علي صالح عباد: الأفغان اليمنيون موجودون في السلطة

أمين عام «الاشتراكي» اليمني: الحزب الحاكم لا يريد عودة النازحين بل يتمنى أن يغادر من في الداخل إلى الخارج

TT

قبل اكثر من عشرة اعوام نجا علي صالح عباد (مقبل) الامين العام للحزب الاشتراكي اليمني حاليا من محاولة اغتيال تعرض لها في محافظة ابين على ايدي اعضاء تنظيم الجهاد الذي كان يقيم مع انصاره معسكرا في جبال المراقشة لتدريب عناصر التنظيم الذين عادوا الى اليمن بعد انتهاء حرب افغانستان.

وعلي صالح عباد الذي يصفه خصومه السياسيون بأنه متشدد لانه لا يساوم بمواقفه، تجده بسيطا في كل شيء في ملبسه ومسكنه وعلاقاته مع الاخرين، وعندما تتحدث اليه تكتشف تصلبه في ارائه، ومنذ ان اصيب بوعكة العام الماضي وهو يرفض اجراء اللقاءات الصحافية، ولكنه تراجع عن ذلك امام طلب «الشرق الأوسط» بل رحب باجراء اللقاء في منزله في عدن الذي بدا بسيطا مثل صاحبه، فلا حرس ولا مرافقون، طلب مني ان اجلس الى جانبه في مجلسه الارضي الذي يتعاطى فيه القات كعادة اليمنيين.

* ماهي اسباب تغيبكم عن دورة اللجنة المركزية لحزبكم التي عقدت في صنعاء اخير؟

ـ تغيبي عن هذه الدورة كان لاسباب صحية تعود للوعكة التي المت بي قبل اكثر من عام واتشافى منها حاليا. وتغيبي لم يقتصر على اعمال هذه الدورة فحسب بل شمل اجتماعات المكتب السياسي وهيئات الحزب الاخرى وما ازال اواصل علاجي والمهم ان علاقتي بزملائي في الحزب طيبة وطبيعية.

* معنى ذلك انه لم تكن هناك اسباب سياسية حالت دون المشاركة في ذلك الاجتماع؟

ـ طبعا لا توجد اسباب اخرى وان كنت على يقين ان هناك من يريد ان يشعل الخلافات بيننا، واذا حدث أي خلاف بيننا لقلنا ذلك علنا، وليس لدينا ما نخفيه عن الاخرين، واذا اخفينا ذلك سيفضحه غيرنا، واؤكد انه لا يوجد ما نخفيه عن الاخرين، انا مرتاح جدا للعلاقة القائمة بيني وبين رفاقي.

* كيف تنظرون كأمين عام للحزب الاشتراكي الى عودة رفاقكم النازحين في الخارج وفي مقدمتهم سالم صالح محمد؟ ـ كانت هناك اتصالات دامت فترة طويلة بين سالم صالح والسلطة من اجل عودته، وكانت هناك اسباب اعاقت عودته حينها، ولكنه عندما وجد الفرصة امامه للعودة عاد، ولم تكن هناك اسباب جوهرية تحول دون عودته، وعندما تهيأت الظروف عاد مع الرئيس علي عبد الله صالح وعلى متن طائرته الرئاسية، وكنا في الحزب قد طالبنا منذ وقت مبكر بعودة الجميع، وطالبنا رفاقنا بالعودة حتى الى السجون، لانه لم تكن هناك اسباب تحول دون عودتهم سوى تمنع وتعصب وحجب السلطة لهم من العودة.

* بعض قيادات حزبكم ترفض العودة خاصة اولئك الذين شملتهم قائمة الـ 16 ويطالبون باصدار قانون يلغي محاكمتهم ويضمن عودتهم؟

ـ الاحكام ضد قائمة الـ 16 اصدرتها السلطة بينما كانت حرب عام 1994 مستمرة، وفي ذلك الوقت ايضا كان الاخوان في حزبنا لديهم قائمة تشمل 17 «مطلوبا»، لنفس الاسباب والدوافع وموازية لمبررات قائمة الـ 16، وظلت هذه القائمة كشماعة دون ان يكون لها دوافع وحيثيات، وبعد ان وضعت الحرب اوزارها ظلت السلطة تتمسك بهذه القائمة، بل انها كانت تطالب بحل الحزب ايضا، وتمت وقتها لقاءات بيننا وبين السلطة بعد ان انتهى التحالف الثلاثي بيننا وبين المؤتمر والاصلاح، واؤكد ان تلك القائمة ما هي الا شماعة ولا اساس لها، وحتى المحاكمات كانت غيابية، والمتهمون منعوا من الدفاع عن انفسهم بطرق قانونية وباساليب شرعية، لان الحكم قد كان معدا سلفا، ونحن كحزب لم نعترف بها اساسا، لذا طالبنا الحكومة بالغائها قانونيا او دستوريا، وكانت السلطة ممثلة بقيادات المؤتمر الشعبي العام، حينها تطلق تصريحات بان الحكم يفترض ان يشمل الاشتراكيين في الداخل وليس في الخارج فقط، وكانت تصريحات بعض قيادات الاصلاح تقول ان الموجودين في الداخل من «الاشتراكي» هم اخطر من الموجودين في الخارج.

* انتم تتمسكون بضرورة الغاء القائمة بقانون؟

ـ نعم، طلبنا ذلك في المؤتمر الرابع لحزبنا وتبنيناه من جديد في دورتنا الاخيرة وطالبنا بعودة الجميع بمن فيهم الامين العام السابق لحزبنا علي سالم البيض الذي ما يزال عضوا في اللجنة المركزية. جميع اعضاء المكتب السياسي الموجودين في الخارج اصبحوا اعضاء في اللجنة المركزية. ولكن لدينا قراراً سنصدره قريبا يقضي بضم كل من يعود من قيادات الحزب في الخارج الى عضوية المكتب السياسي.

* هل هناك اتصالات تجرونها حاليا مع اعضاء حزبكم في الخارج من اجل عودتهم؟

ـ نحن قلنا رأينا وعليهم ان يحددوا موعد عودتهم، حتى وان ادخلتهم السلطة السجون اذا ما عادوا فإننا نقول لاعضائنا عودوا.

* هناك شائعات تقول ان سالم صالح يجري حاليا اتصالات مع الموجودين من قيادات حزبكم في الخارج لترتيب عودتهم، هل يتم ذلك بتكليف من الحزب؟

ـ نحن لم نطلب من احد القيام بذلك، ولكن قبل اجراء الانتخابات المحلية التي جرت قبل اكثر من عام كنت في زيارة الى لندن والتقيت هناك بالاخوة سالم صالح محمد والدكتور ياسين سعيد نعمان وحيدر ابو بكر العطاس، وقبل اسبوعين التقى جار الله عمر باعضاء الحزب المقيمين قي الامارات، كما ان اتصالاتنا لم تنقطع معهم سواء باللقاءات المباشرة او عبر الهاتف.

* هل تتم هذه الاتصالات بالتنسيق مع السلطة؟

ـ السلطة تريد من الموجودين في الداخل الخروج، وليس لديها رغبة في عودة الموجودين في الخارج الى وطنهم.

* ولكن الرئيس علي عبد الله صالح اكد اكثر من مرة انه مع عودة النازحين واغلاق ملف حرب 94 وتقليص قائمة الـ 16؟

ـ القضية هنا ليست قضية الحزب او قائمة الـ 16، ولكن المسألة هنا هي مدى ما لدى السلطة من قناعة بوضع حد للعنف وابعاد الكراهية بين المواطنيين. اعتقد ان ذلك ليس من اولوياتها وليس من اهدافها حتى الان.

* هناك من يرى ان عودة سالم صالح قد تدفع الى تغييرات داخل حزبكم فالمتوقع ان يتم تصعيده لتولي رئاسة الحزب خاصة انه شخصية مقبولة لدى جميع الاطراف ومن بينها السلطة؟

ـ هذا نغمة ترددها اسطوانات السلطة وليس الحزب، وهذه عبارة عن تكهنات لان قيادة الحزب أتت بقناعة اعضائه وليس بقناعة الاخرين. نحن عندما توصلنا الى الهيئات التي عينها المؤتمر من اللجنة المركزية والمكتب السياسي فان ذلك تم بخيارات الحزب واعضائه فقط، وعودة سالم صالح الى المكتب السياسي كانت تصعيداً لعضويته في اللجنة المركزية لانه عاد الى الوطن وبالتالي عاد الى موقعه في المكتب السياسي.

* ولكن هناك من يقسم حزبكم الى معتدلين ومتشددين ويقول ان الوقت قد حان لعودة هؤلاء المعتدلين الى قيادة الحزب في هذه المرحلة؟

ـ هذا كلام غير جديد، بل هناك من يقول ان في الحزب حمائم وصقوراً، وان الحمائم ذهبت الى الخارج وبقيت الصقور وهذه لغة السلطة ونعرفها، ولكن هناك تصريحاً لسالم صالح عندما عاد واعلن فيه ان عودته كانت عن قناعة واعترافه بالقيادة الحالية للحزب.

* كيف تقيمون علاقة حزبكم بالحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام)؟

ـ اتصالاتنا قائمة في اطار اهداف الحزب وقضاياه.

* يعني ان هناك تنسيقاً بينكم؟

ـ أي نوع من التنسيق تقصد؟ السلطة لا تنسق مع احد، قيادة المؤتمر الشعبي ليست مقتنعة باجراء حوارات مع بعضها البعض فكيف ستجري حوارات مع الاخرين. انا اذا اردت ان اصل الى شيء ما في لقائي مع المؤتمر اذهب الى من لديه القرار وليس الى أي شخص اخر مهما بلغ منصبه.

* هل هناك نية لتأجيل الانتخابات؟

ـ السلطة ليست لديها قناعة باجراء الانتخابات من اصله الا اذا ارغمت على ذلك وهي غير مقتنعة بالانتخابات اصلا.

* هناك مؤشرات على رغبة المؤتمر الشعبي العام بعودة الحزب الاشتراكي بقوة لتفعيل الحياة البرلمانية من خلال التحالف معكم في الانتخابات القادمة؟

ـ مشاركة الحزب من جديد هي امنية لدى السلطة، وليست امنية الحزب لاننا جربنا السطة بمفردنا، وجربناها ثنائيا وثلاثيا. حزبنا اكتوى من السلطة وابعد عنها مجبرا وبالقوة وسلم حاجته الى المعارضة وكل اهدافنا ووثائقنا تقنعنا بالحاجة الى الاستمرار في المعارضة وعدم الحاجة الى المشاركة في السلطة عن طريق السلطة القائمة.

* ما هي اولويات برامجكم في حال جرت الانتخابات في موعدها المحدد في ابريل من العام المقبل؟

ـ لدينا اهداف طرحناها في الانتخابات البرلمانية وحتى الانتخابات الرئاسية. وخلال اعمال المؤتمر العام الرابع طرحنا برنامجا شاملا لسنوات وما زلنا نعيد رسم هذه الاهداف ونطرحها.

* هل تعتقد ان حزبكم ما يزال يحظى بشعبية تؤهله للحصول على اصوات في الانتخابات البرلمانية المقبلة؟

ـ الحزب لا تنقصه الشعبية ولكن تنقصه قوة السلطة، قوة السلطة هذه هي التي تهيمن ليس على حزبنا فقط بل على جميع الاحزاب، والسلطة تستحوذ على المال العام وتسيطر على الاعلام وعلى كل مقاليد الامور في حياة المجتمع.

* هناك من يقول ان تجربة الاشتراكي في حكم الجنوب قبل الوحدة كانت مخيبة للامال، وبالتالي قد تكون هناك قناعات عند بعض الاحزاب بعدم منح الحزب فرصة العودة الى السلطة؟

* لو اقتربت الى نبض الشارع ستجده يحن الى الفترة السابقة التي كان فيها الحزب الاشتراكي حاكما. ستجد الشعب مقتنعا بنزاهة قيادات حزبنا.

* انتم كحزب كنتم تتبعون الاسلوب نفسه عندما كنتم دولة في الجنوب قبل الوحدة، فقد استحوذتم على الارض والثروة ايضا؟

ـ هدفنا كان ان كل ما يملكه الحزب هو ملك للشعب، كنا كقيادة لا نملك شيئا سواء الذين رحلوا عن الدنيا او الذين بقوا على قيد الحياة. الشعب كان يملك من المسكن حتى التعليم والصحة، الحزب كان يملك كل شيء، ولكنه لم يعد صياغة تلك التجربة وما تتطلبه المرحلة الجديدة وقفز الى الوحدة مباشرة تحت بند تجميع ما هو موجود لصالح صياغة الدولة الجديدة بحيث نتمسك فيها بما هو ايجابي وكل السلبيات نتخلص منها ونلغيها، لكن الحزب لم يتمكن من تحقيق كل ما اتفق عليه.

* سياسة حزبكم خلال فترة حكمكم للجنوب كانت تقوم على الصراعات والتصفيات الدموية، وهي التي اساءت كثيرا الى تلك التجربة؟

ـ انا اعرف ان هناك تجربة سلبية في تاريخنا، ولكنني اريد ان اؤكد ان ما مررنا نحن به هو جزء لا يتجزأ من التراث اليمني ككل، فالدم بين ابناء اليمن شمالا وجنوبا كان موجوداً في تجربتنا اليمنية قبل ان نصل الى السلطة، وعندما وصلنا الى السلطة وجدنا هذا التراث وتخلصنا نحن من هذا الميراث، ومع هذا ما تزال تجربة الدم موجودة في اليمن، ولا تزال تجر ذيولها حتى اليوم. صراعاتنا كانت تقوم بين اليسار واليمين وصراعات الاخوة الاخرين كانت تقوم بين الملكيين والجمهوريين وهي صراعات ما تزال قائمة حتى اليوم.

* الان وبعد مرور 12 عاما من الوحدة في ظل المتغيرات على الساحة الاقليمية والعربية والدولية وخاصة بعد 11 سبتمبر الماضي، كيف ترى اليمن؟

ـ اريدك ان توجه هذا السؤال الى السلطة.

* بعد مرور هذه الفترة والانتخابات على الابواب وانتم تصوغون «قاطعني زعيم الاشتراكي ورد بحدة».

ـ اية انتخابات انت تحلم بها؟ هذه الانتخابات يمكن ان تتم عندما تريد السلطة، ولكن الى أي مدى ستكون هذه الانتخابات نزيهة وصادقة ونظيفة ومقنعة للمواطن؟

* يتردد ان احزاب المعارضة اليمنية لا تتضامن مع السلطة في مواجهة الضغوط التي تتعرض لها من اميركا لتوسيع التعاون في حربها ضد الارهاب؟

ـ اريدك ان تطلب ما اطلبه انا، اين هم الذين كانوا موجودين وتابعين لابن لادن وسفكوا دماء اعضاء حزبنا من قبل. من هم؟ واين هم الان؟ وهل تجهلهم السلطة؟ الذين سفكوا دماء اعضائنا وتم اخراجهم من السجون اين هم الان؟ داخل الوطن ام خارجه؟ داخل الاحزاب ام خارجها؟ محتمون بقوتهم ام بالقوة السائدة الان؟ نحن نعرف ان هناك افغانا عربا، وهناك ايضا افغانا يمنيين موجودون في السلطة.

* اليمن يواجه اليوم تحديا كبيرا وهو بحاجة لتعاون الجميع وفي مقدمة ذلك الاحزاب السياسية؟

ـ ارجو ان تعود الى لقائك معي قبل عشرة اعوام (يقصد اللقاء الذي اجريته معه لـ«الشرق الأوسط» بعد نجاته من محاولة الاغتيال التي قام بها عدد من اعضاء تنظيم الجهاد اليمني) عندما قلت لك انه يوجد امراء سلطة ولكنهم في الحقيقة هم داخل الجيش وداخل حزب المؤتمر وربما سميتهم لك.