معسكر السلام الإسرائيلي ينهض ويتبنى المبادرة السعودية ـ العربية بالكامل

TT

أفاق معسكر السلام الاسرائيلي امس، على صباح جديد ومرحلة جديدة يشعر فيها بالقوة وبالتشجيع، اثر المظاهرة الضخمة الناجحة التي نظمها الليلة قبل الماضية في تل ابيب تحت الشعار المنادي بازالة الاحتلال. وشارك في المظاهرة حوالي مائة الف شخص (الشرطة قدرت عددهم بـ60 الفا ومنظمو المظاهرة قدروا العدد بـ150 الفا).

وكانت تلك اكبر مظاهرة في اسرائيل منذ المظاهرة الشهيرة التي اقيمت اثر مذابح صبرا وشاتيلا سنة 1982 (في حينها شارك 400 الف متظاهر) وكانت الانطلاقة التي اجبرت الحكومة على الانسحاب من بيروت ومعظم الاراضي اللبنانية.

ونظمت المظاهرة حركة «سلام الآن» بالاشتراك مع حركة تحالف السلام (التي تضم حوالي 20 تنظيما سلاميا)، وحزب ميرتس اليساري الصهيوني وحركة الكيبوتسات اليسارية وتنظيم العائلات اليهودية الثكلى وحمائم حزب العمل واللجنة القطرية العليا لمتابعة شؤون المواطنين العرب في اسرائيل (فلسطينيي 48) التي كانت مشاركتها رمزية.

وكما كان متوقعا، فان هذه المظاهرة اغاظت قوى اليمين وقلقها. وتلقى اثنان من ابرز الفنانين الخطباء في المظاهرة تهديدا على حياتهما لمنعهما من الوصول الى تل ابيب، هما المغنية يافا يركوني (المعروفة كمطربة الحروب الاسرائيلية، لكنها تتعرض لهجوم كاسح من قوى اليمين منذ ثلاثة اسابيع بسبب تصريحاتها بأن ممارسات الاحتلال ضد الفلسطينيين تذكرها بممارسات النازية ضد اليهود) والممثل الكوميدي وأشهر المذيعين التلفزيونيين، دودو طوباز. لكنهما لم يرضخا للتهديد، وحضرا وسط حراسة امنية مشددة.

وكانت الشرطة قد نشرت قوات كبيرة حول ساحة رابين في تل ابيب وعلى طول الطريق اليها، خوفا من اعتداءات اليمين المتطرف على المتظاهرين. واثار ذلك تساؤلات عدد من الخطباء: «.. هل تدهورنا لدرجة ان التظاهر ضد سياسة الحكومة بات بمثابة عمل خطير قد يدفع ثمنه المواطن المعارض بحياته؟!».

وارتفعت شعارات موحدة للمظاهرة، التزم جميع الخطباء بترديدها، ابرزها: تأييد المبادرة السعودية ـ العربية، ودعوة الحكومة الى تبنيها وفي حالة الامتناع عن ذلك، دعوة الكنيست والجمهور الى تغييرها بحكومة تتبناها وتسعى لعقد اتفاق سلام مع العرب اجمعين على اساسها والدعوة للانسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 «من اجل اسرائيل ومصلحتها» والدعوة الى ازالة جميع المستوطنات في المناطق الفلسطينية المذكورة.

وتكلم مندوبون عن مختلف اطياف قوى السلام في اسرائيل، معبرين عن مدى القلق من سياسة شارون وحكومته. فأعلن يوسي سريد، رئيس حزب ميرتس اليساري المعارض انه من الآن فصاعدا لا يوجد اجماع قومي وراء الحكومة في الحرب لاول مرة في تاريخ اسرائيل، «فنحن ضد هذه الحرب. وسنعمل كل شيء في سبيل عرقلتها». وقال «ها هو معسكر السلام في اسرائيل ينتقل من مرحلة المظاهرات الشعبية المحدودة في البلاد الى مرحلة المظاهرات الضخمة. اننا نطل برؤوسنا المرفوعة الى قمة السماء. ولم تعد هناك قوى تردعنا».

ودعا رئيس الكنيست ابرهام بورغ حزبه (العمل) الى الانسحاب من الحكومة والاعلان عن تبنيه الكامل والجدي والفاعل للمبادرة السعودية ـ العربية وعدم اضاعة الفرصة التاريخية التي فتحتها هذه المبادرة.

وقال الفنان طوباز انه امتنع عن المشاركة في مظاهرات منذ عام 1977 (حينما شارك في مظاهرة لحزب العمل واتهم جمهور الليكود بأنه متخلف، فقامت ضده حملة هجوم ارهابية هددت حياته)، لكنه الآن لم يعد قادرا على الجلوس في البيت. وقرر ان يتحرك ضد سياسة الحكومة «ليس من اجل الفلسطينيين، فأنا لا احبهم ولا اطيقهم، انما اتحرك من اجل اسرائيل ومصالحها».

وهاجم الكاتب عاموس عوز، اشهر الادباء في اسرائيل حاليا، كلا القيادتين الفلسطينية والاسرائيلية. وقال: الشعبان، الفلسطيني والاسرائيلي، يعرفان ان السلام هو بمثابة عملية جراحية مؤلمة. ومع ذلك فانهما مستعدان لها ويريدانها. الا ان الاطباء (القيادة السياسية) جبناء. ولا يجرأون على تنفيذها». وقال عوز ايضا انه «يتهم قادة الارهاب الفلسطيني بالمسؤولية الاساسية عن التدهور. فهم الذين تسببوا في رفض مقترحات باراك في كامب ديفيد. وقضوا بذلك على معسكر السلام الاسرائيلي. ولولا عملياتهم الحربية لكنا نعيش اليوم مرحلة تاريخية مختلفة تماما».

واضاف: «لكن، رغم ذلك، ما زالت هناك امكانية لتصحيح الخطأ. فلنعمل معا من اجل ذلك».

وتكلم الدكتور يوسي بيلين، وزير القضاء السابق، فقال: لقد ارتكبت اخطاء كثيرة من الطرفين، ولكن الذين يخططون لحل المشاكل بالحرب انما يضاعفون هذه الاخطاء ويجعلونها انتحارا. وعلى من لا يريد الانتحار ان ينضم الى قوى السلام، فهي قوى المستقبل، وهي قوى الحاضر ايضا، اذ ان العالم مُصِر على تحقيق السلام.

وكان عدد من المتظاهرين قد رفع شعارات تتهم حكومة اسرائيل بممارسة الارهاب ضد الفلسطينيين. الا ان قادة المظاهرة طلبوا منهم طي هذه الشعارات حتى لا يمس الجيش الاسرائيلي «فهذا الجيش ينفذ الاوامر فقط، وهو ليس المسؤول عن الجريمة مباشرة»، على حد تعبير تسالي ريشف، منظم المظاهرة.