وزير بريطاني يثير استياء المسلمين في بلاده لاتهامهم بـ«العزلة» وعدم الاندماج في المجتمع المضيف

TT

أثار وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية بيتر هين أمس جدلاً واسعاً بترديده تحذيرات صدرت عن «عنصريين» بريطانيين وأوروبيين حول ضرورة اندماج المسلمين في المجتمع المضيف وتخليهم عما اعتبره «انعزالية» مفرطة دأبوا عليها حسبما جاء في مقابلة مع الوزير نشرتها صحيفة «صانداي تايمز» البريطانية أمس على صفحتها الاولى. ونُقل عن جهات اسلامية بريطانية استنكارها بشدة الانطباع الذي تتركه عبارات هين بأن «الاسلام يكاد يكون مرادفاً للارهاب». ولاحظ ناشطون مسلمون لـ«الشرق الأوسط» تصريحات الوزير حين اتت في اعقاب كلام مماثل نُسب الى مسؤولين بريطانيين بارزين مما يدل في رأيهم على أن الحكومة البريطانية تتبنى لغة «الحزب القومي البريطاني» المتطرف في محاولة لمنعه من اجتذاب الناخبين. بيد أن الوزير هين دافع عن تصريحاته في برنامج تلفزيوني بثته صباح امس القناة الاولى التابعة لهيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي).

وكان الوزير المكلف ملف اوروبا في الخارجية البريطانية زعم في المقابلة الصحافية أن «الاسلام قد اصبح عاملاً اكبر بكثير من التوتر العرقي» في اثارة المشاكل والاضطرابات ذات الطابع العنصري. واعتبر ان «المهاجرين المسلمين يمكن ان يكونوا انعزاليين جداً في سلوكهم وعاداتهم». واضاف «هذا سيفرز في نهاية المطاف صعوبات حقيقية والارجح أنه سيكون ارضاً خصبة يستغلها المتطرفون، سواء كانوا من اتباع بن لادن من جهة، او من العنصريين (البريطانيين) من جهة ثانية». واعرب عن قناعته في وجوب التوجه الى المسلمين البريطانيين برسالة مفادها «أنهم موضع ترحيب هنا وهم يثرون ثقافتنا، بيد ان عليهم أن يصبحوا جزءاً من ثقافتنا». وقال «الاندماج يحتاج الى اثنين، وعلينا ان نعمل مع المجتمع الاسلامي» لبلوغ هذه الغاية.

إلى ذلك، ظهر هين أمس على برنامج الحوار التلفزيوني الشهير «فطور مع فروست» حيث اعتبر أن تصريحاته للصحيفة البريطانية كانت بمثابة «بيان بديهي، ردده على سبيل المثال المجلس الاسلامي البريطاني، الذي قال إن علينا أن نعمل بجد أكبر لدمج المسلمين (في المجتمع البريطاني)». ورأى أن «هناك ميلاً بين أقلية من المسلمين البريطانيين لعزل أنفسهم مما يجعلهم عرضة للاستغلال من قبل متشددين على طريقة بن لادن، او عنصريين ونازيين». وغمز من قناة حزب المحافظين أكبر أحزاب المعارضة، مطالباً زعيمه إيان دنكان سميث بطرد غراهام سامبسون، عضو مجلس بلدية محافظ لأنه قال حسب هين «من دواعي فخري أن اصف نفسي بالعنصري». وأكد الوزير ان «الظلم التاريخي الذي تعرض له الفلسطينيون والنزاع المستمر بينهم وبين الاسرائيليين يثيران قدراً كبيراً من المرارة والغضب بين المسلمين البريطانيين». ومن جهته قال عنايات بونغولا المسؤول الاعلامي في «المجلس الاسلامي البريطاني» في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إن «تصريحات بيتر هين صدمتنا خصوصاً انها صادرة عن سياسي له باع طويل في النضال ضد العنصريين في بلاده الاصلية (جنوب افريقيا) وفي بريطانيا». واردف «بيد ان هين ليس المسؤول الوحيد الذي يحمل هذه الافكار، فقد قال وزراء بينهم وزير الداخلية ديفيد بلاكنيت كلاما مثيراً للجدل عن المهاجرين الاجانب». واستخلص المتحدث من ذلك ان «الحكومة تبدو عازمة على استعمال لغة الحزب القومي البريطاني، بهدف استقطاب مؤيدي هذا الحزب العنصري الذي حقق انتصارات غير مسبوقة في الانتخابات البلدية أخيراً». وقال إن هذه المزاعم مؤذية جداً خصوصاً انها تأتي في أعقاب الصحوة العنصرية في اوروبا بسبب السياسي الهولندي الراحل بيم فورتشون ولوبن اللذين طالبا باندماج المسلمين وزعما أن الدين الاسلامي عاجز بطبيعته عن مواكبة العصر. وفي معرض نفيه تهمة «الانعزالية» عن المسلمين البريطانيين، شدد بونغوالا بان «الوزير لا يحتاج الى البحث بعيداً عن منطقة ستامفورد هيل (شمال لندن) حيث تعيش جماعات اليهود الارثوذوكس، اذا اراد البحث عن مجموعات تعيش في استقلال شبه تام عن المجتمع البريطاني». وانتقد بيتر هين لانه «لم يشر من قريب او بعيد الى النجاحات الكبيرة التي حققها المسلمون البريطانيون خلال وقت قياسي بهدف التحول جزئياً من المجتمع البريطانيين». واضاف ان «المسلمين البريطانيين قد صاروا جزءاً فاعلاً في كل نواحي الحياة البريطانية، وهم يزاولون شتى المهن بما فيها الطب والمحاماة والتعليم الجامعي والهندسة والسياسة وغيرها». وفي رد على سؤال حول أثر هذه التصريحات على العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في بريطانيا، قال بونغوالا «نخشى ان تؤدي الى تصعيد التوتر الموجود سلفاً». ولفت الى ان «المسلمين تعرضوا لاعتداءات عدة في اعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول)». واضاف «الوضع لا يزال متوتراً، خصوصاً في مدن بشمال انجلترا شهدت أخيراً اضطرابات عنصرية». واشار الى ان إقبال ساكراني، رئيس «المجلس الاسلامي البريطاني» الذي تعذر الاتصال به، يسعى الى ترتيب اجتماع عاجل مع بيتر هين لبحث الامر وهو بصدد تقديم احتجاج رسمي. ونسبت صحيفة «صانداي تايمز» الى اللورد احمد، وهو واحد من خمسة اعضاء برلمانيين مسلمين (3 في مجلس اللوردات و2 في مجلس العموم البريطانيين) قوله إن هين صور الاسلام وكأنه «اصبح الآن مرادفاً للإرهاب، وهذا لا أساس له من الصحة».

والجدير بالذكر أن هين أدلى بالمقابلة الصحافية عشية سفره الى بروكسل لحضور اجتماع وزاري أوروبي من المقرر عقده اليوم لتدارس السياسة الاوروبية حول قضية الهجرة. واشار الوزير الى انه سيحث زملاءه على اتباع سياسة أشد صرامة حيال المهاجرين وطالبي اللجوء، كما سيدعو الى تشديد الرقابة على المنافذ في اسبانيا وايطاليا واليونان التي يتسلل عبرها اللاجئون السريون الى اوروبا.