السلطات الروسية حصلت على «تكافؤ شكلي» مع نظيرتها الأميركية بتوقيعها الأسبوع المقبل على اتفاقية خفض الأسلحة النووية

TT

لا تتجاوز اتفاقية الاسلحة النووية، التي سيوقعها الرئيسان الاميركي جورج بوش والروسي فلاديمير وبوتين، في الاسبوع المقبل، ثلاث صفحات، وما ستقوله عبر الكلمات اقل بكثير مما ستعنيه على مستوى الفعل.

فما ستعنيه لمناصريها أن التنافس الجغرافي ـ السياسي قد انحسر، ومخاطر وقوع حرب نووية مدمرة بين القوتين العظميين قد ارتدّت الى الوراء، اضافة الى التخلي عن أسلوب الرئيس الاميركي السابق رونالد ريغان غير الودي، الذي جسّده بشعار: «التوثق بعد التحقق». بدلا من ذلك، تبنى الجانبان حقيقة أن كلا البلدين يرغبان في تخفيض عدد صواريخهما المنصوبة، ولذلك فهما سيسعيان الى تخفيض عددها.

لكن الاتفاقية تمتلك أهمية سياسية متميزة، مثلما هي الحال لأهميتها العسكرية. وهي تأتي في وقت ثمين لكلا الرئيسين، عند لقائهما بعد أيام قليلة.

فبوش استجاب لطلب بوتين باعداد مسودة المعاهدة قبل لقاء القمة، بدلا من الاكتفاء بالمصافحة التي كان الرئيس الأميركي يفضلها لوحدها، اضافة الى أن الادارة الأميركية حصلت على ما تريده، وهو الوعد بتخفيض كبير جدا في عدد الأسلحة النووية الروسية، المنشورة حاليا، بدون تخفيض مقابل للرؤوس النووية الأميركية المثبتة على الصواريخ الأرضية أو في الغواصات أو محمولة على الطائرات القاذفة ذات المدى البعيد. كذلك لن تتضمن الاتفاقية أي ربط بين «نظام الدفاع الصاروخي» (المعروف باسم حرب النجوم) والأسلحة الهجومية الأميركية.

وقال ديمتري سايمس، رئيس «مركز نيكسون» للدراسات العسكرية: «أصبح للادارة الأميركية كعكتها التي تستطيع أن تأكلها، فهي تتمتع بمرونة عالية، واستطاعت أن تستخدم هذه المرونة بطريقة ودية مع الروس، وبدون تهديدات أو ضغط أو تعكير للأجواء».

وأضاف، أن بوتين حصل على الاتفاقية بدون أن يظهر بمظهر الضعيف; على العكس من ذلك، فهو سيظهر بمظهر الشريك عشية انعقاد القمة القادم في بطرسبرغ كذلك قد «حصل على وعد قاطع من الدولة العظمى الوحيدة بتخفيض مخزون أسلحتها في الوقت الذي لا تستطيع الحكومة الروسية توفير الصيانة لمخزون أسلحتها النووية».

وقال ستيفن سيستانوفيتش، من مجلس العلاقات الخارجية: «ان بوتين حصل على تأكيد (من الأميركيين) بأن علاقات روسيا بالولايات المتحدة لن تكون ذات اتجاه واحد، حيث تقوم الأخيرة بفرض الحقائق المزعجة على بوتين، ولا يكون أمامه سوى ابتلاعها، بل بدلا من ذلك، حصل على شيء، يبدو كأنه علاقة بين طرفين متكافئين».

على ضوء ذلك، ستتم ازالة آلاف الأسلحة النووية التي ظلت معلما أساسيا من معالم العداء بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق عبر عدة عقود.

لكن الاتفاقية تواجه نقدا مباشرا لفشلها في التعامل مع التهديدات التي تواجهها واشنطن بعد انتهاء الحرب الباردة. فخبراء الأسلحة يقولون ان الاتفاقية لم تتناول مسألة الامكانيات المتوفرة لتسرب الرؤوس النووية الى أيدي «الارهابيين» أو الدول الخارجة على القوانين الدولية، لأن ادارة بوش أصرت على أن يسمح للبلدين بتقليص أسلحتهما النووية عبر الخزن لا التدمير.

ونتيجة لذلك، قد تجد آلاف الرؤوس النووية الروسية، طريقها الى مخازن خاصة تتمتع بحراسة أمنية تعتبرها الادارة الأميركية، في أحسن الأحوال، «غير مضمونة»، بينما كان بالامكان تعطيلها بشكل دائم، لو فرضت اتفاقية أكثر تشددا على الروس.

ويقول ايفو دادلر، من معهد بروكنجز ان «تخفيض الأسلحة النووية لدى الجانبين شيء حسن، لكننا قد لا نكون أكثر أمنا بعد تطبيق الاتفاقية مما نحن عليه اليوم».

وحسب شروط الاتفاقية، التي تحتاج، أولا، الى المصادقة عليها من الكونغرس الأميركي والدوما الروسي، سيتم، خلال العقد المقبل تخفيض مخزون الأسلحة النووية عندهما، بنسبة ثلثي ما هو موجود لدى البلدين، حيث سيبقى لدى روسيا والولايات المتحدة، على التوالي، ما مقداره 1700 و2200 رأس نووي لكل منهما.

وستترك الاتفاقية للبلدين الحق في تحديد الطرق التي سيتبعها كل منهما لتخفيض عدد أسلحتها. وقال مسؤول من البيت الأبيض رفض كشف اسمه، ان البنتاغون هو المسؤول عن تحديد التفاصيل المتعلقة بالتزام الولايات المتحدة بالاتفاقية. وحسب هذا المسؤول نفسه، فان بعض الأسلحة الأميركية سيتم تدميرها، بينما سيتم وضع بعضها الآخر في «خزانات عميقة» أو أن توضع كقطع غيار للعمليات الحربية.

والمجموعة الأخيرة من الأسلحة لن تكون متوفرة، للاستعمال الفوري، للغواصات والقاذفات أو في مخازن الأسلحة لكن تنفيذ توزيعها سيكون سريعا.

ولم يطرح البيت الأبيض تصوراته عن الكيفية التي سيتم بها اعادة نشر الأسلحة النووية المخزونة. ومن جانبهم، يقول المناصرون لتحديد الأسلحة، انه من الصعب التنبؤ بالظروف التي سيكون فيها 2200 رأس نووي غير كافية.

لكن ادارة بوش تصر على أن الاتفاقية مرنة أمام «الظروف الأمنية المضطربة» في المستقبل. وتحتوي صفحات الاتفاقية الثلاث على فقرة تمنح الطرفين امكانية الانسحاب منها باعطاء تنبيه قبل ثلاثة أشهر.

ووفق هذه الفقرة أصبحت الاتفاقية أكثر قبولا لدى اولئك الذين لا يجدون أي سبب يبرر اجراء مفاوضات تتعلق بالتحكم في الأسلحة، في وقت أصبحت فيه الولايات المتحدة الدولة العظمى الوحيدة.

وقال فرانك غافني، رئيس معهد السياسة الأمنية، المحافظ: «هذه هي أقل النتائج سوءا». فالولايات المتحدة وروسيا قد بقيتا تسعيان للوصول الى هذه الاتفاقية خلال الجزء الأكبر من السنة الماضية، وفي الفترة الأخيرة، ساد الاختلاف الحاد بينهما حول حدود اخراج الأسلحة من دائرة الاستعمال.

واذا كانت روسيا قد أصبحت عاجزة، بسبب وضعها الاقتصادي المتدهور، عن توفير صيانة لمخزون أسلحتها، فهي ظلت تطالب بضرورة تعطيل الأسلحة. كما انها لا تمتلك الا القليل لتقايض به في مفاوضاتها، مما يسلط الضوء على الفارق الاقتصادي الكبير بين البلدين والذي يتسع، منذ انتهاء الحرب الباردة.

ويقول الخبراء، انه على الرغم من تفضيل روسيا لتفكيك الأسلحة وانهاء استعمالها تماما، فان بوتين يشعر سياسيا، الآن، بأنه مجبر لكي يحافظ على مظهر التكافؤ مع الولايات المتحدة، وذلك بخزن عدد مساو من الرؤوس النووية. وقال روبرت آينهورن، وهو مساعد سابق لوزير الخارجية لشؤون منع انتشار الأسلحة: «اذا كانت الولايات المتحدة تفضل خزن الأسلحة على تدميرها، فانه سيكون عسيرا على روسيا القيام بذلك».

لكن قدرة روسيا على ضمان سلامة مخزون أسلحتها النووية، أصبحت موضعا شك متزايد في السنوات الأخيرة. فحسب تقرير صادر عن «مجلس الاستخبارات القومي»، الذي يمثل وكالات التجسس الأميركية، يتميز نظام الأمن المتعلق بالأسلحة الروسية في كونه قد صمم لحمايتها من تهديد قوى خارجية، لكن مع انهيار الاتحاد السوفياتي أصبح هذا النظام عاجزا عن الاستجابة للتحديات الناجمة من تعاون بعض المتواطئين الروس مع عصابات اجرامية أجنبية.

* خدمة «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»