زواج «روميو» يهودي من «جولييت» فلسطينية يشعل فتيل المتطرفين

بعد زفاف هويدا العرّاف وآدم شابيرو يتوجه المدعوون إلى حفلة عرس في مكان سري خوفا من اليهود وغيرهم في ديترويت

TT

منذ المأساة الدموية في 1978 للقتيلين الشهيرين بحادث سيارة في باريس، المصري دودي الفايد والأميرة البريطانية ديانا، ونحن لا نسمع ما يثير في عالم العواطف العربية ـ الأجنبية المشتركة، سوى ما بدأ صداه يصل عن «روميو يهودي وجولييت فلسطينية» قررا القيام بانتفاضة على الحواجز المتنوعة بين العرب واليهود بسلاح الحب، وسيتزوجان وسط قرع طبول الخوف والتهديدات الأحد المقبل في ديترويت، بالولايات المتحدة، حيث تصبح ناشطة السلام هويدا عرّاف زوجة لليهودي الناشط مثلها بالحقل نفسه، آدم شابيرو.

وشابيرو لمن لا يعرفه تماما، هو مشاكس كبير من داخل البيت للاسرائيليين، وأثار ضجة عندما أمضى قبل شهر ليلة تضامن مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، حين كان محاصرا في مقره برام الله، وتناول معه الطعام، مغضبا بني جلدته في الداخل، ومثيرا غرائز العداء في يهود الخارج، ومعظمهم في نيويورك حيث يقيم منذ ولد قبل 30 سنة.

أما هويدا العرّاف، التي حدّثت «الشرق الأوسط» أمس طويلا عن زفافها، فمعروفة بين الأميركيين والعرب المهاجرين كعائلتها في ديترويت، حيث ولدت منذ 26 سنة، ومعروفة أكثر في الأراضي المحتلة بين من تنشط لقضيتهم وقضيتها، وكذلك للاسرائيليين الذين اعتقلوها الشهر الماضي وأعلنت اضرابا عن الطعام، انتهى بطردها «يومها اضطررت للعودة الى ديترويت لتحضير حفل الزواج، سنتوجه بعده مباشرة الى فلسطين لنقضي بين المشردين والمحتاجين شهر تضامن وعمل، لا شهر عسل» وفق تعبيرها بالهاتف امس.

وكانت هويدا أول من كشف لوكالات الأنباء في 30 مارس (آذار) الماضي أن شابيرو بين المحاصرين مع عرفات، قائلة إنه خطيبها ومن بروكلن في نيويورك، وإنه ممرض متطوع في اتحاد لجان الاغاثة الطبية الفلسطينية، وفي غيرها من منظمات تثير غضب الاسرائيليين، لذلك أقاموا الدنيا على عائلته في نيويورك، وأشبعوها تهديدات بالهاتف والفاكس والبريد الالكتروني. واضطرت بعد التهديدات لمغادرة البيت سرا في جنح الظلام، ولجأ شقيقه الوحيد مع والديه ستيوارت ودورّين، العاملين في نيويورك مدرسين، هاربين الى منزل أصدقاء خارج الولاية «لأن الناس بدأوا يصفون آدم بالارهابي ومساعد لعرفات، وهذا غير صحيح» وفق ما قال شقيقه المحامي، الحامل اسم أحد الأنبياء مثله، وهو نوح.

وكان شابيرو قد دخل مقر عرفات بعد أن أقنع سلطات اسرائيل العسكرية بالسماح لسيارات اسعاف بالدخول لمعالجة الجرحى، فتسلل معها، وهناك عرض عليه أبو عمار تناول الافطار معه امتنانا، فأثار الغضب، أكثر مما كان يثيره حين كان يقول ما يردده الآن أيضا، من أنه يهودي بالولادة، الا أنه لا يمارس ديانة اليهود على الاطلاق، لأنه خبير ديانات ودرس ثقافة الشرق الأوسط وقضاياه عند نهاية تخرجه بالعلوم السياسية والتاريخ من جامعة واشنطن.

كما عاش عامين في رام الله، وبعدها بدءا من 1997 في اليمن، حيث أقام سنة عمل خلالها مدرسا للانجليزية ومشرفا على رحلات سياحية للأميركيين، وناشطا في الوقت نفسه مع منظمة «بذور السلام» الهادفة لتعزيز التسامح بين المراهقين العرب واليهود، وهي ما تنشط فيه أيضا هويدا العرّاف، الشابة الفرحة بنفسها دائما على ما يبدو، فهي ما أن تبدأ أو تنهي جملة الا وترفقها بأقل من ضحكة وأكثر من ابتسامة.

* أنتم من أين يا هويدا تماما؟

ـ نحن من فلسطين. والدي هو جورج العرّاف، عمره 53 سنة وعامل ميكانيكي بمصنع سيارات «جنرال موتورز» بديترويت، وهو من قرية في الجليل اسمها معليا.

* والوالدة؟

ـ من عائلة عواد، ومن قرية بيت ساحور، وهي تعمل ممرضة بمستشفى قرب البيت.

* أنتم مسيحيون؟

ـ وكاثوليك شرقيون.

* أين سيكون الزواج؟

ـ في كنيسة كاثوليكية للكلدان المالكيين بضاحية من دويترويت.

* هل رضي بذلك شابيرو؟

ـ شابيرو لا فرق عنده، فهو لا يمارس أي ديانة.

* لماذا الأحد وليس السبت اذن، أليس لأنه يرفض الزواج في السبت، فأصر على سواه؟

ـ لا، بل لأن كل الكنائس مرتبطة بمواعيد زواج يوم السبت بديترويت، ولم نجد يوم أحد الا عند خوري ايطالي من كنيسة الكلدان، فكنيستنا الشرقية مقفلة للتصليحات.

* من سيحضر الاكليل في الكنيسة؟

ـ عائلتي وعائلته وحوالي 250 من الأقرباء والأصدقاء، معظمهم عرب وأميركيون، ومن بينهم نائب السفير الفلسطيني في واشنطن.

* ألم توجهوا دعوة لأبو عمار؟

ـ يا ليت يكون بيننا، فهو شمعة كل عرس، ولا يحتاج الى دعوة.

* ألن يأتي يهود أو اسرائيليون؟

ـ لن يكون هناك أحد منهم، فمعظمهم غاضب من هذا الزواج أصلا.

* يهددونكم الآن؟

ـ نخشى منهم كثيرا، لأن عائلة شابيرو تعرضت لتهديدات قبل شهر، وتأتينا تحذيرات من مجهولين بكافة وسائل الاتصال.

* قد يقتحمون عليكم حفل العرس ويقلبون الأفراح الى أتراح، ألم تتخذوا احتياطات؟

ـ اتفقنا مع المدعوين أن لا نذكر المكان الذي سيقام فيه العرس بعد الانتهاء من الاكليل في الكنيسة، وهو ناد في ضاحية من ديترويت، والى الآن ما زال سريا.

* وعائلتك، ألم تكن غاضبة؟

ـ الوالد كان رافضا بشدة، فهو متدين وفلسطيني وطني، ولكن بعد أن تعرف الى شابيرو وعرف منه أن الأولاد سيخضعون لتربية مسيحية، وبعد أن رضيت الكنيسة فقد وافق، وهو سعيد الآن كوالدتي واخوتي الأربعة تماما.. كلنا سعداء.

* وعائلته؟

ـ لم تعارض قط، بل أصبحت مع عائلتي من أشد الأصدقاء، ويزوروننا دائما.

* ماذا تشتغلين يا هويدا؟

ـ أنا الآن لا أشتغل، ولا شابيرو أيضا.. في السابق كنت مديرة مدرسة رقص غربي، ومن بعدها بدأت بالنشاط مع منظمة «بذور السلام» وجمعية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، فأنا فلسطينية أكثر مني أميركية بكثير، والبلاد وقضيتها دائما في بالي، كشابيرو تماما، فهو عربي أكثر منه يهوديا.. صدقني.

* من سيتكفل بمصروف بيت الزوجية يا هويدا؟

ـ لم نفكر كثيرا في المشكلة بعد، وكنت أصرف طوال عام من مبلغ وفرته، ولم يعد معي ولا فلس.

* وشابيرو؟

ـ مثلي تماما، ولكن بقي معه 5 أو 6 آلاف دولار على ما أعتقد، وهي تكفينا لتمضية الصيف في رام الله، فاليها سنتوجه بعد الزواج مباشرة.

* يعني، ستمضون شهر العسل هناك؟

ـ لن يكون شهر عسل، بل تضامن وعمل مع الفلسطينيين ضمن منظمة «بذور السلام» في برنامج «صيف الحرية». وقد نسافر يومين أو 3 أيام تلبية لدعوة رجل أعمال فلسطيني مهاجر بجامايكا، ومن بعدها الى رام الله.

الفرق الوحيد الخطير وقالت هويدا العرّاف، المتخرجة بالعلوم السياسية واللغة العربية والعبرية من جامعة ديترويت، إنها تعرفت الى شابيرو حين التقت به منذ عامين في القدس المحتلة، حيث يوجد فرع لمنظمة «بذور السلام» التي يتولى ادارتها منذ 4 سنوات هناك «يومها وجدته حنونا مع الآخرين، ومهذبا يسرع الى مساعدة الطالبين لأي خدمة، وهو ذكي وبسيط، وفيه ميولي ومواقفي نفسها، فملت اليه وأقنعت عائلتي، وعقدنا الخطوبة» على حد تعبيرها.

وذكرت أن شابيرو يتحدث العربية بعض الشيء بلهجة الفلسطينيين، لكنه يعرف القليل من اللغة العبرية «وهو ليس حاصلا على الجنسية الاسرائيلية مثلي، ويرضى بأن لا نطلق على أبنائنا في المستقبل أي أسماء يهودية».

* لنفرض أنك أنجبت طفلا، وأراد هو ختانه كعادة اليهود، فماذا سيحدث عندها؟

ـ اذا كان طلبه لسبب ديني، وهو لن يكون كذلك بالتأكيد، فقد أرفض، أما اذا كان لسبب طبي وصحي، فلا مانع، فالختان أفضل صحيا.

* أي أسماء ستطلقينها على أولادك مستقبلا؟

ـ أحب اسم غريب للصبيان وسلام للبنات، على اسم صديقتي. وشابيرو لا يعارض، مع أنه لم يعتنق المسيحية ولا أنا اليهودية، وكل منا على دينه، الا أنه لا يمارس يهوديته في شيء أبدا.

* هذا الفستان الذي تبدين فيه بالصورة، هل هو من فلسطين؟

ـ يا ليت. كنت أرغب في فستان من فلسطين، لكني لم أنجح، فبحثت هنا حتى وجدت واحدا مناسبا، اشتريناه من دكان قرب البيت، ولم ينته بعد، والصورة كانت عندما كنت أجربه.

* كلفك الكثير؟

ـ تقريبا ألفين و300 دولار.

* من دفعها؟

ـ أهلي، مع أن حالتهم متوسطة.

* هويدا العرّاف، بأي لغة تغازلين شابيرو اليهودي؟

ـ نغازل بعضنا بالانجليزية في معظم الأحيان، ونادرا ما «تفلت» كلمات بالعربية.

* هل ترددين لنا واحدة مثلا؟

ـ مثلا، مثلا.. أقول له يا حبيبي، بالانجليزي أو بالعربي.

* بماذا يرد؟

ـ يحن ويمتلئ بالعاطفة ويقول: ماي سويت هارت.

* يعني؟

ـ يعني «يا حبيبة قلبي».

* قد تتغير هذه الكلمات مع الوقت يا هويدا، خصوصا عندما ترزقين بأولاد وتطبخين في بيت يأتيه البريد كل يوم بفواتير وغيرها.. على فكرة هل تعرفين الطبخ العربي؟

ـ أعرف كيفما كان.. شابيرو يعرف أكثر، خصوصا المقلوبة، فهو يحبها، ولكن اذا رغب في ملوخية مثلا، فسأتصل بوالدتي لأسألها كيف تطبخها.

هويدا العرّاف، تهوى الرسم والدبكة وهي «ترقص عربي» بالبيت، وشابيرو مثلها يحب قراءة جبران وعمر الخيام ويعرف المتنبي، ويدبك و«يرقص عربي».. مثلها يحب وديع الصافي وصباح فخري وعمرو دياب وفيروز، والتهام أقراص الفلافل (الطعمية) على السريع بالشارع، بل يلعب طاولة الزهر بحماسة العرب للشيش بيش، ومثلها لا تطربه الا أوتار العود.

مثلها أيضا زار مصر والأردن وفلسطين، ويحلم بما تحلم به تماما، وهو زيارة لبنان وسورية «وإن شاء الله نقوم برحلة الى هناك اذا سمحت الظروف، ولو قصيرة» وفق تعبير هويدا، التي لا تبدو أنها تختلف عن زوج المستقبل الا في شيء واحد فقط: شابيرو ولد بنيويورك لعائلة توارثت ديانة قام معظم معتنقيها بتنظيم أنفسهم عبر التاريخ لاغتصاب أرض تنتمي اليها عروس ولدت بدورها في ديترويت، المدينة البعيدة التي لم تكن لتبصر فيها النور لو لم يشردوا أجدادها وأبويها وهم يانعون مثلها من فلسطين، ولكن كل شيء قسمة ونصيب، خصوصا الزواج وقفصه الغريب التناقضات: من في الخارج يحلم بدخوله، كما يحلم من في داخله بالتملص من قضبانه الذهبية.

=