بوادر خلافات رئيسية بين أميركا وباكستان حول ضرب «القاعدة» في المناطق القبلية

مشرف عقد مباحثات مكثفة مع قيادات الجيش حول كيفية التعامل مع الضغوط الأميركية

TT

قال مسؤولون في واشنطن وباكستان إن محللين تابعين للإستخبارات الاميركية توصلوا الى ان المجموعات المتبقية من مقاتلي تنظيم «القاعدة» تتمركز في غرب باكستان أكثر مما تتمركز في افغانستان، لكن باكستان ظلت تقاوم الضغوط الاميركية لشن هجمات واسعة النطاق ضد هذه المجموعات.

وقد وجه مسؤولون اميركيون الضغوط على باكستان لدفعها للتحرك ضد مجموعات يعتقدون انها تابعة لـ «القاعدة» تتمركز في منطقة وزيرستان الواقعة غرب باكستان قرب الحدود الافغانية. وقال احد المسؤولين في وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) «نحن نعلم أين توجد مناطق التمركز الكبير لمقاتلي القاعدة»، مشيرا الى انه كان هناك بضع مئات في احدى البلدات الحدودية طلب عدم ذكر اسمها. لكنه اضاف «ان قواتنا لم تجد التعاون» الذي طلبته من الحكومة الباكستانية.

وتعتبر عدم رغبة الحكومة الباكستانية في تعقب جيوب «القاعدة» في اراضيها مؤشراً عن اول خلاف رئيسي يظهر الى السطح في اوساط التحالف الاميركي ـ الباكستاني ضد الارهاب والذي ظل قويا منذ سبتمبر (ايلول) الماضي.

وإذا ما نجح الضغط الاميركي الهائل على باكستان في شن هجوم على امتداد الجانب الباكستاني من الحدود مع افغانستان، فإن ذلك قد يمثل توسيعا كبيرا لهجوم الولايات المتحدة المضاد على الارهاب الذي ظل مستمرا منذ ثمانية أشهر والذي شهد معارك قتالية في افغانستان وحدها. وقال مسؤولون باكستانيون ايضا انه من الممكن أن تقرر الولايات المتحدة القيام بمفردها بمهاجمة جيوب «القاعدة» المتبقية.

وقال مسؤولون في البنتاغون ان الجيش الباكستاني ظل يتحرك ببطء شديد بالرغم من ان الولايات المتحدة عرضت عليه تزويده بالامكانيات الاستخباراتية والمروحيات وقوات العمليات الخاصة بل وحتى بالوحدات العسكرية التقليدية. واضاف انه خلال الاسبوعين الماضيين «ظللنا نطلب منهم (الباكستانيين) شن هجوم لكن لم يحدث تقدم يذكر».

وقال مسؤول آخر «نحاول ان نشجع ونتملق وندفع ونحض الباكستانيين على التحرك بقوة اكثر» ضد مقاتلي «القاعدة». واضاف «لقد احرزنا بعض النجاح لكن الحركة ما زالت بطيئة».

ورد المسؤولون الباكستانيون، من جانبهم، انهم بمساعدة الولايات المتحدة أو بدونها، فانهم لا يرغبون في شن الهجمات لأسباب عديدة. وقالوا انهم يتخوفون من ردود فعل سياسية داخلية بسبب المنطقة الحدودية المستعصية على سيطرة الحكم ومن المتطرفين الاصوليين على امتداد باكستان. وقالوا ان جيشهم معاق بسبب التوتر مع الهند. وبالاضافة الى ذلك، قال المسؤولون الباكستانيون انهم يفتقدون الثقة في تقارير الاستخبارات الاميركية حول وجود حشود لقوات «القاعدة» في المنطقة. وقال الجنرال الباكستاني جافيل اقبال شيما مدير وحدة ادارة الازمات التابعة لوزارة الداخلية الباكستانية يوم الجمعة الماضي «لا يمكن ان يكون هناك أي تمركز كبير لـ «القاعدة» في اي منطقة بباكستان. ان هذا غير ممكن».

وقد التقى الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف بكبار القيادات العسكرية الاسبوع الماضي في روالبندي للتباحث حول كيفية التعامل مع ضغوط الولايات المتحدة لبدء عمليات عسكرية واسعة النطاق في منطقة الحدود الشبيهة بمناطق الحكم الذاتي. ووردت الاشارة للاجتماع في الصحافة الباكستانية لكن لم يرد شيء عن موضوع الاجتماع ونتائجه.

لكن مسؤولين باكستانيين كشفوا في حديث خاص ان القادة العسكريين توصلوا الى عدم شن عمليات في منطقة الحدود القابلة للانفجار، والتي تعرف بمنطقة القبائل، دون ان تكون هناك معلومات استخباراتية تتأكد الحكومة الباكستانية من مصداقيتها. وحتى في تلك الحالة فإن مشاركة الولايات المتحدة يجب ان تبقى في الحد الادنى.

وتوصل اجتماع القادة العسكريين ايضا الى انه يجب ان يقال للولايات المتحدة انه الى ان تهدأ حدة التوتر بين باكستان والهند، فان الجيش الباكستاني لا يستطيع شن عمليات على امتداد حدود باكستان الغربية مع افغانستان. وقال مسؤول باكستاني عليم بما دار في الاجتماع «كان هناك شبه اتفاق خلال الاجتماع بضرورة اتخاذ اقصى اشكال الحيطة قبل شن اي عملية امنية في مناطق القبائل. وفي حال اتخاذ خطوة كهذه يجب أن تكون مشاركة القوات الاجنبية في حدودها الدنيا».

وقلل مسؤول امني باكستاني من استنتاج الولايات المتحدة بتمركز المئات من مقاتلي «القاعدة» في منطقتين أو ثلاث بالقرب من الحدود. وقال ان «معلومات الولايات المتحدة الاستخباراتية يغلب عليها طابع التعميم وتفتقر للمعلومات المحددة». واضاف ان الهجمات الصغيرة المشتركة بين الولايات المتحدة وباكستان التي شنت في الآونة الاخيرة على نطاق ضيق في منطقة القبائل أدت هناك الى «حالة من السخط».

وقال مسؤول عسكري باكستاني ان منطقة القبائل «منطقة معادية للولايات المتحدة ومتعاطفة مع طالبان والعرب». وأشار المسؤول الى انه يجب على الولايات المتحدة ان تفكر مليا قبل ان تقوم بالضغط على باكستان «لشن عدوان ضد آلاف العناصر من ذوي التسلح الجيد الذين تحركهم الدوافع الدينية».

ويبدو ضيق المسؤولين الاميركيين من باكستان مثيرا على نحو خاص لأنه يأتي بعد ثمانية اشهر ظلت الولايات المتحدة خلالها مسرورة من اتساع وعمق التعاون الباكستاني. وجاء اول تنويه حول تغير درجة التعاون الباكستاني بعد فشل جيشها في القبض على بعض عناصر «القاعدة» وطالبان كانوا قد فروا من معركة شاهي كوت في مارس (اذار) الماضي. وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها قد شنوا حينها اكبر هجوم بري في الحرب ضد معارضين كثيري العدد والعتاد.

وكان يفترض في الجيش الباكستاني ان يساهم في الهجوم الاخير الذي شنته قوات التحالف في جنوب شرق افغانستان ضد جيوب طالبان و«القاعدة». وقد اندهشت القيادة العسكرية الاميركية لعدم اعتراض هذا الهجوم، الذي شنته القوات الكندية والبريطانية، اي مقاومة تذكر، الامر الذي دفع الاميركيين للاستنتاج بأن معظم قوات «القاعدة» قد انتقلت الى قرى صغيرة على امتداد الجانب الباكستاني من الحدود.

ورغم مقاومة الحكومة الباكستانية، فإنها أظهرت تفهماً لأن الولايات المتحدة قد تختار في نهاية المطاف قصف مقاتلي «القاعدة» بمفردها خصوصا اذا كشفت المعلومات الاستخباراتية عن احتمال وجود بن لادن او غيره من قادة التنظيم في المنطقة.

وقال معين الدين حيدر وزير الداخلية الباكستاني «لقد اوضحنا تماما» لقادة القبائل ان ايواء الارهابيين وحلفائهم «سيجلب عليهم الكثير من الاذى». ورغم انه اكد عدم علمه بوجود تجمعات لمقاتلي «القاعدة» في باكستان أو بوجود ضغوط اميركية على باكستان، فانه قال ايضاً انه لا يعتقد ان بن لادن موجود في باكستان.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»