إصلاح السلطة الفلسطينية مطلب فلسطيني أيضا

TT

لم تعد المطالبة باصلاح السلطة الفلسطينية من قمتها الى قاعدتها مطلبا اميركيا او اسرائيليا فحسب، فالفلسطينيون الذين كانوا يسعون الى هذا الاصلاح بهدوء في الماضي، بدأوا يطالبون به علنا.

وفجأة بعد 8 سنوات من الحكم الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، يواجه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات اصواتا متزايدة في الداخل والخارج تطالب بتغيير بنيته واسلوب ادارته واجهزة الامن المتعددة.

وتعني تلك النداءات اشياء مختلفة لاشخاص مختلفين، ودفعت المسؤولين الفلسطينيين والناشطين الى التعبير عن شكوكهم في امكانية تحقيق اي شيء. و يشيرون الى ان الاهتمام المفاجئ في اسرائيل والولايات المتحدة بخصوص هذا الموضوع يمكن ان يكون طريقة اخرى لتجنب ما يراه الفلسطينيون المشكلة الحقيقية: استمرار الاحتلال الاسرائيلي والسيطرة العسكرية على الحياة اليومية الفلسطينية.

ويقول زياد ابو عمر وهو عضو المجلس التشريعي فلسطيني من قطاع غزة «ربما مطالب الاصلاح مختلفة هذه المرة. اذا لم نقم بالاصلاحات بأنفسنا، فربما تفرض علينا، ولن تعجبنا. ونشعر بالقلق لان نوعية الاصلاحات التي يريدها الوطنيون الفلسطينيون غير متطابقة مع ما يريده (الرئيس الاميركي جورج) بوش و(رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل) شارون».

من جهته اشار سعيد زيداني المدير العام للهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطنين ان «المشاعر المتباينة تجاه عرفات بين الفلسطينيين كانت واضحة طوال الوقت. فهو الزعيم المعترف به الذي لايتحداه احد. ولكن في الوقت ذاته، كانت هناك دائما انتقادات، ولاسيما عندما يتعلق الامن ببناء المؤسسات».

ويقول علي جرباوي وهو محاضر في العلوم السياسية في جامعة بير زيت في الضفة الغربية «لقد نفد صبر الشعب الفلسطيني. هل شهدت عدد الذين رحبوا به (عرفات) في بيت لحم وفي جنين؟ لم تكن الاعداد كبيرة ولا الترحيب حماسيا. لقد شعر الجميع ان كل شيء قد انهار، وهم يلومون الفساد الداخلي». ويقول ابراهيم بكري، وهو مدير مبنى تجاري قضى 23 سنة في البرازيل قبل عودته الى رام الله منذ 12 سنة، ان «الاصلاحات امر جيد بالطبع، ولكن ما نريده حقا هو الحضور والذهاب كما نبغي».

وكان الرأي العام الفلسطيني قد اشتكى منذ فترة طويلة من الفساد والمحسوبية وعدم الكفاءة بين وزراء عرفات الذين يصل عددهم الى 40 وزيرا، الى درجة ان البعض يشير الى السلطة بـ «علي بابا والـ 40 حرامي».

ويشتكي يوسف جاد الله، وهو صاحب مخزن للمعدات (62 سنة) ، من ان «الاموال لا تذهب الى المكان المفروض ان تذهب اليه». ويملك جاد الله محزنه الذي يقع في وسط رام الله منذ اكثر من 42 عاما.

غير ان اصوات التغيير تتردد ايضا بين كبار المسؤولين في السلطة، التي تدير اسميا حوالي 20 في المائة من الضفة الغربية و60 في المائة من قطاع غزة. ويقول بسام ابو شريف، وهو مستشار منذ زمن بعيد لعرفات «اعتقد ان الوقت قد حان للتغيير، ومنح هذا الشعب القيادات التي يستحقها، قادة اهتمامهم الوحيد هو مساعدة الناس، وخدمتهم وتقديم ما يلزم لرفع مستواهم».

الان ان القليل جدا من الناس يرون احتمالات على المدى القصير لضربة شاملة للفساد او فتح باب صنع القرار. ويرجع السبب جزئيا الى ان عرفات، طبقا للجميع، سيبقى مسؤولا.

ويقول قيس عبد الكريم، زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الضفة الغربية وعضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية «انه رجل لا يتغير، ولن يسمح بأية تغييرات حقيقية ما دام في السلطة». وتجدر الاشارة الى انه اذا وقعت تغييرات فستتم في قوات الامن.

وكان الفلسطينيون قد اشتكوا منذ فترات طويلة، ولكنهم لم يفصحوا علنا لاسباب وطنية. لكن الشكاوى ظهرت على السطح في اعقاب العمليات العسكرية الاسرائيلية في الضفة الغربية ومخيمات اللاجئين. وقد اعتبرت السلطة واجهزة الامن بها غير فعالة في حماية الفلسطينيين من الهجمات الاسرائيلية، بل وحتى في رعاية الجرحى.

وكانت ادارة بوش قد ركزت مطالبها على اصلاح تلك الاجهزة. وقد تعهد الرئيس الاميركي بالمساهمة في اعادة بناء اجهزة الامن التي لحقت بها الكثير من الاضرار، وقرر ارسال مدير وكالة الاستخبارات المركزية جورج تينيت الى القدس للمساهمة في تطبيق تلك العملية.

ويوجد في السطة الفلسطينية 12 جهازا امنيا واسطول لا يعمل منذ عودة عرفات من المنفى عام 1994 بعد اقرار معاهدة اوسلو للسلام. ومن غير الواضح اين تنتهي سلطات وكالة امنية وتبدأ سلطات وكالة اخرى. وتشمل هذه الاجهزة جهاز الامن الوقائي والمخابرات العامة والمخابرات العسكرية والدفاع المدني وقوات الامن الوطني وقوات الشرطة وجهاز امن الرئاسة (القوات 17) وقوات التحقيق والشرطة العسكرية والوحدة الخاصة للامن والحماية.

ويشير المسؤولون الفلسطينيون الى ان اجهزة الامن توظف 35 الف شخص بالاضافة الى عدة الاف من العملاء السريين المخبرين. وطبقا للمعاهدات والاتفاقيات اللاحقة، يحق لادارة عرفات الاحتفاظ بقوات امنية لا يزيد قوامها عن 30 الف مسلح. ويعترف المسؤولون الفلسطينيون بضرورة تخفيض العدد الاجمالي للقوات وتخفيض عدد الاجهزة، لان واجباتها غير محددة المعالم ومتداخلة.

وبالنسبة للمسؤولين الاميركيين والاسرائيليين، فإن الهدف هو تشكيل قوات افضل تنظيما واكثر مسؤولية يمكنها استئناف التعاون مع الجيش الاسرائيلي والاستخبارات الداخلية الاسرائيلية «شين بيت»، لمنع الهجمات الانتحارية وغيرها من «الاعمال الارهابية».

ويتحدث المسؤولون الاميركيون والاسرائيليون بصفة خاصة عن اصلاح ودعم قوات الامن الوقائي وهي منظمة شرطة كانت ناشطة في التنسيق مع قوات الامن الاسرائيلية قبل الانتفاضة الفلسطينية الحالية في سبتمبر (ايلول) 2000.

وتعتبر الولايات المتحدة، ذلك امرا ضروريا لاستعادة الثقة المحطمة بين الاسرائيليين والفلسطينيين، وفي حال وقف «العمليات الارهابية»، استئناف محادثات السلام.

وقوات الامن الوقائي منقسمة بين فرع بقي على حاله في قطاع غزة يرأسه محمد دحلان، وفرع في الضفة الغربية يرأسه جبريل الرجوب وتعرض لاضرار كبيرة. ويقترح العديد من القيادات الفلسطينية ضرورة ضم الفرعين تحت قيادة واحدة، ربما تحت قيادة دحلان وضم الاجهزة الاخرى فيها. وتجدر الاشارة الى ان الرجوب الذي كان يعمل عن قرب مع وكالة الاستخبارات المركزية و«شين بيت» قبل الانتفاضة قد فقد الكثير من وضعه منذ الانتفاضة الفلسطينية لعدة اسباب، من بينها قراره تسليم 6 اشخاص من اعضاء حركة «حماس» كانوا داخل مقره الى القوات الاسرائيلية.

وكان الرجوب قد ادلى باحاديث صحافية متعددة الى الصحف العربية والفلسطينية اتهم فيها دحلان بمحاولة ابعاده واصدار اوامر الى قوات الامن الوقائي في الضفة الغربية بدون تفويض. وفي ضوء ذلك اعتبر الفلسطينيون قرار عرفات ارسال دحلان وليس رجوب الى شرم الشيخ للمشاركة في المحادثات حول الامن وغيرها من القضايا مع القيادتين السعودية والمصرية، تطورا مهما.

الان الفلسطينيون يحذرون من ان المسؤولين الاميركيين يرتكبون خطأ اذا اعتقدوا انه يمكنهم خلق قوات امن فلسطينية مهمتها الرئيسية تنفيذ مطالب اسرائيل الامنية. وقال قيس عبد الكريم من منظمة التحرير الفلسطينية «يفكرون في جهاز امني تسيطر عليه وكالة الاستخبارات المركزية سيطرة تامة، وعن طريقها اسرائيل».

ووصف عيسى ابو عرام نائب الرجوب، صعوبة المهمة الملقاة على عاتق مسؤولي الامن الفلسطيني، وهم يتعاملون مع وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية واسرائيل في الوقت الذي يحافظون فيه على دورهم كابطال للحركة الوطنية الفلسطينية. واشتكى من ان هذا التوازن، غير مفهوم في اوساط المسؤولين الامنيين الاسرائيليين، او ضباط وكالة الاستخبارات المركزية في محطة تل ابيب الذين يتوسطون بين الطرفين. وقال «لا نرى الامور بالطريقة التي يراها الاميركيون».

جدير بالذكر انه بعد الحملة الاسرائيلية التي استغرقت خمسة اسابيع، اصبح لدى قوات الامن الفلسطينية من الاسباب ما يجعلها تشعر بالقلق. فقد اتهمهم شارون ووزراؤه بتسهيل بل ورعاية الهجمات ضد قوات الامن الاسرائيلية.

في الوقت نفسه يشتكي العديد من الفلسطينيين علنا من ان المنظمات غير الرسمية مثل «حماس» و«الجهاد الاسلامي» او «كتائب شهداء الاقصى»، هي التي نشرت مسلحين في الشوارع والطرقات لمواجهة هجمات القوات الاسرائيلية.

وذكر عبد الكريم انه في الوقت الذي كان فيه الجيش الاسرائيلي يقترب من مدينة جنين الشهر الماضي، ذهب ضباط الامن الفلسطيني الى مخيم اللاجئين يحملون مكبرات صوت وطالبوا الناس بعدم المقاومة. واشار الى ان الـ50 مقاتلا شابا الذين قاوموا العملية كانوا من اعضاء «حماس» و«الجهاد الاسلامي» و«كتاب شهداء الاقصى».

كما صدرت تعليمات مماثلة في رام الله، طبقا لما ذكرته منال ابو غوش عضو لجنة القوات الوطنية والاسلامية، وهي جماعة غير رسمية لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي في المنطقة. وقالت ابو غوش انها وغيرها من الفلسطينيين، مثل ادارة بوش، يريدون قوات امن افضل وموحدة، ولكن لمحاربة الجيش الاسرائيلي.

وسألت «الامن لمن؟» في اشارة الى اعادة تشكيل قوات الامن. وردت «هل كل ذلك لحماية الشعب الفلسطيني، ام لحماية الشعب الاسرائيلي»؟

* خدمة «واشنطن بوست» و«لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»