مجلس الأمن الدولي يقر بالإجماع مشروع قرار مراجعة العقوبات على العراق وسورية صوتت لصالحه في اللحظات الأخيرة

الاتفاق على لائحة من 300 صفحة بـ«الممنوعات» ومراجعتها كل 30 يوما

TT

تبنى مجلس الامن الدولي امس مشروع القرار 1409 الذي يخفف نظام العقوبات المفروضة على العراق منذ غزوه الكويت قبل حوالي 12 سنة. وجاء اعتماد مشروع القرار باجماع الدول الـ15 الاعضاء في المجلس بما فيها سورية التي قررت في اللحظات الاخيرة التصويت لصالحه بعدما قدمت اعتراضات أخرت عملية التصويت. وينص القرار المطول والمعقد على اقامة نظام يحافظ على فرض العقوبات غير انه يخفف الاجراءات التي تتيح للعراق توريد منتجات للاستعمال المدني. ويتعلق الامر بالمواد غير الواردة في لائحة من 300 بالمواد التي يمكن استعمالها لأغراض عسكرية والتي تظل خاضعة للرقابة. ويتعين مراجعة هذه اللائحة كل ثلاثين يوما. غير ان توريد المواد غير الواردة في قائمة «المحظورات» يظل مشروطا باشعار برنامج العراق التابع للامم المتحدة بها مسبقا لكن يمكن توريدها الى العراق بعد 10 ايام من المراجعة التي يجريها مسؤولون في الامم المتحدة. ويقضي القرار ايضا بتجديد العمل ببرنامج النفط مقابل الغذاء حتى 25 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ويأتي تمرير هذا المشروع في مجلس الامن استجابة للانتقادات القائلة بان العقوبات تضر بالشعب العراقي. وقد بحثت الولايات المتحدة وروسيا التي تريد وقف العقوبات وضع نظام يوفر السلع المدنية للشعب العراقي بشكل اسرع مع ابقاء الحظر على السلع العسكرية. وفي الوقت الراهن تخضع كل السلع باستثناء الغذاء والدواء للتدقيق من جانب لجنة العقوبات التابعة للمجلس حيث عرقلت الولايات المتحدة وصول سلع تبلغ قيمتها خمسة مليارات دولار للعراق.

ولأول مرة منذ فرض العقوبات على العراق يفوض مجلس الامن لجنة «انموفيك» (الخاصة برصد وتفتيش برامج الاسلحة العراقية) والوكالة الدولية للطاقة الذرية صلاحيات رفض اي عقد تجاري له علاقة بالبرامج العسكرية.

وضم القرار الجديد 18 بندا من الاجراءات التي ينبغي مراعاتها عند تقديم اي طلب او عقد له صلة بالمواد ذات الاستخدام المزدوج وفوض المجلس في قراره الجديد وألحق بالقرار صيغة لشكل طلبات العقود المقدمة الى مكتب الامم المتحدة لبرنامج النفط مقابل الغذاء والتي تحال بدورها الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإلى لجنة «انموفيك». واذا لم ترد اللجنة والوكالة الدولية في غضون فترة لا تتجاوز 10 ايام يعتبر الطلب مقبولا واذا سجلت اللجنة او الوكالة الدولية اي اعتراض يعتبر العقد مرفوضا.

وتجادل الولايات المتحدة وبريطانيا على اساس ان القرار الجديد سيخفف من ازمة العقود المعلقة من قبل لجنة مجلس الامن للعقوبات ضد العراق. لكن مكتب برنامج النفط مقابل الغذاء والحكومة العراقية ترى ان قيمة العقود المعلقة منذ بداية البرنامج عام 1996 قد بلغت حوالي 8 مليارات دولار و90 في المائة من العقود المعلقة بسبب الولايات المتحدة ونسبة 10 في المائة بسبب بريطانيا.

وقد رحب السفير الاميركي جان نيغربونتي بالقرار ووصفه بـ«الانجاز» من الناحية الفنية والسياسية، وقال «انه سيسهل بشكل كبير حركة المواد الانسانية والمدنية الى الاقتصاد العراقي من خلال تسهيل نظام التصدير بالتركيز على المنتجات والخدمات التي قد تساهم في برامج اسلحة الدمار الشامل»، ومضى يقول «اعتقد ان النظام سيكون اكثر فعالية». واتفق السفير الروسي سيرجي لافروف مع نظيره الاميركي في اعتبار ان القرار الجديد سيسهل نظام استيراد المواد الانسانية والمدنية، غير انه قال «انه لا يمكن بناء الاقتصاد العراقي الا من خلال رفع العقوبات».

وفسرت سورية تصويتها لصالح القرار بعد ان فرضت اول من امس تأجيل التصويت لمدة 24 ساعة بعدم الاضرار بوحدة مجلس الامن. وقال السفير السوري ميخائيل وهبة «ان التصويت لصالح القرار حرص من سورية على الوحدة الحقيقية لمجلس الامن». في الوقت ذاته سجل الوفد السوري، العضو العربي في مجلس الامن، اعتراضاته على نص القرار في بيان وزعته البعثة السورية جاء فيه: «ان سورية تعتقد ان الوقت قد حان لرفع العقوبات عن العراق». وشدد البيان على حق العراق الدفاع عن نفسه وفق المادة 51 من ميثاق الامم المتحدة وحق العراق في الحصول على التكنولوجيا الكفيلة باعادة بناء بنيته التحتية. ولم يخف الوفد السوري انزعاجه من الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة من اجل الاسراع في التصويت على القرار، وقال بيان البعثة «لا شك في ان اعضاء مجلس الامن يدركون تماما صعوبة الموقف السوري وخاصة تجاه الرأي العام العربي، فمن جهة فقد المجلس مصداقيته في إلزام بعض الدول بتنفيذ قراراته بسبب موقف بعض الدول الدائمة العضوية فيه التي رعت قيام اسرائيل بازدراء هذه القرارات وتشجيعها على رفض الانصياع الى الشرعية الدولية».

ووصف سفير العراق لدى الامم المتحدة محمد الدوري القرار بـ«المنحاز» وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ان القرار الجديد فيه أذى لمستقبل العراق ولا يساهم في تطوير وتنمية الاقتصاد العراقي». واضاف الدوري «انه لا يمكن ان نكون سعداء الا برفع العقوبات عن العراق ولا يمكن ان نكون سعداء بهذا القرار».

وتوقعت مصادر قريبة من الوفد العراقي ان توافق بغداد على القرار الجديد وسوف تقوم بتجديد مذكرة التفاهم لتنفيذ المرحلة الجديدة من برنامج «النفط مقابل الغذاء»، وسوف تتجاهل الفقرة ذات الصلة بالمواد ذات الاستخدام المزدوج.

وعلمت «الشرق الأوسط» ان الوفد العراقي، من خلال روسيا وفرنسا، أصر على دمج الفقرات الخاصة بالمواد ذات الاستخدام المزدوج بقرار تمديد برنامج النفط مقابل الغذاء، في الوقت الذي كانت تسعى فيه اميركا الى التصويت على قائمة المواد بقرار منفرد، ومن ثم التصويت على قرار آخر خاص بتجديد برنامج النفط مقابل الغذاء. وفسر الوفد العراقي اصراره على الدمج بحرصه على ان يكون القرار الجديد بهدف تحسين البرنامج، وان لا يعتبر تعديلا لنظام العقوبات.