دمشق تظل خصما لواشنطن في الشرق الأوسط رغم أنها أثبتت صداقتها في الحرب ضد الإرهاب

TT

ظلت نظرة الولايات المتحدة الاميركية لسورية خلال مرحلة ما بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، تتأرجح بين اعتبارها حليفا في «الحرب ضد الارهاب» وكونها «عدوا تقليديا» للاستقرار في الشرق الاوسط. يقول مسؤولون اميركيون، ان سورية قدمت منذ 11 سبتمبر معلومات مفيدة ساعدت في القاء القبض على اصوليين متشددين في مختلف الدول. وفي نفس الوقت، فإن كراهية سورية لاسرائيل تسببت في ايجاد وضع صعب بالنسبة للذين يسعون الى إقامة علاقات افضل بين واشنطن ودمشق. وفي ما تعمل الولايات المتحدة على التحضير لإقامة مؤتمر للحوار في تكساس بين مفكرين ورجال اعمال ودبلوماسيين اميركيين وسوريين، اجاز الكونغرس الاميركي الاسبوع الماضي مشروع قرار يهدد بعرقلة هذه القمة المصغرة، اذ يحظر مشروع القرار منح تأشيرات دخول الى الولايات المتحدة لرعايا دول تعتبر مساندة للارهاب، بينها سورية. وقال محمد عزيز شكري، استاذ القانون بجامعة دمشق وهو واحد من عشر شخصيات سورية من المفترض ان تشارك في مؤتمر الحوار المصغر، ان الرئيس اذا وقع على مشروع القانون، فإنهم لن يتمكنوا من المشاركة، كما يعتبر ذلك اهانة لمهمتهم. واضاف شكري ان لا معنى لمحاولة اقناع من يعتقدون ان سورية «مذنبة». اتسمت العلاقات بين واشنطن ودمشق بالتعقيد وتأرجحت بين البرود والتعاون الحذر. فسورية واحدة من الدول التي ادرجتها وزارة الخارجية الاميركية في قائمة الدول المساندة للارهاب بسبب دعمها لمجموعات فلسطينية معارضة لعملية السلام في الشرق الاوسط مثل، «الجهاد الاسلامي» وحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني. اما سورية، فتقول من جانبها، انها ترفض الارهاب لكنها تدعم المجموعات التي تقاوم الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية.

تعاونت سورية غداة هجمات 11 سبتمبر مع وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي. آي. ايه) بتقديمها معلومات حول اصوليين متشددين لهم علاقة مع شبكة «القاعدة» التي يتزعمها اسامة بن لادن. والجدير بالذكر ان دمشق لا تبدي تعاطفا يذكر مع الاصوليين المتشددين، اذ انها تنظر اليهم باعتبارهم خطرا محدقا ضد نظامها العلماني. ويعتقد ان القاء القبض على العديد من الاصوليين المتشددين في اوروبا والولايات المتحدة عقب هجمات 11 سبتمبر جاء نتيجة معلومات قدمتها سورية. ثمة مؤشرات جديدة على بداية دفء جديد في العلاقات بين دمشق وواشنطن رغم خلافاتهما. ففي يناير (كانون الثاني) الماضي، زار دمشق وفدان من الكونغرس الى جانب عدد من المسؤولين الاميركيين لعقد محادثات مع الرئيس السوري بشار الاسد.

سوء العلاقات بين الجانبين يعود الى عدة عوامل، من ضمنها موقف سورية القوي ضد اسرائيل ومساندتها لمجموعات تعتبرها واشنطن متورطة في الارهاب. كما تشتبه الولايات المتحدة في حيازة سورية اسلحة كيماوية وبيولوجية وتورطها في تهريب النفط من العراق منتهكة بذلك العقوبات، التي تفرضها منظمة الامم المتحدة. فكل هذه العوامل ساهمت في افساد العلاقات بين البلدين. يقول جيمس بولتون، المسؤول في وزارة الخارجية الاميركية، ان الولايات المتحدة تشعر بالقلق ازاء تطوير سورية البنى التحتية الخاصة بانتاج اسلحة كيماوية، كما تعتقد واشنطن ان سورية تسعى الى تطوير اسلحة بيولوجية وتشتبه ايضا في احتمال حيازتها كميات محدودة من عناصر تدخل في الحرب البيولوجية. وجاء حديث بولتون الاسبوع الماضي لدى اعلان سورية وليبيا وكوبا «دولا مشبوهة»، مما اثار غضب الكثير من السوريين. وعلق البروفيسور شكري قائلا: «كيف يستقيم ان يتسلم الرئيس الاسد خطابا من وزير الخارجية الاميركي كولن باول يشكره فيه على المساعدة القيمة في تعقب الارهابيين ثم تصف واشنطن سورية بانها دولة ارهابية؟».

كثيرا ما اتهمت سورية، شأنها شأن الدول العربية الاخرى، الولايات المتحدة بتبني سياسة قائمة على اساس ازدواجية المعايير ازاء الشرق الاوسط. يقول جورج جبور، استاذ القانون بجامعة حلب، ان الرئيس بوش يسعى باستمرار الى كسب المزيد من الناخبين الاميركيين من خلال تأييده لرئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون. كما يقول مسؤولون سوريون ان سياسة سورية ستظل ثابتة بصرف النظر عن تهديدات واشنطن. اما عدنان عمران، وزير الاعلام السوري، فيعتقد ان الامر الاكثر غرابة في الوقت الراهن في الادارة الاميركية هو تعدد الآراء وتضارب المواقف، مشيرا الى ان هذه الظاهرة غير صحية، خصوصا عندما يتعلق الامر بقوة عظمى. واكد عمران ان سورية ترغب في اقامة علاقات جيدة بينها وبين الولايات المتحدة قائمة على اساس الاحترام والالتزام بالمبادئ الدولية ومواثيق الامم المتحدة وليس على الموقف المتحامل لواشنطن وائتلافها مع اسرائيل. منذ تسلمه موقع الرئاسة عقب وفاة والده قبل حوالي عامين، كان على الرئيس الجديد بشار الاسد تعزيز حكمه في وقت يحيط به المتشددون الذين يمثلون اقرب المستشارين لوالده الرئيس الراحل. ويرى محللون ودبلوماسيون انه كان على بشار الاسد ان يضبط رغبته في اجراء اصلاحات في سورية ارضاء للحرس القديم الذي يتمتع بنفوذ واضح. فقد القى بشار الاسد احاديث استخدم فيها لغة متشددة ضد اسرائيل على العكس تماما من سلوكه المتواضع. ويقول معظم السوريين انهم لا يشعرون بالعداء تجاه الاميركيين لكنهم اكدوا رفضهم لسياسات الحكومة الاميركية. مظاهر الموقف المعادي للولايات المتحدة اقل ظهورا في دمشق مقارنة بعواصم عربية اخرى، رغم الملصقات المعلقة على جدران بعض المتاجر التي يظهر فيها العلم الاميركي على دبابة اسرائيلية بالقرب من قتيل فلسطيني سقط في بركة من الدماء. وكتب على هذا الملصق باللغتين العربية والانجليزية شعار يقول «لا تشاركوا في قتل الابرياء... قاطعوا البضائع الاميركية». اصبحت ماجدة طابا، صاحبة مطعم «اوكسجين» الشهير بدمشق، شخصية معروفة في العالم العربي الشهر الماضي عندما طردت من مطعمها القنصل الاميركي بسفارة الولايات المتحدة روبرتو باورز. وتقول ماجدة انها لا تكن عداء للشعب الاميركي او باورز شخصيا، لكنها ارادت فقط ان توصل رسالتها الى الولايات المتحدة. منذ ذلك الوقت بدأت ماجدة طابا تظهر في القنوات التلفزيونية العربية وتلقت عشرات المكالمات الهاتفية المؤيدة لموقفها، بالاضافة الى رحلات تسوق مخفضة الى بيروت. وتقول ماجدة معلقة ان: الكل يشعر بالاحباط والغضب خصوصا عندما وصف الرئيس بوش شارون بـ«رجل السلام». واضافت ان حظر الدبلوماسيين الاميركيين من دخول مطعمها سيظل قائما الى ان «تبدي الولايات المتحدة موقفا غير منحاز ازاء الشرق الاوسط».

*خدمة «كريستيان ساينس مونيتر» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»