب جدا، لكن شعبه انتخبه ويتمسك به ولا مفر من التعامل معه». وراح يحاول دفعه الى التخلي عن فكرته بشأن التوصل الى حل مرحلي وتبني فكرة الذهاب مباشرة الى الحل الدائم والقبول باقامة دولة فلسطينية.

وأضاف هذا المراسل: «عملية ريشون لتسيون خلصت شارون من مأزق حقيقي. فالرئيس بوش ابدى حزماً واضحا في الموضوعين المذكورين، رغم تعاطفه الكامل مع اسرائيل وتأييده لعملياتها العسكرية المستمرة حتى اليوم».

وبالفعل، فان شارون لم يتردد في قطع زيارته والعودة الى البلاد مباشرة، متهربا من مستلزمات العملية السلمية، حيث كان قد حمل معه مشروعا سياسيا شاملا حاول اقناع الادارة الاميركية بتأييده. وينطوي هذا المشروع على ضم غالبية اراضي الضفة الغربية و40 في المائة من اراضي قطاع غزة وكل القدس الشرقية ومحيطها الى اسرائيل. ولا يتحدث عن دولة فلسطينية مستقلة، بل «كيان يتطور حسب تطور المسيرة السلمية في المنطقة». كما طرح ملفا سميكا ضم ما اسماه شارون «براهين قاطعة على ان عرفات شخصيا وقف وراء عمليات الارهاب، بواسطة التمويل والتشجيع».

وخصص شارون نصف وقت زيارته للقاء قادة اللوبي اليهودي للتنسيق المشترك في سبيل صد الهجمة الاعلامية العربية حول ما جرى في المناطق الفلسطينية وصد المبادرة السعودية للسلام في الشرق الاوسط، والتي اصبحت مبادرة عربية شاملة واستهدف احباط هذه المبادرة واجهاضها بواسطة الهجوم المباشر على المملكة العربية السعودية بادعاء انها «تقوم بتمويل عائلات الارهابيين الفلسطينيين» وانها «وضعت حتى الان 120 مليون دولار مباشرة لهذه العائلات» (الامر الذي نفته المملكة وقالت انها تقدم الدعم للعائلات الفلسطينية المحتاجة، بغض النظر عن اسباب عوزها).

وتنازل شارون عن برنامجه لقاء نائب الرئيس الاميركي، ديك تشيني، وقادة الكونغرس والمنظمات اليهودية. وفعل ذلك باعلان درامي في مؤتمر صحافي بانه قرر قطع الزيارة. وحرصا على ان يعلن، وهو في واشنطن، انه سيقترح على الحكومة طرد ياسر عرفات من فلسطين. ودعا الى اجتماع للطاقم الامني في الحكومة (المؤلف من وزيري الخارجية، شمعون بيريس (والمالية، سلفان شالوم، ورؤساء الاحزاب المؤلفة للحكومة) يعقد في القاعدة العسكرية لسلاح الجو الاسرائيلي في مطار اللد الدولي من اجل بحث سبل الرد على العملية الفلسطينية.

وكان وزير الدفاع، بنيامين بن اليعزر، وهو رئيس حزب العمل، قد عقد اجتماعا صباح امس لقادة جميع الاجهزة العسكرية والامنية تم خلاله اعداد مجموعة اقتراحات ستطرح على جلسة الطاقم الامني عندما يعود شارون (فجر اليوم الخميس) للرد بها على العمليات الفلسطينية. وعلم ان قادة الجيش طلبوا اعطاءهم فرصة توجيه ضربة قوية في قطاع غزة، التي يعتقد ان منفذ عملية ريشون جاء منها.

واعلن رئيس اركان الجيش الاسرائيلي، الجنرال شاؤول موفاز، ان العمليات العسكرية القادمة ضد الفلسطينيين ستكون اقوى واشد مرارة من العمليات الاخيرة: «فنحن نعرف كيف نخرس الارهاب الفلسطيني مرة والى الابد. ونأمل ان تفتح لنا الحكومة الطريق لذلك».

بالمقابل، طلب العديد من قادة حزب العمل وسكرتير حركة «ميرتس»، يوسي سريد، ورئيس حزب اليهود الروس المعتدل «الخيار الدمقراطي»، رومان برونفمن، ان لا تقوم اسرائيل بالانتقام لهذه العملية، بل استبدال ذلك بازالة 40 ـ 80 مستعمرة يهودية قائمة حاليا وسط تجمعات سكانية فلسطينية كبيرة والانسحاب من طرف واحد ونصب سياج حديدي عال بين اسرائيل وفلسطين.