حركة رفض الخدمة في الأراضي الفلسطينية تتطور داخل الجيش الإسرائيلي.. ومصيرها غير واضح

TT

لفترة قصيرة كانت يافا ياركوني، أكثر المغنين المحبوبين، فمنذ قيام دولة إسرائيل عام 1948، وفي كل الحروب والأزمات التي أعقبت ذلك التاريخ، كانت تعمل على رفع المعنويات داخل إسرائيل، وكانت في ا لشهر الماضي على وشك الحصول على جائزة ذات قيمة عالية، في تل أبيب.

لكن ياركوني تجاوزت الخط الأحمر، حينما انتقدت سلوك الجيش الإسرائيلي أثناء هجومه الأخير على الضفة الغربية، بل أعربت عن دعمها لمجموعة من الجنود الاحتياط الذين رفضوا الالتحاق بوحداتهم لتفادي المشاركة في الهجوم على الأراضي الفلسطينية. وضمن موقفها الجديد قالت ياركوني: «نحن الشعب الذي عانى من الهولوكوست، كيف يمكننا القيام بأفعال كهذه؟».

الانتقام جاء سريعا من هذه المغنية الشهيرة، حينما ألغت «جمعية فناني إسرائيل» حفلة تكريمها بحجة أن الكراسي ستكون فارغة في كل الأحوال. ودعت حركات الشباب البارزة التي كانت تردد أغاني ياركوني الى مقاطعة أعمالها. ولم يقف الى جانبها سوى مغنية واحدة هي جيدي غوف.

ولم تمض سوى أيام قليلة على مواقف مقاطعة المغنية ياركوني، حتى راحت ليمور ليفانت، وزيرة التعليم الإسرائيلية تحث الادعاء العام على محاكمة أساتذة جامعيين في الجامعة العبرية بعد أن عبّروا عن مساندتهم لأولئك الرافضين للالتحاق بالجيش الإسرائيلي لأسباب تتعلق بالضمير.

وكان جنود الاحتياط قد بدأوا رفضهم لتنفيذ الأوامر بعدد صغير بلغ 50 فردا قبل ثلاثة أشهر، إذ قاموا آنذاك بنشر وثيقة قالوا فيها انهم على استعداد للدفاع عن إسرائيل لكنهم غير مستعدين للمشاركة في أعمال «الهيمنة والتجويع والطرد والإذلال لشعب بأكمله». واعتبروا محاربة الفلسطينيين التي تسميها الحكومة الإسرائيلية «قتالا من أجل البقاء» بأنه «قتال من أجل المستوطنات».

وارتفع عدد المعارضين في الفترة الأخيرة الى .443 ولا بدّ أن نجاح أو فشل تأثير جنود الاحتياط الرافضين للقتال في الأراضي الفلسطينية، سيظهر مستقبلا، من خلال قرار إسرائيل البقاء في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو الانسحاب منها.

وكانت هناك حالات رفض مماثلة للعمل في لبنان مطلع عام 1980 ساعدت على تسريع قرار الحكومة سحب القوات من اجزاء كبيرة عام .1985 وجرى تحاشي المعارضين الذين يطلق على مجموعتهم اسم «شجاعة الرفض»، خلال الاسابيع الاخيرة من جانب وسائل الاعلام الاسرائيلية التي تعمل في توافق مع الاجماع الوطني في البلاد. كما ان القناة الثانية للتلفزيون حظرت اجراء لقاءات معهم. ويقضي حاليا 41 عسكريا رافضا للخدمة احكاما بالسجن.

وغالبا ما ينشأ ويتطور هذا النشاط الايديولوجي والاخلاقي الذي يشكله هؤلاء، بقوة، في ساحات الجامعات. يقول ايلي حزان، المتحدث باسم حزب «لافي» اليميني بالجامعة العبرية ان رفض الخدمة من اول مؤشرات تفكك المجتمع. واضاف «اذا قام أي شخص بما يرغب هو بفعله فلن تكون آنذاك قوانين»، واعتبر ان الجنود الاسرائيليين يخوضون «حربا عادلة للدفاع عن منازلنا». واضاف حزان ان تقديم العريضة بواسطة اساتذة الجامعة المؤيدين لجنود الاحتياط ترك اثره واثار نقاشا حول هذه القضية. واضاف انه يعتزم تنظيم تقديم عريضة اخرى باسم الاكاديميين المحسوبين على الجناح اليميني ردا على العريضة الاولى. من جانب آخر، لا يرى جنود الاحتياط أي ضرورة سوى سحب القوات الاسرائيلية من الضفة الغربية وقطاع غزة وتفكيك المستوطنات هناك، كما يؤكدون ان تأييد الشارع للحملة العسكرية الاسرائيلية التي يطلق عليها «السور الواقي» لا تثير انزعاجهم.

يقول حاييم وييس، وهو نقيب في سلاح المدرعات، ان ثمن الهدوء الحالي هو القهر الكامل للفلسطينيين. وفي موقع على شبكة الانترنت كتب بعض رافضي الخدمة «النظام بكامله في الضفة الغربية شرير، لذا ليس من الممكن تجنب تنفيذ التعليمات غير القانونية وغير الاخلاقية»، كما كتب رقيب رافض للخدمة في المناطق الفلسطينية ان «الجيش اوجد واقعا مثيرا للهلوسة يمكن بعض البشر من الحركة والاستقرار بحرية وبسلام، فيما يحاصر من لا يعتبرهم بشرا في زاوية ضيقة حيث لا تمكن رؤيتهم وتسهل السيطرة عليهم بواسطة قوات الدفاع الاسرائيلية». كما كتب الكابتن دان تامير قائلا انه توصل الى قناعة بأن «العمل كضابط استخبارات في مشروع اعادة تنظيم الاحياء المدنية في الضفة الغربية يعتبر تمهيدا لانشاء غيتوات»، وهذا ما دفعه لتوقيع العريضة. بالمقابل، قال غيدون عيزرا، نائب وزير الامن الداخلي، ان الجنود الرافضين للخدمة «يمكن ان يلحقوا ضررا بالدولة من خلال اضرارهم بقوة الردع الاسرائيلية»، واضاف ان هؤلاء ليس لديهم أي تأييد او اثر داخل الجيش.

وجاء اكبر احباط بالنسبة لرافضي الخدمة من عدم وجود تأييد لهم من جانب اليسار المعتدل، كما ان غالبية نواب حزب ميريتس، حزب المعارضة الصهيوني الوحيد، قالوا ان معارضة الاحتلال يجب ان تكون بوسائل سياسية وليس من خلال رفض الخدمة العسكرية.

يقول جاد بارزيلاي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة تل أبيب، إن مصير منظمة «شجاعة الرفض» يعتمد على طبيعة العمل العسكري: «إذا أصبحت الحملة العسكرية أكثر شدة وأطول وأكثر تكلفة، فإنها قد توسع من حالة الانشقاق. كل ذلك يعتمد، في الأخير، على طبيعة النزاع».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»