شاهد على كابل ـ قبل سقوط طالبان وبعده (5) * وزيرة شؤون المرأة الأفغانية أخلت مكتبها من صور مسعود وأحرجت وزراء طالبان بالأدلة الشرعية على حقوق المرأة

تاجور كروكر أرسلت عدة خطابات للملا عمر ذكرته في أحدها بالحديث النبوي الشريف «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»

TT

وجوه النساء غير المبرقعات هو اول شيء يلفت الانتباه في شوارع العاصمة الافغانية، ولم اشعر الاسبوع الماضي بالخوف وانا اطلب من سائق السيارة والمترجم التاجيكي احمد سيري ان يتوقف في شارع مسعود الكبير بالقرب من حي السفارات لالتقط بعض الصور بنفس الكاميرا التي ادت الى اعتقالي قبل ثمانية اشهر من سقوط طالبان، عندما اوقفني شرطي مرور في وسط قندهار، وانا في طريقي الى المطار لانه لمح كاميرا صغيرة بجواري في سيارة الاجرة المتجهة الى مطار قندهار، في طريقي الى خارج البلاد على متن طائرة الصليب الاحمر الدولي كانت متجهة الى بيشاور.

اردت خطف لقطة سريعة لاحدى السيدات المبرقعات، واستدعى الافراج عني تدخل محمد طيب اغا السكرتير الشخصي للملا محمد عمر، وهو شاب في نهاية العشرينات من العمر يتحدث العربية بطلاقة، بعد ان تعلمها في المدارس الشرعية بكويتا الباكستانية. لم يفرج عني الا بعد محاضرة عن ضرورة احترام الصحافيين لحقوق الضيافة في الامارة الاسلامية.

واليوم يبدو التحسن النسبي على الحياة الاجتماعية للنساء الافغانيات، بعد ان ظللن خمس سنوات او اكثر قيد الاقامة الجبرية في المنازل لا يستطعن الخروج الا بصحبة محرم من الدرجة الاولى.

واختفاء طالبان من شوارع كابل والمدن الافغانية لا يعني احلال السلام والاستقرار المنشودين، فدوريات القوات الدولية «ايساف» او بالافغانية «قوى الصلح» التي يقودها الجنود البريطانيون تجوب الشوارع ليل نهار، وتوقع الكولونيل ريتشارد بيرنز قائد «ايساف» مزيدا من المتاعب، مع اقتراب موعد انعقاد اجتماعات «اللويا جيرغا» (المجلس الوطني) ما بين 10 الى 16 يونيو (حزيران) المقبل.

وتقول الصحافية الافغانية شكيرة وهي من السيدات «البشتونيات» المتنورات، وتسكن خلف قصر الملك محمد ظاهر شاه، في لقاء مع «الشرق الأوسط» بحديقة فيلتها، ان ارتداء البرقع او عدمه لا يحتل الاولوية بالنسبة للنساء الافغانيات، ان غالبيتهن يبحثن عن فرص التعليم الافضل لاولادهن، وتحسين مستوى المعيشة والدخل، بالاضافة الى وجود حكومة مركزية قوية تكون النواة الاولى لانطلاقة نحو الاستقرار والامان.

* بصمات طالبان

* قد يكون الغزو الروسي لافغانستان بات جزءا من التاريخ بعد مرور عشر سنوات عليه، الا ان اثار وبصمات طالبان مازالت ماثلة في شوارع العاصمة كابل، اما بيوت رجال «القاعدة» التي يترأسها اسامة بن لادن، بحي وزير اكبر خانة وشهرنو بكابل، وهما من افضل احياء العاصمة كابل، فقد اغلقت او احتلها قادة التحالف الشمالي. وبحثت كثيرا عن بلال السوري، المترجم العربي الذي رافقني في الرحلة الاولى، وكنت اعلم انه خبير كومبيوتر بمؤسسة الاغاثة الكندية «سي ار اف»، ولكنني علمت انه رحل الى خارج البلاد مع والديه قبل الغارات الجوية الاميركية على كابل. وقال لي حفيظ المترجم التركماني الذي التقيته في بهو فندق الانتركونتننتال والذي يعمل حاليا لدى احدى المحطات العربية في كابل، ان كثيرا من العائلات العربية بيعت بثمن بخس الى قوات التحالف الشمالي، في اعقاب سقوط طالبان. وكابل اليوم بدون نظام تشريعي او قضائي، وهناك بعض وزراء الحكومة الانتقالية لم يجد له مسكنا حتى الان، فاضطر الى السكن في فندق الانتركونتننتال. وتتوقع الاوساط الافغانية ان تستقر الاوضاع في اعقاب انتخابات المجلس الوطني «اللويا جيرغا»، وسيحضر الاجتماع 1051 شخصا سيتم اختيارهم من خلال نظام انتخابي في الدوائر الادارية للبلاد. ويعتبر هذا الاجتماع الاول في تاريخ افغانستان الذي يحظى بمصداقية وطنية ودولية.

وسيكون للحكومة الانتقالية الحاكمة 53 مقعدا اضافيا خصصت خمسة منها للنساء. وستتمثل الشخصيات الدينية بستة رجال. كما يتمثل المجتمع المدني بـ51 شخصا بينهم 12 امرأة، والمنظمات المهنية والعلمية بـ39 مندوبا بينهم ست نساء، والرحل بـ25 ممثلا، واللاجئون بـ100 مندوب بينهم 25 امرأة. وسيكون للنساء ايضا الحق في حصة خاصة تمثل 160 مقعدا. وفي كابل اليوم وزارة لشؤون المرأة للمرة الاولى في تاريخ البلاد واسمها باللغة البشتونية «وزارات أمور زنان»، ومقرها بالمنطقة الرابعة بحي شهرنو الذي سكنه من قبل قادة «القاعدة»، ووزيرة المرأة الافغانية من عناصر «البشتون» واسمها تاجور كاكر، وهي مجاهدة قديمة وزوجة مجاهد، وكلاهما حارب ضد الروس، وتعرضت تاجور للسجن والاعتقال، ولا تعلق صورة القائد احمد شاه مسعود في مكتبها، وتكتفي بصورة الملك ظاهر شاه، وعندما سألتها عن السبب قالت لي: «لا تسأل هذا السؤال»، والاجابة اكثر من واضحة.

دخلت تاجور كاكر في مناظرات ومساجلات صعبة مع رجال طالبان حول حقوق المرأة، استشهدت فيها بالآيات القرآنية، وتحملوها على مضض لتاريخها الجهادي ضد الروس، وتلقيها عقوبة السجن لاكثر من عام بقندز في شمالي افغانستان. والسيدة كاكر تبلغ من العمر 54 عاما، ولديها تسعة اولاد، و8 احفاد. تزوجت في الرابعة عشرة من العمر، وانجبت اول اطفالها بعد عام. وتقول ان رجال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر «كانوا يهزون رؤوسهم وينظرون الى الارض وانا اقول لهم ان الله عز وجل خص النساء بآيتين كريمتين في محكم التنزيل وهما سورة «مريم» وسورة «النساء»، وكنت اقول لهم ان التعليم جزء من تراثنا وثقافتنا الاسلامية في هذا البلد، واذا اردتم بالفعل ان تبنوا افغانستان، فلا يمكن ان تتجاهلوا حقوق المرأة. وكنت استشهد بسيرة السيدة خديجة والمجاهدة المحتسبة عند الله ام ياسر والسيدة اسيا ومريم العذراء، لكنني كنت اعلم ان الامر برمته في يد الملا عمر بقندهار. وتقول ان مطالبتها بحقوق بنات جنسها لا تعني انها تخلت عن قناعاتها الدينية، وتتذكر يوم ان جاءت احدى الافغانيات بعد تقلدها الوزارة، تشكو لها من اعتداء زوجها مدمن المخدرات عليها يوميا، رغم وجود ستة اطفال بينهما و15 عاما من الزواج، وتقول لقد نصحت هذه السيدة التي كانت تذهب لمؤسسات الاغاثة لتلقي العون، في عدم طلب الطلاق، وقلت لها انها زوجة قوية، والزوجة المسلمة لا بد ان تكون قوية، تقف خلف زوجها، تعينه على شؤون الحياة، ولا تتخلى عنه.

* هربت من الروس مع أطفالها إلى بيشاور

* وتقول الوزيرة الافغانية ان الروس وضعوا صورتها في جميع انحاء كابل، قبل محاولتها الهرب وهي حامل مع اطفالها الستة، وبعد 40 يوما وصلت الى باكستان، وبقت في بيشاور شهورا لكنها لم تنقطع عن بلدها من خلال الدعم الذي كانت ترسله الى المجاهدين. وتقول ان هناك الان نحو مليون ارملة في افغانستان في حاجة الى يد العون. وتضيف انه في عهد حكومة قلب الدين حكمتيار حاول المجاهدون اغتيالها لكثرة انتقاداتها لما كان يجري على الساحة من صراعات بين زعماء الحرب الذين حولوا البلاد الى خراب ودمار مما كان سببا وراء ظهور طلبة العلم «طالبان»، الذين حولوا بدورهم البلاد الى سجن كبير للنساء». وتتطرق وزيرة شؤون المرأة الى لقائها المثير مع مولوي سيد احمد حقاني نائب رئيس وزراء شؤون طالبان، وتقول: لقد ارسلوا لي «البرقع» لارتدائه قبل الدخول عليه، ولكنني اعطيته هدية لهم. وتضيف: لقد استخدمت الادلة الشرعية الاسلامية في نقاشي مع الوزير الطالباني، الذي كان على الطرف الاخر واسع الصدر الى ابعد الحدود، وقلت له ان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وقف على المنبر واعلن بصيحته المدوية «اصابت إمرأة واخطأ عمر، عندما اراد ان يحدد نسبة مهور الزواج، واستشهدت المرأة بالاية القرآنية «واتيتم احداهن قنطارا، فلا تأخذوا منه شيئا». وتقول رغم ان الوزير الطالباني كان متفهما لموقف الاسلام من المرأة وانا اطالبه بمزيد من الحقوق لبنات جنسي، كنت اشعر بحرجه وانا اؤكد له ان الاسلام هو اول الشرائع السماوية الذي منح المرأة حقوق الميراث والذمة المالية وحق اختيار الزوج».

* مستقبل المرأة كان بيد الملا عمر

* وتضيف الوزيرة الافغانية: «لكني كنت اعرف ان الامر ليس بيد الوزير حقاني، ولكن الافراج عن حقوق المراة، كان بيد الملا عمر الحاكم القوي لطالبان القابع في قندهار». وتقول ارسلت للملا عمر عدة خطابات عبر وزرائه المقربين ذكرته فيها بالحديث النبوي الشريف «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»، الذي يحفظه اليوم اطفال افغانستان عن ظهر قلب، لانه يحمي حقوقهم في العلم والتنوير. وتضيف «لقد رسمت للوزير الطالباني صورة لدور المرأة في الاسلام، وتطرقت معه الى جهاد ام عمارة وام سليم في غزوة احد، وقالت «ان هناك كثيرا من رواة الاحاديث النبوية الشريفة من النساء مثل الصحابية عمرة، وهو ابلغ دليل على ان الاسلام لم يمنع تعليم البنات. وكل العلماء اتفقوا على ان اخذ العلم جائز بين الرجال والنساء في مكان واحد بالشروط الشرعية والفقهية. وقلت لهم ان الملا عمر يجب ان يكون رئيس حكومة للرجال والنساء، وليس الرجال فقط». وتقول الوزيرة الافغانية «لقد ضربت لحكام طالبان اكثر من مثل من حياة السيدة خديجة، وهي اول إمرأة تدخل الاسلام، وقلت لهم لا اريد شيئا لنفسي، ولكن مزيدا من الحرية للنساء والبنات». ونفت السيدة كروكر ان يكون طالبان منعوا تعليم البنات بالكامل، وقالت لقد سمحوا بتعليمهن حتى سن التاسعة في المساجد، ثم بعد ذلك كان مصيرهن مجهولا. وتضيف انه في مدرستها الخاصة كان التعليم جاريا على قدم وساق للقرآن الكريم والدين والجغرافيا والتاريخ. وكانت هناك مصاعب تعترض الطريق، لكنها استطاعت ان تتغلب عليها، وربما تاريخها الجهادي سمح لها بان تتصادم معهم بقوة، وان يغفروا لها حدتها معهم.