قائد عمليات حرب العصابات في «القاعدة» لـ«الشرق الأوسط»: نهيئ لحرب طويلة ضد الأميركيين.. ونتزود الآن بأسلحة مضادة للطائرات

عبد العظيم المهاجر: عملية جربة من تدبيرنا وهي بداية والآتي قريب * انتظروا ضربة موجعة

TT

التقيته بعد عناء كبير. قصدت باكستان بناء على موعد، لكن الموعد صار «مواعيد» وكدت أيأس. وذات صباح دخل علي وجه لا اعرفه، رافقني في رحلة استغرقت اثنتي عشرة ساعة، هي المسافة بين المكان الذي كنت فيه والحدود الافغانية، وسلمني الى وجه آخر ايضا لا اعرفه.

بعد استراحة لم تطل، وكان الليل قد انتصف، ألبسوني رداء باكستانيا شعبيا، وأصعدوني في سيارة «جيب» سلكت وحيدة الطريق الجبلي الذي قادني الى محدثي. لا اريد ان استرسل في وصف مخاوفي، لكنني وجدت نفسي تلك الليلة معلقا بين عتمة الأرض وعتمة السماء والغموض الكامل الذي يحيط بمغامرتي الصحافية.

لكن مخاوفي تبددت عندما استقبلني القائد الذي جئت من اجله، تحت خيمة قد تكون نصبت خصيصا للقاء، كي لا يبقى بعده معلم أو أثر.

ماء وفاكهة وشاي وفنجان قهوة لبناني «اعددناه خصيصا لك»، كي يزيدني اطمئنانا. أما الحديث ففي الصباح.

اسمه عبد العظيم المهاجر، احد كبار قادة «القاعدة» العسكريين، وهو الذي سوف يقود الجانب الأهم من حرب «العصابات» التي بدأت في افغانستان، بعدما شارك شخصيا في المواجهة التي شهدتها «شايكوك» وتمت خلالها تصفية 16 اميركيا كان اسرهم مستحيلا.

والحديث الذي اجريته معه كشف عن مجموعة مما يعتبرها هذا القائد «حقائق»، ابرزها ان تنظيم «القاعدة» هو الذي نفذ عملية جربة التونسية، والمنفذ نزار سيف الدين يحمل اسما حركيا هو «سيف»، والثانية ان التنظيم يعد لضربة جديدة «اكثر ايلاما» ضد الاميركيين في موعد لن يتأخر، والثالثة ان «طالبان» و«القاعدة» قطعا شوطا بعيدا في التحضير لجولة قتالية قريبة بأسلحة ملائمة ضد الطيران، والرابعة ان المسؤول العسكري السابق في «القاعدة» ابو زبيدة الذي اعتقلته القوات الاميركية لن يفيد الاميركيين في شيء لأن مهماته لم تكن لها علاقة بما يبحث عنه الاميركيون.

وماذا عن الملا عمر وأسامة بن لادن؟

يقول القائد العسكري: ان اسامة بايع أمير المؤمنين، وهذه المبايعة مرادف للطاعة التامة، وكلاهما بصحة جيدة خلافا لما تروجه وسائل الاعلام الاميركية او «المتأمركة».

وأين فلسطين؟ انها في القلب والوجدان وهي الهدف النهائي، ولو ان الوصول اليها دونه عقبات في الوقت الحاضر. اما القتال ضد الاميركيين فهو قتال ضد اليهود، انهم الوجه الآخر للعنصرية الاسرائيلية.

* كيف تفسر اندحار «طالبان» بهذه السرعة وبصورة خاصة في كابل؟

ـ بالنسبة الى القضية المثارة، اي قضية «طالبان» ومعركتها مع اميركا، وكيف وصلت اميركا الى كابل بهذه السهولة، مثلما يرد على كثير من الألسن ووسائل الاعلام، اقول من موقع المعايش للمسألة، ان هناك اسبابا عدة، لا يمكن اسقاط واحد منها لحساب الآخر كما لا يمكن تقديم احدها على الآخر. السبب الاساسي هو اختلاف العدة والعتاد، بالمقارنة بين الاميركيين وطالبان. هذا التفاوت في نوعية الاسلحة هو الذي طبع المعركة منذ البداية بسمة خاصة، ومكن الاميركيين من مباشرة انواع من القتال لم تكن طالبان ـ واعني دولة افغانستان ـ قادرة عليها. اقول هذا رغم ان الشعب الافغاني التحم التحاما كاملا بالدولة حتى انه كان من الصعب التمييز بين حركة طالبان كمؤسسة رسمية وحركة الناس. والدليل ان الاسلحة كانت توزع على الشعب وقد سمح للذين يقتنون سلاحا بأن يتجولوا به بعدما كان ذلك محظورا قبل الحرب. الامر نفسه ينطبق على الاخوة الذين جاءوا من الخارج لنصرة طالبان، سواء من العرب او من المسلمين غير العرب.

ما حصل في الواقع ان القتال كان، منذ اللحظة الاولى، قتالا جويا. والطائرات كانت متنوعة أحصينا منها ستة انواع على الاقل، وكانت تسند الى كل نوع على حدة مهمة خاصة. فهناك الطائرة التي تحمل اطنانا من المتفجرات، وهناك الطائرة المزودة برشاشات ثقيلة لمطاردة السيارات والافراد، وهناك الطائرات المجهزة بمدافع وقنابل ثقيلة لتدمير المنشآت والخنادق والكهوف، وهناك ايضا طائرات مخصصة للانزال، الى جانب انواع اخرى واسلحة اخرى. هذا القتال لم تكن طالبان على استعداد له وقد وجدت نفسها معزولة في حرب لم تقررها ولم تعد لها العدة اللازمة. زاد هذه العزلة حدة تخلي الاصدقاء والحلفاء المحتملين، كباكستان وايران وروسيا والصين لان الحظر الاميركي كان قد شملها جميعا. هكذا واجهت طالبان وحدها الغزو الاميركي بدون اي حليف، سواء كان هذا الحليف فوق الارض او تحتها. بالرغم من هذا كله قاومت حركة طالبان مقاومة شديدة. كابل، مثلا، صمدت لأكثر من ستة اسابيع وهي تعاند القصف الجوي الذي صار في النهاية مسألة مملة، وفي غياب المنشآت العسكرية والاهداف العسكرية الواضحة تحولت الطائرات الاميركية الى قتل المدنيين ونسف الابنية السكنية والمدارس والمستشفيات. في تلك اللحظة ادرك الناس والمقاومون معا انهم يخوضون حربا غير متكافئة وانهم عاجزون عن المزيد من التضحيات. كانت القنابل قد بدأت تحصد النساء والاطفال والعجائز من دون ان تلحق اذى حقيقيا بطالبان. وعندما سقطت كابل لم تكن الخطوط العسكرية هي التي سقطت.. الرغبة في تقليص الخسائر على مستوى المدنيين الذين كانوا الاكثر تضررا في القصف الجوي، تقدمت على ما عداها من اعتبارات. والقصف الاميركي هو الذي سمح لما يسمى «قوات الشمال» (التحالف الشمالي) بدخول العاصمة، وهي قوات كانت عاجزة عن خوض المعركة لولا «سجادة القنابل» التي وفرها الاميركيون.

اعود فأقول ان كثافة العمليات الجوية التي ضربت الخطوط المدنية الخلفية هي التي حملت أمير المؤمنين (الملا عمر) على اصدار تعليماته الى القادة العسكريين باتخاذ ما يناسب من اجراءات. هؤلاء القادة الذين لمسوا ان المدنيين هم المستهدفون، قرروا في النهاية الانسحاب. كانت الحملة شرسة جدا وكثيفة جدا بأسلحة غير متكافئة، ولم يكن في وسعنا استعمال الاطفال والنساء دروعا بشرية، لكن عندما واجهنا الاميركيين على الارض في «شايكوك» رأوا من الدروس التي تعلمهم فنون القتال. في «شايكوك» كان السلاح الجوي هناك لكننا كنا في وضع افضل للتعامل مع هذا السلاح. في هذه المواجهة كان هناك مائتا مجاهد وليس الفان كما اشيع في حينه. مائة وعشرون من مقاتلي «الحركة الاسلامية المجاهدة» في اوزبكستان، واربعون بقيادة مولاي سيف الرحمن منصور، وثلاثون من الاخوة العرب معظمهم من اصحاب الخبرات العسكرية التي اكتسبوها من تجربتهم القتالية في افغانستان وخارج افغانستان. كنا اذا مائتين ولم يكن هناك مدنيون، وخضنا معركة نوعية، كانت هناك مواجهة وكانت هناك خنادق وتحصينات طبيعية، وعندما جاء الاميركيون بالسلاح الجوي لم يستطيعوا التأثير في مجرى المعركة، فقرروا اللجوء الى الانزال العسكري. قبل هذا القرار ارسلوا الينا تسع شاحنات تحمل مجموعات مقاتلة من «القوات المرتدة» فقضينا عليهم جميعا وقد اخذ سيف الرحمن اسلحتهم كلها وصاروا يبكون مثل النساء... واخيرا تم اطلاق الذين بقوا منهم احياء، ففروا منا والله مثلما يفر الصغير من شيء يخيفه.

في اعقاب ذلك قرر الاميركيون عمليات انزال، وفي اليوم الاول نفذوا ثلاثة انزالات على مناطق مختلفة، بمعدل خمسين جنديا او اكثر كل مرة. وقد حصل ان ثلاثة مجاهدين فقط تصدوا لأحد هذه الانزالات، احدهم يحمل رشاشا مزودا بمائتي وخمسين طلقة لا غير، الثاني كان يحمل رشاشا عاديا وقذيفتي «آر.بي.جي»، والثالث رشاشا آخر وست خزنات ذخيرة. هؤلاء وحدهم تصدوا للانزال ودحروه قبل ان يصل خمسة عشر مجاهدا آخر لمؤازرتهم. في اعقاب ذلك حدث قتال ليلي في موقعي الانزالين الآخرين، فاستعان الاميركيون بقاذفات تعمل في الليل وقصفوا احد تجمعاتنا فقتل اكثر من عشرين مجاهدا، لكننا واصلنا القتال حتى الصباح، وبعده قررنا الانسحاب الى مواقع اقل خطرا قرب قرية «شايكوك». وهناك استمرت المعركة ستة ايام متواصلة، بقيادة الملا جواد (شقيق سيف منصور). خلال الايام الستة كانت الانزالات متواصلة وفي كل مرة كنا نضع الجنود الاميركيين بين فكي كماشة، الى ان قرروا وقف العملية للتخفيف من خسائرهم. وعادوا من جديد الى القصف الجوي. واذكر والله ان العمليات الجوية لم تتوقف لحظة واحدة طوال ايام المعركة، ومع ذلك قمنا بأعمال مؤثرة وراء الخطوط الاميركية الخلفية، وكنا في حركة التفاف متواصلة والخسائر الاميركية كان يمكن ان تكون كبيرة لو ان الاعداد التي انزلت كانت اوفر. في نهاية اسبوع القتال اضطررنا الى النزول من القرية، مع بعض حلفائنا الافغان، فوجدنا في طريقنا ستة عشر اميركيا يحملون اسلحتهم الكاملة علما ان سلاح كل جندي اميركي يفوق كماً ونوعاً سلاح خمسة من مقاتلينا، سواء لجهة الكثافة النارية او القدرة على الاختراق او القتال الليلي وغيره من التقنيات المتطورة. نحن اسلحتنا معروفة وقد غنمناها من الروس يوم قاتلنا الجيش السوفياتي في الجهاد الاول. ومع ذلك لم يتمكن هؤلاء من اطلاق رصاصة واحدة في اتجاهنا. جلسوا في ركن احدى الغرف يبكون وينوحون، وعندما وجدنا صعوبة في سحبهم اضطررنا الى ابادتهم اجمعين. اقول هذا كي اعطي الدليل على نموذج القتال الذي كنا نتمناه، والاميركيون يعرفون ان المواجهة الارضية مع «المجاهدين» مسألة صعبة جدا، وانهم خسروا عددا من الطائرات لاننا كنا نجيد استعمال اسلحتنا المتواضعة.

واعود الى قضية كابل لأقول ان الاميركيين حققوا ما يعتبرونه انتصارا بفضل السلاح الجوي وحده ومن خلال استهداف المدنيين بصورة خاصة. ولقد رأيتم اعداد المدنيين الذين سقطوا في كابل وفي قندهار وفي جلال اباد وفي ولايات اخرى. ولقد وجدت قيادات طالبان انها تتحمل باستمرار المقاومة وزر قتل هؤلاء الابرياء، فكانت قرارات الانسحاب، واذكر هنا ببيان امير المؤمنين (البيان رقم 1) الذي حكا فيه ما كنا نعيشه. البيان الذي صدر في بدء المعارك وتضمن ثلاث نقاط رئيسية، في النقطة الاولى توجه الى المجاهدين في كل مكان، وفي افغانستان بصورة خاصة، بكلام الله سبحانه وتعالى «ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين»، وهذا يبين ان المعركة اسلامية بين الله سبحانه وتعالى والشيطان، بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. في النقطة الثانية هو أكد ان الامبراطورية الاميركية، وهذا ما سنراه بإذن الله، سوف تباد في افغانستان مثلما ابيدت سابقتاها روسيا وبريطانيا. والنقطة الثالثة تتمثل في ان على اميركا ألا تفرح اذا هي نزلت في افغانستان، لاننا سنحول «الجهاد» الى حرب عصابات. كل هذا يعني ان أمير المؤمنين كان واضح الرؤية منذ البداية، وكان يعرف تماما ان الانسحاب من المدن والاماكن الآهلة خيار لا بد منه من اجل تجنيب المدنيين المزيد من المآسي، لكن هذا الانسحاب كان السبيل الوحيد لنقل المعركة من مواجهة بين جيش ودولة بكل مقومات الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية، الى «حرب عصابات» حان أوانها. لم يعد يمر يوم واحد الا ويسقط قتلى بين الاميركيين. باختصار ان ما حدث في افغانستان كان انتقالا من حرب مستحيلة بأسلحة غير متكافئة الى حرب ممكنة نقرر نحن مكانها وزمانها على طول الاراضي الافغانية، والجولة الاولى ليست بالضرورة الجولة الاخيرة.

* ما هي حقيقة مبايعة اسامة بن لادن للملا عمر أميراً للمؤمنين؟

ـ الشيخ اسامة بن لادن بايع بالفعل أمير المؤمنين، وهذه المبايعة بالنسبة الينا كمسلمين تعني الطاعة التامة. انه احد القادة العرب الذين قادوا المجاهدين في افغانستان خلال «الجهاد» الاول قبل ان يساندوا طالبان ويبايعوا أمير المؤمنين، وهو بهذه الصفة فرد من الافراد المسلمين له ما لأي مسلم آخر في افغانستان وعليه ما على المسلمين الآخرين.

* هل لا تزال هذه الطاعة قائمة بعد الحرب؟

ـ لقد تبدلت طبيعة الحرب لكننا لم نسمع حتى الآن ان الملا عمر خلع رتبة الامارة ولا من الشيخ اسامة بن لادن انه تراجع عن هذه الطاعة. الامارة لا تزال قائمة ونحن نسعى الى استعادتها، والطاعة ايضا قائمة.

* كثيرون يشككون في التزام بن لادن بالقضية الفلسطينية، رغم انه اقسم بعد هجمات نيويورك وواشنطن على ان اميركا «لن تحلم بالأمن قبل ان نعيشه واقعا في فلسطين». فهل ان ما حدث في اميركا كان نتيجة لما يحدث في فلسطين؟

ـ الشيخ اسامة بن لادن يعتقد أن اميركا هي السرطان والأفعى الكبرى التي من خلالها يعاني الاسلام من الهنات التي نراها، وهو يرى ان ضرب الاميركيين هدف استراتيجي من خلاله نستطيع ان نحقق انتصارات في فلسطين وفي كل بقاع الاسلام الاخرى. ان ضرب الاميركيين بهذا المعنى هو ضرب مباشر لكل الطواغيت الذين تجبروا على المسلمين في ارض الاسلام.

واريد هنا ان اذكر بأن أمير المؤمنين الملا محمد عمر ما انفك ابدا يحرض على مساعدة المجاهدين في فلسطين، حتى انه عندما عمل على ترتيب امور التدريب العسكري في افغانستان كانت الابواب مفتوحة لكل من يعمل لقضية فلسطين، وكانت توصيته الدائمة ان لا قيود ولا شروط على من يعمل من اجل فلسطين، وقد سمعته مرة يقسم بالله العظيم ان لولا قلة الجهد وقصر ذات اليد التي يعانيها لكان يعطي كل ما يملك لفلسطين، وكان يردد انه عندما ينتهي من مسألة الشمال والمخالفين سيتفرغ بصورة كاملة لدعم القضية الفلسطينية. هذا على مستوى أمير المؤمنين، وكل من جاء الى افغانستان وتدرب وجاهد يعتبر ان قضية فلسطين هي قضيته الاولى، واذا ما سبقتها قضايا فليس من اجل اهمية هذه القضايا، وانما لأحد امرين; اما ان المباشرة بهذه القضايا تقود في النهاية الى فلسطين، واما ان العجز عن الجهاد في فلسطين حول هذا الجهاد الى مكان آخر في انتظار ان يحين موعد القتال ضد اليهود. هذا القتال يتجذر في نفوسنا جميعا، واذكر انني سمعت في «شايكوك» خلال المواجهة مع الاميركيين اكثر من مجاهد يقول «كنا نتمنى لو ان هؤلاء الشهداء على ارض فلسطين وان يكون جهدنا منصبا على فلسطين دون غيرها في هذه المرحلة». المجاهدون في كل مكان لهم عينان، عين على ما يباشرون من قضايا وعين اخرى مستمرة على فلسطين. الذين منعونا عن قتال اليهود حتى الآن هم اولئك الخونة، اي الجبهات التي تقاتل المجاهدين وتعمل على حماية اسرائيل بالقوانين المصطنعة والمصالحات المصطنعة. ان فلسطين لم تنفك ابدا في قلوبنا، ونسأل الله سبحانه وتعالى ان يرى اليهود افعالنا في فلسطين قريبا ان شاء الله.

* كيف تنظرون الى واقع الجماعات الاسلامية العربية الموجودة على الساحة الافغانية، وهل كانت التطورات الاخيرة عامل توحيد في صفوف هذه الجماعات ام عامل تفرقة؟

ـ اننا نسأل الله عز وجل ان يعين كلا في ميدانه، وعندما اتكلم عن الجماعات الاسلامية الجهادية فليس من اجل تجاهل الجماعات الاخرى. والجماعات الجهادية لم توجد لأجل التفرع ولم تصنع نفسها طلبا للفرقة وانما صنعها واقع مشتت، فجاءت بأحجام صغيرة لانها كانت في منأى عن بعضها البعض. لكن الساحة الكبرى التي تلاقت فيها القوى الجهادية هي افغانستان، وقد رأينا بعد ذلك اتحادات كثيرة ومحاولات تنسيق كثيرة بين المجاهدين والجماعات الجهادية، ولا نزال نحتاج الى وقت قبل ان تتبلور الاهداف الواحدة والقيادة الواحدة مثلما يحصل الآن في القتال ضد الاميركيين، ولا نزال نسعى في هذا الاتجاه ونسأل الله ان يهدي المسلمين الى ما فيه خير الاسلام.

* هل هناك تعاون بينكم وبين «حماس» و«الجهاد» داخل فلسطين؟

ـ نحن نعتبر القضية الفلسطينية قضية المسلمين جميعا وليست قضية الجماعات الاسلامية وحدها. ان فلسطين مقصدنا جميعا وقد حال بيننا وبينها الطواغيت. ونحن نسعى جاهدين لفك الحصار الذي ضرب بيننا وبين هدفنا الاعظم الذي سنقاتل فيه اليهود، وكلنا يتمنى الشهادة على الارض المقدسة. فلسطين اذاً ليست قضية المجاهدين فحسب بل قضية كل المسلمين، وسنتعاون مع كل مسلم يستطيع ان يقربنا من هذا الهدف.

* الاميركيون اعلنوا القضاء على تنظيم «القاعدة».. ما هي الحقيقة حول هذا التنظيم وقدراته العسكرية، وهل انه تنظيم موجود في نهاية المطاف؟ واستطراداً كيف ترون مستقبل الصراع مع الاميركيين، هل انه سوف يظل محصورا في افغانستان ام انه سيتجاوز الحدود الافغانية الى العالم كله؟

ـ ان احداث 11 سبتمبر (ايلول) تجيب عن هذا السؤال. ان سقوط البرجين واحتراق البنتاغون يبينان ماهية تنظيم «القاعدة» وقدرته على اختراق الامن الاميركي. هذا الاختراق من خلال عصبة محدودة العدد يدل على ان التنظيم ليس محصورا ببقعة جغرافية معينة، وانما هو موزع في اصقاع الارض. اما القضاء على تنظيم «القاعدة» فكلام يصلح للاستهلاك الاعلامي، فأمير هذا التنظيم الشيخ اسامة بن لادن موجود واعماله ماثلة للعيان. ان عملية ضرب المعبد اليهودي في تونس (جربة) نفذها اخوة في تنظيم «القاعدة» والحبل على الجرار، والاخبار التي تحملها الايام المقبلة سوف تؤكد مرة اخرى استمرارية هذا التنظيم وصلابته واصراره على تطوير نفسه، في هذا السياق اؤكد ان منفذ العملية نزار سيف الدين التونسي هو احد مجاهدي «القاعدة» واسمه الحركي «سيف»، واضيف: صحيح ان المعركة التي خضناها في افغانستان بعد 11 سبتمبر بدلت طبيعة التحرك لجهة العمل الميداني والظهور الاعلامي ومراكز التدريب وخلالها، لكن احدا لا يستطيع ان يقول ان التنظيم انتهى او ان حركة طالبان انتهت بدورها. طالبان انتشار في عمق الشرعية الافغانية الاهم، اي شريحة طلبة العلم والعلماء، وعلى مستوى الاراضي الافغانية كلها، وحتى الآن لا يزال أمير المؤمنين يباشر القتال بشخصه لولا ان المقربين منه يمنعونه من ذلك حفاظا عليه. اكذوبة القول ان طالبان انتهت وان «القاعدة» انتهت وان المجاهدين العرب انتهوا. ما زلنا والحمد لله نواصل القتال، وارض افغانستان تشهد ان معاركنا ضد الاميركيين لا تزال قائمة.

* أبو زبيدة الذي اعتقل اعتبره الاميركيون صيدا ثمينا.. ما هي ظروف هذا الاعتقال وما اهميته؟

ـ احب اولا ان اوجه الى المسلمين عامة والمجاهدين خاصة كلمة تتعلق بالأسرى، انهم في رقابهم وسوف يسألون يوم القيامة، هؤلاء الرجال الذين ارادوا ان يعيدوا الى الامة عزها، وان يرفعوا لهذه الامة بعد السقوط مجدها. ان الله عز وجل امرنا امرا لا خلاف فيه انه لا يجوز الاستئسار ولا يجوز للمسلمين ان يتركوا الاسرى. وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم الى ذلك وأمرنا بفك الاسرى حيث قال الله عز وجل في سورة النساء «ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا». والعلماء قالوا: لا يجوز للمسلمين ان يمكنوا رقابهم او رقاب بعضهم للكافرين. وقال النبي صلى الله عليه وسلم «فكوا العاني» اي الأسير. من كلام الله عز وجل ومن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ان ما يعانيه اسرانا في غوانتانامو في رقبة كل مسلم. المسلمون جميعا مطالبون بأن يقوموا بكل ما في وسعهم من اجل هؤلاء الاسرى وكل اسرى المسلمين، سواء في غوانتانامو او فلسطين. واما الذين في غوانتانامو، والحمد لله فشهادة سيكتبها التاريخ، والتاريخ صفحاته قليلة. سيكتب التاريخ ان هؤلاء الاسرى لم يعطوا رقابهم سهلة هينة، ونسأل الله ان يمكننا من رقاب هؤلاء الاوغاد (الاميركيين) كي نتمكن من فداء اخواننا في غوانتانامو. اما بخصوص الاخ ابو زبيدة، عجل الله في فك اسره وفرج عنه وعن جميع المسلمين والمجاهدين، فأقول ان الاميركيين لم يحققوا في افغانستان اي هدف كبير، والكونغرس لا يزال يسأل حتى الآن: ماذا حققتم هناك؟ ماذا اوجدتم، صراعات ومتاعب ام اهدافا كبيرة؟ واقول ان الاعلام الاميركي الخبيث رغم انه اخترق العالم كله فلم يبق بيت الا ودخله، لا يزال يبحث عن اهداف، وكلما حصلوا على هدف ضخموا دلالاته بصورة مقصودة وكأنه انتصار تاريخي. اعطي مثلا على ذلك «ابن الشيخ»، انه رجل كبير له نشأته بين المجاهدين، وعندما قبضوا عليه قالوا «انه اكبر رمز لتنظيم القاعدة»، وطبلوا وزمروا... ولم نسمع حتى الآن ماذا قدم لهم ابن الشيخ. ان هذا التهويل ينطبق ايضا على ابي زبيدة فك الله اسره. اضيف ان القبض على مجاهد في تنظيم «القاعدة» لا يعني القبض على التنظيم بكامله او كشف اسراره كلها. هذه مسألة لا وجود لها في تنظيمات المجاهدين، ثم ان الاخ ابا زبيدة رجل كان له حضوره في وسط المجاهدين، لكن التحقيقات التي يدعون فيها انه يكشف بعض الامور، سوف تثبت ان ليس في جعبته شيء مما يريده الاميركيون. لن يستطيعوا، عن طريق ابي زبيدة، ان يصلوا الى مقر الشيخ اسامة بن لادن، او مقر أمير المؤمنين، او الاهداف المستقبلية للقاعدة او طالبان او الاستراتيجية التي بدأت تبنى للمرحلة المقبلة. لن يجدوا في ابي زبيدة كل هذه الامور، وسوف يكتشفون انه كان يساعد المجاهدين ويعين بعض المتزوجين ويسهل دخول بعض المجاهدين الى افغانستان عن طريق تبسيط الحصول على التأشيرات او ما شابه... هذا امر اظن انهم يستطيعون الحصول عليه من اي مجاهد اسير في غوانتانامو. لن يجدوا شيئا آخر عن الاخ ابي زبيدة.

* هل يمكن ان نتوقع ضربات جديدة ضد الاميركيين، وما تقول للاسرائيليين؟

ـ بالنسبة الى الاميركيين، اقول الحمد لله اننا عرفناهم عن قرب، وهم كذلك اخزاهم الله ان عرفونا عن قرب. ومن حمى «شايكوك» لا يزال هنا فليجهزوا انفسهم لأمثالها، وليعدوا رجالهم ان كان عندهم رجال. ونسأل الله عز وجل ان يعيننا على المرحلة المقبلة، اي «حرب العصابات» والتحكم بالتعامل مع الطائرات، والحمد لله لقد قطعنا في ذلك اشواطا. اما اليهود فنسأل الله ان يعين اخواننا الفلسطينيين بنا وان يقذف بنا على اليهود، فاننا والله اعظم ما نتمناه ان تنحر رقابنا وان تهرق دماؤنا وان تبلغ جهودنا ذروتها في فلسطين والقدس وعند اخواننا في فلسطين. ونحن لا نملك لاخواننا في فلسطين، الا ان نقول لهم: نتمنى ان نكون لكم حماة، وان نباشر معكم العدو، وهذا والله الأمر الذي لن نألو فيه جهدا ولن نقصر حتى نصل اليه، ونحن نبشرهم اننا على الخط سواء. واذا كنا نقاتل اليوم الاميركيين فلأننا نعتقد انهم الوجه الآخر لليهود، وقتالنا هذا نعتبره قتالا لليهود.