بن فليس رئيس الحكومة الجزائرية لـ«الشرق الأوسط»: أتطلع «لعصرنة» الجبهة وعودتها بإرادة الشعب الجزائري

الحزب خضع لمراحل تاريخية والجزائر حققت الكثير من الإنجازات تحت قيادة جبهة التحرير

TT

تتصارع الاحزاب السياسية في الجزائر هذه الايام، على استقطاب اكبر عدد من الناخبين لملء قاعات السينما والاماكن العامة، حيث يتوجه رؤساء الاحزاب والمرشحون الاحرار للانتخابات التشريعية المقرر تنظيمها في 30 مايو (ايار) لجمهورهم مستعرضين الخطوط العريضة لبرامجهم الانتخابية، وذلك لمن كان له برنامج.

وفي هذا الصدد، دعيت «الشرق الأوسط» من قبل علي بن فليس رئيس الحكومة الجزائرية والامين العام الحالي لحزب التحرير الوطني لمحاورته خلال رحلته الى ولاية جيجل الواقعة على بعد 350 كيلومترا شرق البلاد حيث تحدث عن تطلعات الحزب العريق في الساحة السياسية الجزائرية ومدى اهمية الاصلاحات التي يجريها داخله لاعادة تلميع صورته واستقطاب الناخبين والشباب الناقمين على السلطة ومن كان فيها.

واعترف بن فليس امين عام الحزب الذي لم يمر على تسلمه قيادة «جبهة التحرير»، الا اشهر قليلة بثقل مسؤوليته في المضي في عملية التجديد والاصلاح لهياكل الحزب في البلاد والارتقاء به الى الخوض في ادوار وطموحات اكثر حداثة وعالمية تعتمد على الشبان سواء كانوا ذكورا او اناثا. واضاف ان الماضي كفيل بالحكم على من سبقوه، معربا عن شديد قناعته بان تنظيمه تحت قيادته سيكون له اثر ووقع آخر على مجريات الاحداث في الجزائر. وفيما يلي نص الحوار:

* خلال ايام قليلة يقبل الجزائريون على انتخاب اعضاء ثاني مجلس شعبي تعددي (البرلمان)، في ظل ظروف سياسية واقتصادية متذبذبة، فما اهمية هذا الاقتراع الجديد في حياة حزبكم؟

ـ منذ شروعي في قيادة حزب جبهة التحرير الوطني في سبتمبر (ايلول) الماضي شرعت في تنفيذ اصلاحات عميقة في هياكل الحزب وحتى في ما يتعلق بآفاقه المستقبلية، وذلك من منطلق تفعيل اساس المشاركة النسائية والشبانية التي قلت الى حد كبير خلال السنوات الماضية.

وبامكانك ملاحظة ذلك، والامر الذي أتأسف عليه كثيرا، خلال الانتخابات البرلمانية التعددية الاولى، هو غياب العنصر النسائي من قوائم الجبهة كلية. اما الان، فلم نكف على اضفاء الطابع الشبابي على هياكل الحزب خصوصا في المراكز الريادية، كما شجعت انضمام المثقفين كي نرتقي بنوعية المناضلين المنتسبين الى هياكله وتميزه كحزب عن غيره.

* سمعة جبهة التحرير التي تريدون تنشيط او تفعيل دورها في الساحة «مضروبة»، والامكان القول ان الشباب ينقمها ويراها السبب في تدهور حاله..؟

ـ انا سعيد بسماع هذا النقد، لكن دعيني اقول لك ان الحزب خضع لمراحل تاريخية، اذ كانت له الريادة في تفجير الثورة التحريرية ثم اتت بعدها مرحلة الاستقلال وبناء اسس الدولة المستقلة ولو انها اعتمدت على نظام الحكم الواحد، اي الحزب الواحد. وليس دوري حاليا ان احكم على تلك المرحلة من التاريخ، واذا حكم الحزب او لم يحكم وعن طريقة حكمه. لكن الحزب اليوم يوجد في ظروف ومناخ سياسي تعددي تنافسي أفرز معطيات جديدة.

ومن منطلق احترام مبدأ حرية تعبير الاخرين او تقييمهم لعمل حزبنا، فنؤكد لهم ان الحزب مثل غيره يتكون من مناضلين ويعيش من اشتراكات اعضائه من مناضلين ومناضلات، ولم يعد يستفيد من موقع ما، بل اصبح كسائر الاحزاب في الساحة.

وان كنا وقعنا في اخطاء في السابق فسنعمل على تداركها، كاعطاء الشبان ادوارا ريادية، وذلك سواء كانوا ذكورا ام اناثا. كما ان الحزب يتجه في برنامجه نحو تكريس برنامج سوق، اجتماعي، يهتم بشرائح المجتمع الفقيرة وذات الدخل المتوسط لحماية مدخولها.

* لكن عدا سنوات العشرية الماضية فان حزبكم حكم وسير، ومن ثم فانه مسؤول عن جزء مهم من الازمة التي تعيشها البلاد في تقدير الكثيرين؟

ـ من لا يعرف جزائر عام 1962 بامكانه ان يتناول هذا الخطاب ومن حقه ان يحلل الوضع السياسي والاقتصادي على هذا المنوال. وما اريد قوله ان الجزائر بعد ثلاثة عقود من الاستقلال حققت الكثير من الانجازات وسجلت تحت قيادة حزب جبهة التحرير الكثير من المحاسن في مجالات عدة، كالاعمار وبناء المعاهد التعليمية المتخصصة ورفع نسب التدريس التي جعلته اجباريا على الجميع الى غير ذلك.

ومن يريد ان يؤمن بما تقولين عليه ان يتحمل مسؤولية ذلك، لكن بالفعل يجب ألا ننكر للجبهة ما قدمته من مشاريع تنموية دفعت عجلة الحداثة والنمو في البلاد بعد الاستقلال.

* وما رأيكم لو تستجيب جبهة التحرير لما طالب به احد اعمدتها الراحلين محمد بوضياف، وتتخلى عن تسمية الحزب التاريخية، لكي تدخل متحف التاريخ كونها تسمية ملكا للذاكرة الجماعية للشعب الجزائري وليس لمجموعة فقط؟

ـ الرئيس بوضياف رحمه الله كان رجلا عظيما، والجبهة اسست لابناء البلاد الغيورين على تفجير ثورة نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1954 اما اليوم فان الجبهة ليست الا حزبا.

والاختلاف يكمن في كون حزبنا ليس هو الجبهة، اذ ان الجبهة ملك للشعب الجزائري، اما الحزب الذي أقوده فهو ملك لمناضليه الذين اختاروا الانضمام اليه. ولذا، لا نرى من داع لتغيير التسمية، لا سيما اننا فعلا في مرحلة تجديد وايجاد حلول للمعضلات التي تعيشها البلاد من تعميق الممارسة الديمقراطية وتحقيق المساواة الفعلية في الفرص بين الذكور والاناث.

* ما الذي تقومون به لكي لا تتكرر استفادة الكثير من شخصيات حزبكم، او شخصيات جديدة تنتمي اليه من سلطتها او مراكزها السلطوية لاغراض شخصية كما حدث في السابق؟

ـ اختي الكريمة، ربما انت تخلطين بين امرين: بين النظام كجهاز دولة وبين تسيير حزب جبهة التحرير الوطني. واذا اردت ان تنسبي مشاكل نظام الدولة للحزب او مشاكل الحزب للنظام فبامكانك فعل ذلك، الا ان الحزب يُقَيَّم الان على مواقفه السياسية وما لديه من رصيد عبر برنامجه الانتخابي وما سيحصل عليه من نتائج خلال الانتخابات البرلمانية. ودون هذا فان محبة حزب او عدم محبته هو أمر راجع او متروك للافراد.

* اذا رجعنا الى الجانب العملي، بغض النظر عن المقاطعة التي تنادي بها بعض الاحزاب للانتخابات التشريعية المقبلة، ما هو جديد بن فليس للمنتخبين؟

ـ برنامجنا طويل يتكون من اثني عشر تعهدا، سجلت تحت تسمية «وعقدنا العزم». ارضية تؤسس وتحث على التغيير للعقليات والممارسات داخل الحزب وهياكله فضلا عن طريق التسيير للادارة، وخصوصا انها تفتح آفاقا واسعة لاستحداث الكثير من المشاريع مؤكدين على التمسك بالاصالة والمواطنة.

* برنامجكم السياسي واضح، فضلا عن انه متوفر، لكن مع ذلك تعلمون بحكم مسؤوليتكم على رأس الحكومة ان النصوص والنية الحسنة لا تكفي. فما الذي تفعلونه للقضاء على المحسوبية ونهب أموال الدولة وتبذيرها او الحد من تهميش الشبان من الوصول الى المناصب القيادية؟

ـ كأمين عام لحزب اساسي في الساحة اقول انه كلما تعمقت الممارسة الديمقراطية وتجذرت تحسن تسيير الادارات. واعتقد ان الانتخابات التشريعية التي نحن على ابوابها ستسمح للمنتخبين ان يطلعوا على البرامج ومن ثم يختارون، اذ ان التداول على السلطة السبيل الوحيد الذي سيأتي تدريجيا بحلول للمسائل التي ذكرتها وللصعوبات التي تواجهها الدولة عموما.

ونحن الحزب الوحيد الذي الزم المرشحين على قوائمه في ولايات البلاد الـ 48 بانه في حالة فوزهم فعليهم ان يوقعوا على ما سميناه بـ«ميثاق المنتخب»، الذي يركز اساسا على خدمة المصلحة العامة قبل الشخصية والذاتية.

* لكن مشروع الرئيس الجزائري لدى انتخابه كان ايضا جميلا، والاشكال بقي في التنفيذ، اذ لا يوجد نظام محاسبة وجزاء يقيم فترات تسيير وحكم هذا وذلك، رغم تعاقب الرؤساء والحكومات والمسؤولين؟

ـ نحن مجرد حزب في الساحة السياسية مهما كانت اهميته، لكنه لا يملك ولا يحتكر السلطة ولا غيرها. واكرر ان تعميق الممارسة الديمقراطية ومن ثم الشفافية هي المسلك لرؤية ادارة افضل ثروات البلاد وقدراتها. اما الحساب والجزاء فقد شرعنا حاليا في الجزائر في اصلاح القضاء وهذه الاصلاحات لم تنته. ولذا من الصعب الجزم انه لا يوجد تحسن، فالعملية تستغرق وقتا لانها ليست مجرد اصدار لمواد قانونية فقط، بل يجب مواكبتها بتدريب الاطارات وتغيير العقليات.. وقد بدأنا في اصلاح المنظومة التربوية من خلال التعرف قبل كل شيء على محاسنها ومساوئها.

وما تقولينه يدخل في اطار اشمل وهو اصلاح الدولة، وهذا ما نسهر على تحقيقه.

* الحملة في القبائل

* هل ستشمل حملتكم الانتخابية منطقة القبائل في شرق البلاد؟

ـ نحن نقوم بها حاليا، كما نقوم بها في مقاطعات الجزائر كافة.

* هل تعتقدون ان نداء المقاطعة مهم ام غير مهم في رأيكم؟

ـ المقاطعة المشار اليها تعني اساسا الولايات التي يتمركز فيها حزبا التجمع من اجل الديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية، المطالبان بها، اما بقية الاحزاب فهي عازمة على خوض العملية بحزم. ونحن الان في بلد الحريات وحرية المواقف والتعبير.. فمن يريد المشاركة فليشارك ومن يريد المقاطعة فليقاطع، والدولة تحمي عملية التصويت والاقتراع.

* هل تتفقون مع خطاب رئيس التجمع الوطني الديمقراطي خلال حملته فيما يتعلق بمواقفه «الراديكالية» تجاه الاحزاب الاصولية في بلادكم؟

ـ حزب جبهة التحرير الوطني حزب عريق، ولا يمانع من ان يعبر اي تيار في البلاد عن نفسه ديمقراطيا وشعبيا ويحترم قوانين الدولة. وعلى كل واحد ان يتجه الى الشعب بما فيه نحن في الحزب. الشعب هو السيد في تقديري.

* الجالية الجزائرية في الخارج مقبلة هي الاخرى على انتخاب برلمانيي الهجرة، ما الذي ينوي حزبكم تقديمه لها؟

ـ نريد البقاء على صلة بالجالية في الخارج لمتابعة تطوراتها ايضا، ولذا اقترحنا تأسيس مجلس يجمع الممثلين المنتخبين عنها ديمقراطيا لكي نؤسس سياسة حوارية مع اعضاء الجالية وبحث انشغالاتهم تحديدا في هذا الاطار لكي يسهل التكفل بها او النظر فيها لاحقا.

والحزب لن يكون حاضرا في الخارج وفي فرنسا تحديدا كما كان في السابق، بل نريد التواصل عبر تنظيمات جمعوية وفئوية متخصصة بحسب متطلبات الجاليات في الدول المختلفة.

الحزب اليوم منفتح على العالمية ويتطلع الى عصرنة ممارساته وتحديث هياكله بما يساير طبيعة المجتمع الشاب من ذكور واناث.

ولذا اجد ان الحزب الذي اقوده يعود بقوة لكنني اريده ان يعود بارادة الشعب، ومن دون سطو على اصواته لاحد. فمقاعدنا نريدها ناتجة عن الارادة الشعبية، فان كانت قليلة فنحن راضون بها، وإن كانت كثيرة فهذا ما نتمناه ومستعدون لتحمل المسؤولية وتصحيح الاخطاء.

=