فرنسا تطالب بتسليمها الملياردير اللبناني الذي حاول بيع قنبلة ذرية لدولة عربية

أنطوني تنوري المعتقل في بيروت متهم برهن فيللا ليست ملكه وتزوير لوحة شهيرة والحصول على قسم من مساعدات مخصصة لمدغشقر

TT

مسلسل الحكايات عن الملياردير اللبناني الحاصل على الجنسية الفرنسية، أنطوني تنوري، مستمر منذ 25 سنة باللغات الحية الى الآن، لكنه يكاد ينتهي تقريبا، فهو ملاحق هذه الأيام من الانتربول الدولي بموجب مذكرة من محكمة مدينة نيس، وموقوف لدى شرطة بيروت منذ سلم نفسه الخميس الماضي بعد نشر المذكرة التي لم تأت على تفاصيل عملية افلاس احتيالي يلاحقه بها قضاء المدينة المطلة على شاطئ «كوت دا زور» الشهير في الجنوب الفرنسي.

والتوقيف هو لثلاثة أيام فقط «أمهلناها للقضاء الفرنسي حتى يرسل بطلب رسمي لاسترداده، وهي تنتهي غدا (اليوم) والا فسنضطر للافراج عنه كما يقضي القانون» وفق ما قاله المدعي العام اللبناني، القاضي عدنان عضوم، بالهاتف من بيته مع «الشرق الأوسط» أمس، مضيفا أن المذكرة تتضمن ملاحقته بالاحتيال على رجل أعمال ايطالي تسلم منه مالا للمتاجرة بالنفط وتوابعه «الا أنه وضع ضمانة للمال فيللا في نيس، اتضح أنها لم تكن ملكه أصلا، وفق الوارد في المذكرة» كما قال عضوم.

وتنوري مطارد قضائيا منذ الثمانينات في عدد من الدول، منها فرنسا التي أدانته محكمة فيها وحكمته غيابيا العام الماضي بالسجن سنة مع النفاذ متهمة اياه بالتورط في عملية تزوير لوحة في نيس للفنان الفرنسي الشهير الراحل هنري ماتيس، بالاضافة الى حكم صدر من محكمة استئناف قضى بسجنه 3 سنوات بتهمة «استغلال الثقة» في عملية احتيال طالت قسما من مساعدات انسانية لدولة مدغشقر على حساب مصرف بالجزيرة الافريقية الفقيرة، كاد ينهار ويمضي الى الافلاس.

كما أوقف تنوري مرة بجرم احتيال «صغير» نسبيا، حيث أخذ 20 ألف دولار من أحد الأشخاص ولم يردها، وهي أنباء تحتاج لتفاصيل، لم تتضمنها مذكرة الانتربول، ولم ترد في الطلب الفرنسي بعد، لذلك سعت «الشرق الأوسط» وراء الحقائق عن الرجل البالغ من العمر 56 سنة، ومعظمها أرشيفي لدى أجهزة القضاء في نيس ومدغشقر والأرجنتين والباراغواي، بالاضافة الى دولة عربية تقدم منها في 1985 بما لم يسبقه اليه سواه: عرض عليها شراء قنبلة ذرية «عيار هيروشيما» زعم أن بامكانه تأمينها من مصادر دولية، وتسلم دفعة أولى قيمتها 15 مليون دولار، ومن بعدها طار تنوري بالمقدمة (الرعبون) الى دولة في أميركا اللاتينية، وهناك اختفى أثره لسنوات، ولم يظهر الا في نيس، حيث قام بما يطارده الانتربول من أجله الآن لتسليمه الى فرنسا، علما أن لبنان لا يسلم أحد مواطنيه الى دولة ارتكب فيها جرما «بل يحاكمه في الداخل بعد اثبات ما يدينه» وفق تعبير القاضي عضوم.

وذكر المدعي العام اللبناني أنه اذا ما وصل الطلب القضائي الرسمي من فرنسا اليوم باسترداد تنوري «فسيظل عندها معتقلا، وقد يطول اعتقاله عندنا حتى ننتهي من دراسة ملفه لنقرر ما نفعل، وبعدها لكل حادث حديث. أما اذا انتهت مدة احتجازه (وهي 3 أيام تنتهي اليوم) من دون أن نتسلم شيئا، فسنطلق سراحه» كما قال.

وكان القضاء الفرنسي تساهل في قضية كبرى مع تنوري في مارس (آذار) الماضي، حين قرر القاضي، جان بيار فيرّي، تفسير ديون ضريبية عليه بمبلغ 124 مليوناً و465 ألفاً و912 فرنكاً فرنسياً، أي تقريبا 43 مليون دولار، من أنها «نتاج عقلية خاصة بالعمل بوصفه متحدرا من مجتمع يعتبر التعهد الكلامي شيئا مقدسا» وفق ما قاله القاضي، ليبرر السماح له، ولو غيابيا، بالتمتع بالحرية المشروطة شرط التعهد الشفوي لدفع ما عليه من متأخرات ضريبية.

وفي الجلسة التي عالج فيها القاضي الفرنسي هذه المعضلة التي لم تحل تماما بعد، وفق الأرشيف القضائي لمدينة نيس، فقد تطرق جان بيار فيرّي الى قضية تنوري مع رجل الأعمال الايطالي، ألبرتو كابروتي، البالغ من العمر 74 سنة الآن، والذي قاضاه في سبتمبر (أيلول) 1997 بعد تمويله بمبلغ 7 ملايين دولار، أقنعه تنوري بأن يزوده بها «لتمويل مشروعات نفطية كان يقوم بها في منتصف التسعينات» طبقا للوارد في دعوى كابروتي.

ومن أصل المبلغ استرد كابروتي 4 ملايين و400 ألف دولار خلال تعامله مع تنوري، الذي بقي مدينا بمليونين و600 ألف دولار حين أعلن عن توقفه الكامل عن متابعة العمل في التجارة النفطية وتوابعها، لذلك قام ورهن باسم رجل الأعمال الايطالي فيللا يملكها على ساحل نيس باسم «كولومب» ووضعها كضمانة للمبلغ المدين به له. الا أنه اتضح فيما بعد أن تنوري لا يملك الفيللا أصلا، لأنه كان قد بناها بطريقة غير مشروعة على أرض ليست ملكه أيضا، بل هي مشاع وملك عام لبلدية المدينة، التي ما أن اكتشفت حقيقتها حتى أخضعتها لمحاكمات استمرت عامين، وانتهت جلساتها في 1998 بادانة تنوري وباتخاذ قرار بتدمير الفيللا بالكامل.. يومها فر تنوري الى الخارج، هربا من حكم صدر في حقه بالسجن 3 سنوات، وأقام في لبنان ناشطا في حقل العقارات بشكل خاص، الى حين بدء المطالبة الفرنسية الرسمية باسترداده الأسبوع الماضي من لبنان عبر الانتربول.

أما عن قضيته مع مدغشقر، وهي المسماة هناك بـ «بقضية فلامكو» فان الأرشيف القضائي للجزيرة الافريقية، المعتبرة الرابعة بالمساحة في العالم، يتضمن ادانة تنوري بالسجن 3 سنوات، منها عامان مع النفاذ، في حكم صدر بنيس في 25 أغسطس (آب) 1998عن تورطه في الحصول على قسم من مساعدات قدمتها الأمم المتحدة، عبر هيئتين تابعتين لها، لتطوير بعض القطاعات الاقتصادية في مدغشقر، ولا شيء غير ذلك في أرشيف مدغشقر، فيما يتطرق الأرشيف القضائي بالباراغواي عن زيارة قام بها تنوري في 1987 برفقة رجل الأعمال السعودي، غيث فرعون، الراغب ذلك الوقت باقامة «أكبر مدينة للملاهي في العاصمة، أسّونسيون، بعد والت ديزني الأميركية في العالم» بتكاليف تزيد ذلك الوفت على 300 مليون دولار، أي ما يعادل 800 مليون دولار لجهة القوة الشرائية هذه الأيام.

وقابل غيث فرعون وتنوري رئيس الباراغواي آنذاك، ألفريدو سترويسنر، طبقا لما ورد في تقرير مصنف بـ «سري» عن الزيارة، ومرفق بحاشية كبيرة أطلعت عليها «الشرق الأوسط» عن زيارة سابقة قام بها غيث فرعون وأنطوني تنوري في 1982 للأرجنتين، حيث تأتي الحاشية على تحذير الرئيس الباراغواني من تنوري «الذي احتال على القادة العسكريين الأرجنتينيين بصفقة وعدهم عبرها بتزويدهم بصواريخ من نوع «إكسوست» فرنسية الصنع، خلال لقاء له سبق زيارته للأرجنتين مع سفيرها ذلك في باريس» وفق ما ورد في الحاشية، المتضمنة معلومات كاملة عن النشاط الدولي المالي لغيث فرعون بشكل خاص، بهدف تقديم صورة كاملة عنه لرئيس الباراغواي، التي غادرها فرعون فيما بعد ولم يعد اليها ثانية لاقامة المشروع.

كما يتطرق أرشيف قضائي في فنزويلا، وكذلك في الأرجنتين، الى مقتطفات مبعثرة في الملفات هنا وهناك عن تنوري، منها أنه «حاول بيع قنبلة ذرية في منتصف الثمانينات لدولة (.....) العربية، وحصل على (عربون) كدفعة أولى مقدما، لكنه غادر ولم ينجح في الحصول على ما وعد به، فاضطر للعيش في الظل» وفقا للتقرير الأرجنتيني.

ولم تعثر «الشرق الأوسط» في معظم الملفات القضائية التي راجعتها عن أنطوني تنوري على ما يشير الى تزويره لوحة للفنان ماتيس. مع ذلك تتداول وكالات الأنباء هذه القصة كلما أتت على ذكره دائما، ولا تشير الى أي تفاصيل تتعلق باللوحة أو تاريخ تزويرها، وكيف قام على الأقل بعملية التزوير، وأين هي اللوحة الآن، لكن «لا دخان بلا نار» كما يقولون.

=