مسؤولون أميركيون يؤكدون أن العملية الانتحارية لن تؤثر على جهودهم أو خطط إرسال تينيت للمنطقة

TT

العملية الانتحارية خارج تل ابيب التي نفذت لكي تتصادف مع لقاء رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون في البيت الابيض مع الرئيس الاميركي جورج بوش ادت الى تعطيل اخر للجهود السلمية للادارة التي تتعرض لانتقادات بانها سياسة تتسم بالارتجال بدلا من وجود سياسة شاملة.

وذكر المسؤولون في الادارة الاميركية ان العملية الانتحارية لن تؤثر على جهودهم لمحاولة تخفيف النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، واصروا على ان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية جورج تينيت سيعود الي المنطقة للمساهمة في اعادة تشكيل قوات الامن الفلسطينية بحيث تصبح اكثر قدرة على القضاء على العنف ضد اسرائيل.

وتهدد العملية الانتحارية، في غياب اجماع للادارة الاميركية بخصوص سياسة شرق اوسطية اساسية، باجهاض المحاولة الاميركية لاستعادة الهدوء وعودة المحادثات السياسية، وهو الامر الذي ترك الادارة تجاهد لمتابعة الاحداث.

وحتى قبل الهجوم على قاعة بلياردو في صاحية في تل ابيب، فإن جهود الادارة تعرضت لصدمة من الضغوط المتصارعة من اسرائيل والحكومات العربية والحلفاء الاوروبيين. كما شاهدت خلافات فلسفية اساسية، ولا سيما بين وزارة الخارجية الاميركية والبنتاغون، حول ما اذا كان يجب السعي بقوة نحو تسوية سلمية او منح شارون المزيد من الحرية للقضاء على الفلسطينيين المتطرفين.

وكانت النتيجة هي ان الادارة لم تعد قادرة على الاتفاق على سياسة شرق اوسطية محددة تدار من خلالها الدبلوماسية اليومية.

وقال ايفو دالدر من معهد بروكينغز «عندما لا تعرف كيف تنتقل من النقطة أ الى ب، وهو من المؤكد انه موقف هذه الادارة، فانت تتعرض لكثير من المشاكل». واضاف دالدر «أنت تشاهد رئيسا وادارة غير قادرة في هذا الموقف على اتخاذ قرار بالسير في هذا الطريق او ذاك. ولذا فلديك سياسة مشتتة».

وتجدر الاشارة الى ان قرارا رئاسيا بتبني سياسة شرق اوسطية محددة يمكن ان يسمح لواشنطن بالتصدي لاحداث مثل هجوم الليلة الماضية، الذي ادى الى قتل 15 شخصاً. ولكن الخبراء الاميركيين، ذكروا ان على الادارة ان تعيد مرة اخرى تعديل سياستها، ربما بتخفيف مطالبها من شارون بقبول خطوات متسارعة بخصوص تسوية سياسية تشجع بطريقةغير مباشرة على مزيد من العمليات العسكرية الاسرائيلية في الضفة الغربية».

وقالت جوديث كيبر مديرة منبر الشرق الاوسط في مجلس العلاقات الخارجية «لا توجد اي سياسة. هي عملية تكتيكية. الرئيس محاصر في ورطة الزعامة الكلاسيكية بمحاولة العثور على توازن بين الاعتبارات الداخلية واختيارات خارجية صعبة».

واضافت «ان الانقسامات داخل الحكومة الاميركية تؤدي الى عواقب وخيمة».

ولم تعد الحكومة الاميركية قادرة على عدم التدخل في الشرق الاوسط بعد غزو شارون لمدن الضفة الغربية قبل 6 اسابيع، ولكن المسؤولين الاميركيين اصبحوا يتعاملون مع تداعيات الاحداث اليومية، ونوعية الضيف الاجنبي الذي يزور البلاد.

ففي يوم من الايام يطالب بوش المحبط شارون بوقف تحديه للولايات المتحدة وانهاء العمليات العسكرية في الضفة الغربية. وفي يوم اخر وبعد ضغوط حادة من اللوبي اليهودي، والجماعات المسيحية الانجيلية والمحافظين الجدد، وصف المتحدث باسم بوش شارون بأنه «رجل سلام»، وهو التعريف الذي تبناه الرئيس.

وتلوم الادارة الاميركية ياسر عرفات، والسلطة الفلسطينية التي يقودها وتتهمها بالفساد وبالتواطؤ مع الارهاب. ولكن بعدما استمعت للقادة السعوديين والمصريين والاردنيين وغيرهم من قادة الحكومات الحليفة، ابلغ المسؤولون الاميركيون اسرائيل بأنها لا يمكنها ابعاده عن اية محادثات.

وفي الاسبوع الماضي اعلن وزير الخارجية الاميركي كولن باول ان الاستعدادات تجري لعقد «مؤتمر» دولي في الصيف المقبل للترويج للسلام. ولكن عددا اخر من كبار المسؤولين في الادارة تراجعوا عن مثل هذا الجهد. وخلال يوم، قلل المسؤولون في الادارة من اقتراح باول، ووصفوا «المؤتمر» بأنه اجتماع وواحد ضمن سلسلة من الجهود الدبلوماسية الجارية.

وذكر ادوارد ووكر مساعد وزير الخارجية الاميركي السابق لشؤون الشرق الادنى «توجد قوى مختلفة داخل البيت الابيض والرئيس يستمع الى اناس مختلفين في اوقات مختلفة. والسياسة ذات طبيعة مسطحة، بلا عمق على الاطلاق».

وعندما اقتحمت الدبابات والقوات الاسرائيلية الضفة الغربية، لم تغير الطبيعة الجغرافية للمدن الفلسطينية ومخيمات اللاجئين فقط، بعدما هدموا المباني ودمروا الطرق، بل غيروا طبيعة المنظور الدبلوماسي.

لقد سعى شارون لتحويل صدمة حملته الى مكاسب سياسية. وهو يأمل في ان استعراض قوة اسرائيل ربما يؤكد عقم عرفات ويساعد في اقناع الولايات المتحدة بضرورة تغيير القيادة الفلسطينية بأخرى اكثر اذعانا لمصالح اسرائيل.

وتحاول اسرائيل وحلفاؤها في الولايات المتحدة جعل عرفات نقطة التركيز في دبلوماسية الشرق الاوسط. ويعني اصرار شارون على تحقيق اصلاحات سياسية فلسطينية قبل الدخول في مفاوضات جديدة، التخلي عن الاتفاقيات السياسية في المستقبل المنظور.

غير ان الحلفاء العرب والاوروبيين، يريدون جعل التسوية السياسية هي نقطة التركيز. وهو ما يتطلب الضغط على شارون للتخلي عن رفضه التفاوض حول المطالب السياسية الفلسطينية، واولها واهمها انهاء الاحتلال الاسرائيلي المستمر منذ 35 سنة.

ويسعى حلفاء الولايات المتحدة في اوروبا والعالم العربي الى تحويل التدخل الاميركي الدبلوماسي المفاجئ الناجم عن التصاعد المفاجئ للعنف، الى التزام مستمر من قبل ادارة بوش للمساهمة في حل نزاع الشرق الاوسط.

واوضح ووكر ان الاولوية بالنسبة للادارة الان هي تأكيد ان الولايات المتحدة ناشطة وان الرئيس يتدخل بصفة شخصية. واشار المسؤولون في البيت الابيض الى العدد الكبير من المقابلات الرئاسية والمحادثات الهاتفية الخاصة بالشرق الاوسط. وبالرغم من اقتناع كبار صانعي القرار السياسي بضرورة الحاجة الى دور اميركي، فإنهم لم يتفقوا بعد على ماهية هذا الدور. فقد ذكر المتحدث باسم البيت الابيض اري فلايشر ان الادارة قد تبنت منطلقات متنوعة، من بينها مناقشات مع قادة عالميين، وارسلت باول في مهمة سلمية الى المنطقة واستعانت بالدول العربية للضغط على عرفات لضرب المتطرفين.

واوضح فلايشر «لا يوجد منطلق سحري للسلام في الشرق الاوسط. اذا كان هناك مثل هذا المنطلق، لكان تم استخدامه بنجاح منذ وقت طويل».

وقد عبر مارتن انديك السفير الاميركي السابق لدى اسرائيل، عن درجة من التعاطف مع الصعوبات التي تواجهها الادارة في شق طريقها وسط نزاع الشرق الاوسط. «من غير العدل القول ببساطة ليس لديهم سياسة. هذا صعب. هذا في غاية الصعوبة».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»