البيت الأبيض ينفي التقصير في التعامل مع تحذيرات المخابرات قبل هجمات سبتمبر

الديمقراطيون يدفعون باتجاه التحقيق في القضية وتشيني يصف اتهاماتهام بأنها «تفتقد الإحساس بالمسؤولية وقت الحرب»

TT

دافعت إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش بقوة عن أسلوب تعاملها مع تقارير استخباراتية وردت قبل هجمات 11 سبتمبر ( أيلول) الماضي على واشنطن ونيويورك، أشارت إلى أن تنظيم «القاعدة» كان يخطط لاختطاف طائرات، اذ قالت مستشارة الأمن القومي الأميركي كوندوليزا رايس إن المعلومات التي قدمت في أغسطس ( آب) إلى الرئيس بوش كانت عامة ولم تتعلق باحتمال تنفيذ هجمات على مبان. واضافت ان المخاوف في التقرير تركزت على احتمال تنفيذ هجمات على المصالح الأميركية في الخارج. وقالت «إنني لا أعتقد أن أحدا توقع أن يستولي هؤلاء الناس على طائرة ويصدمون بها مركز التجارة العالمي، ويستولون على أخرى ويصدمون بها البنتاغون». وكشفت رايس عن أن مسؤولي مكافحة الإرهاب اجتمعوا بشكل يومي تقريبا في صيف عام 2001 لتقييم التهديدات. وقالت إن شركات الطيران في الولايات المتحدة نُبِهت في أغسطس(آب) الماضي إلى أن جماعات إرهابية كانت تطور وسائل لتنفيذ عمليات اختطاف، باستخدام أسلحة مخفية في هواتف جوالة وسلاسل مفاتيح. لكنها أضافت أنه لم يكن هناك تحذير محدد، وإذاعة مثل تلك التحذيرات علنا ربما أدى إلى انهيار الملاحة الجوية . ونفت رايس وجود عجز استخباراتي، قائلة إن الولايات المتحدة نجحت في إحباط هجمات على روما وتركيا وباريس، كثمرة لجهود المخابرات. ويقول المراقبون إنه من غير المتوقع أن تضع تعليقات رايس حدا للانتقادات الموجهة إلى الحكومة الأميركية. وكان قادة كبار في الكونغرس قد طلبوا مزيدا من المعلومات عن التقارير التي كشفت عن أن البيت الأبيض تلقى قبل 11 سبتمبر إنذارا بإمكانية اختطاف طائرات. وقال ديك جيبهارت زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب إن على الكونغرس أن يعرف ما علمه الرئيس بوش والمسؤولون الآخرون في البيت الأبيض، ومتى كان ذلك وماذا فعلوا لتجنب الكارثة. وقال ريتشارد شلبي النائب الجمهوري لرئيس لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ إنه كان من الممكن أن يتغير الموقف إذا تصرف المسؤولون عندئذ تصرفا صحيحا على ضوء المعلومات التي وصلت إليهم. وأشارت التقارير إلى أسامة بن لادن وإلى تدريب الإرهابيين على الطيران ولكن آري فلايتشر الناطق باسم البيت الأبيض شدد على خلو الإنذارات من إشارة إلى عمليات هجومية جوية انتحارية. وقال فلايتشر إن كل الإجراءات المطلوبة اتخذت على ضوء تلك المعلومات وإن التهديدات قبل 11 سبتمبر تختلف تماما عن مثيلاتها التي جاءت بعد ذلك. وقال جون جانون الذي عمل رئيسا لمجلس المخابرات القومي: «لقد كان خطف الطائرات من الاشياء التي وضعناها في قائمة خيارات طويلة من التي لدى تنظيم القاعدة ومنظمات ارهابية اخرى، وعندما تركت المخابرات كنت قلقا أكثر بشأن الخطر البيولوجي».

واضاف: «انه عندما ترك المخابرات في يونيو (حزيران) الماضي كان يشعر بالقلق من ان اسامة بن لادن سيستخدم اسلحة بيولوجية اكثر منه خطف طائرات مثلما حدث بعد ثلاثة اشهر». ويجري مجلس المخابرات القومي الذي يتبع مدير وكالة المخابرات المركزية تقييما سريا للمخاطر المختلفة سواء كانت تتعلق بالصواريخ الذاتية الدفع البعيدة المدى أو بالارهاب.

وإضافة إلى التحذير الذي تلقاه بوش هناك واقعتان ظهرتا أخيرا تشير إحداهما إلى أن أحد ضباط مكتب المباحث الفيدرالي أرسل مذكرة يحث فيها إدارة المكتب على التحقيق مع رجال من الشرق الأوسط يدرسون الطيران في مدارس أميركية. ثم جاء اعتقال زكريا الموسوي الذي كان يدرس الطيران في إحدى مدارس ولاية ميناسوتا. يذكر أن مدير مكتب المباحث الفيدرالي روبرت مولر كان قد اعترف الأسبوع الماضي بأن المكتب تجاهل طلبا ورد إليه في يوليو (تموز) الماضي بالتحقيق في العدد غير العادي من دارسي الطيران من القادمين من الشرق الأوسط. وأضاف: «تلقينا تحذيرات عامة بشأن أسامة بن لادن من كافة أنحاء العالم ومن بينها الولايات المتحدة». وتوقيت هذا الاعتراف هام حيث تبدأ لجنة مشتركة منبثقة عن الكونغرس الشهر القادم تحقيقات بشأن فشل أجهزة المخابرات في ما قبل أحداث 11 سبتمبر. وقال البيت الأبيض إنه سيتعاون مع تلك اللجنة بشكل كامل. وفي الوقت نفسه نفى أن تكون مذكرة أصدرها مكتب المباحث الفيدرالي في أريزونا في يوليو الماضي كانت ستحول دون وقوع الهجمات. والمذكرة حذرت من أن جماعات مثل القاعدة ربما تبعث بطلبة المدارس لتعلم الطيران في الولايات المتحدة، إلا أن جميع من ذكرت أسماؤهم ليست لهم علاقة بالهجمات. وعلى الرغم من مراجعة المذكرة فإن المكتب لم يتخذ أي إجراءات لفحص سجلات مدارس الطيران أو طلبات الحصول على تأشيرات قدمها طلبة أجانب. كما لم يربط المكتب بين المذكرة وقضية زكريا موسوي الفرنسي من أصل جزائري الذي اعتقل في أغسطس( آب) الماضي عقب محاولته التدرب على تعلم الطيران في مينسوتا. وقال المكتب ان موسوي لم يكن مهتما بتعلم كيفية الهبوط بالطائرات. ومن المقرر أن يشكل المكتب وحدة لمكافحة الإرهاب لمراقبة جميع التحقيقات التي تجرى بشأن الإرهاب. وستشكل «فرقة خاصة» في واشنطن من مئات الضباط والمحللين ومكتب للمخابرات يرأسها موظف سابق بجهاز المخابرات المركزية. وفي الوقت نفسه اثار نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني احتمال شن هجوم ارهابي مدمر جديد على الولايات المتحدة وقال ان انتقاد الحزب الديمقراطي لاسلوب معالجة البيت الابيض لتحذيرات من اعمال ارهابية قبل 11 سبتمبر في هذا الوقت انما هو «عمل غير مسؤول على الاطلاق». وقال تشيني في كلمة القاها في نيويورك ان تحقيقا يجريه الكونغرس في الفشل المحتمل لاجهزة المخابرات قبل هجمات 11 سبتمبر يجب ان يعامل بأكبر قدر من الحيطة.

وقال تشيني في بداية الكلمة التي القاها في حفل عشاء بنيويورك: «أي تحقيق يجب الا يتدخل في الجهود الجارية لمنع وقوع الهجوم التالي لانه بدون شك ما زال يوجد خطر حقيقي جدا بهجوم آخر ربما اكثر خطورة، والاشخاص والوكالات المسؤولة عن مساعدتنا ودحر مثل هذا الهجوم هم انفسهم الذين سيتم تشتيتهم عن القيام بواجباتهم الحساسة، اذا تقاعس الكونغرس عن تنفيذ التزاماته في التصرف بطريقة مناسبة».

وهاجم نائب الرئيس الاميركي الانتقادات التي وجهها الحزب الديمقراطي للاسلوب الذي عالج به البيت الابيض التحذيرات من عمل ارهابي والتي سبقت 11 سبتمبر قائلا: «ان التلميحات بأن هذه الهجمات كان يمكن تجنبها انما هي تلميحات غير مسؤولة على الاطلاق، وما كان يجب ان تصدر عن زعماء قوميين في وقت الحرب».

وقال ريتشارد جيبهارت زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب: «هل كان هناك فشل من جانب المخابرات.. وهل المسؤولون المعنيون لم يتصرفوا ازاء معلومات المخابرات بطريقة مناسبة؟، هذه هي الاشياء التي نحتاج الى معرفتها». وقال السناتور توم داشل زعيم الاغلبية في مجلس الشيوخ انه يشعر بقلق بالغ.

وقال تشيني في كلمته انه يريد ابلاغ الاصدقاء الديمقراطيين في الكونغرس انهم يحتاجون الى توخي الحذر البالغ وعدم السعي لتحقيق مميزات سياسية من خلال تقديم تلميحات متعمدة، فالرئيس وانا نعتقد ان من اهم مسؤولياتنا هو ان نبذل كل ما في وسعنا لكي لا يتكرر الهجوم الذي وقع في 11سبتمبر مرة اخرى».

واضاف: «نحن نعتقد ان اجراء تحقيق شامل للاحداث التي ادت الى 11 سبتمبر امر مناسب للغاية ،وبناء على توجيهات الرئيس عملت مع زعماء لجنتي مجلسي النواب والشيوخ لضمان ان يحصلوا على التعاون المطلوب، لكن هناك التزاما على اعضاء الكونغرس بأن يتأكدوا من ان أي تحقيق يجري يجب ان يتم بطريقة محترفة ومسؤولة من جانب اعضاء يعرفون وملتزمون بتحسين قدرتنا على الدفاع عن الامة ،وليس اولئك الذين يسعون لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة الاجل».

وقالت مصادر قريبة من بوش انه قال لجمهوريين في اجتماع مغلق في مبنى الكونغرس ان « رائحة مناورات سياسية تفوح في الجو» لان الديمقراطيين يهاجمونه في هذه المسألة. ولم يعترف البيت الابيض ان بوش تلقي تحذيرا مسبقا قبل هجمات 11 سبتمبر بشأن عمليات خطف طائرات محتملة من قبل اتباع اسامة بن لادن ،الا بعد ان كشفت شبكة تلفزيون سي.بي.اس الاخبارية النقاب عنه اخيرا. ودأب بوش الذي حظي بشعبية واسعة لاسلوبه في ادارة ازمة 11سبتمبر على وصف الهجمات بطائرات مخطوفة بانها «هجوم جبان». وتتصاعد الضغوط داخل الكونغرس لتشكيل لجنة على مستوى عال للتحقيق .

وتساءل السناتور الجمهوري ريتشارد شلبي وهو نائب رئيس لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الاميركي: هل يعلم مكتب المباحث الاتحادي ما يدور في مقره.. من الواضح لا. والقى كل من السناتور الجمهوري جون مكين عن ولاية اريزونا والسناتور الديمقراطي جو ليبرمان عن ولاية كونيتيكت بثقلهما لتأييد اصدار تشريع بتشكيل لجنة مدنية مستقلة للتحقيق في هذه وغيرها من العوامل المحيطة بالهجمات.

وقال ليبرمان الذي كان مرشحا لمنصب نائب الرئيس في حملة مرشح الرئاسة الديمقراطي ال جور في انتخابات الرئاسة الاميركية عام 2000 : «لو كان هناك شخص واحد يتلقى كل هذه المعلومات فهل كان من الممكن منع ما حدث في 11 من سبتمبر ..هذا هو السؤال الذي يتعين على لجنة مستقلة ان تجيب عليه حتى لا نضطر لتوجيهه مرة اخرى على الاطلاق».

وفي ما يتعلق بالسؤال الرئيسي عن السبب في ان شركات الطيران لم تحط علما بتحذيرات ما قبل 11 سبتمبر قال فلايشر ان هذه المعلومات شأنها في ذلك شأن كل المعلومات الامنية الحساسة نقلت الى الشركات الناقلة من خلال سلسلة من البلاغات والاشعارات وعلى المستوى المحلي وعبر القنوات الامنية العادية ابلغت وزارة النقل والادارة الاتحادية للطيران المدني بمعلومات عامة كانت تشير الى عمليات خطف طائرات وان لم تنطو على تحذيرات محددة وتفصيلية.

واتاح هذا الجدل الجديد للديمقراطيين فرصة لاثارة تساؤلات بشأن بوش كما انه جاء في نفس الاسبوع الذي اغضب فيه الرئيس الاميركي الديمقراطيين لسماحه للحزب الجمهوري ببيع صورة التقطت له يوم 11 سبتمبر بهدف جمع تبرعات للمرشحين الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي لاعضاء الكونغرس المقررة في شهر نوفمبر( تشرين الثاني) القادم. ولمح بعض الجمهوريين الى ان الديمقراطيين يتحينون فرصة لمهاجمة بوش.

وقال السناتور الجمهوري عن ولاية ميسوري كيت بوند: «القصة الحقيقية هنا هي ان حفنة من الديمقراطيين يتهافتون على اي شيء لتوجيه ضربة لشعبية الرئيس».

ويذكر ان شبكة تلفزيون ان.بي.سي نقلت عن مصادر نافذة انه قبل يومين من هجمات 11 سبتمبر على نيويورك وواشنطن تلقى بوش «خطة حرب مفصلة» للقضاء على شبكة القاعدة. وقالت ان.بي.سي نقلا عن مصادر اميركية واجنبية ان بوش قدم اليه مرسوم رئاسي للامن القومي لتوقيعه يهدف الى استخدام وسائل تتراوح من الدبلوماسية الى القوة العسكرية لمحاربة شبكة ابن لادن التي تلقي عليها واشنطن اللوم في هجمات 11 سبتمبر .

واضافت: «ان الخطة كانت الى حد كبير نفس الخطة التي اتبعتها حكومة بوش عقب الهجمات وشملت مطالبة دول اخرى بالتعاون وتبادل معلومات المخابرات وتمزيق خلايا القاعدة باستخدام عمليات سرية وتجميد حسابات مصرفية للقاعدة ومنع عملياتها لغسل الاموال».

واوضحت انه على حين ان المرسوم كان على مكتب بوش في التاسع من سبتمبر (ايلول) الماضي فانه لم تتح له فرصة لتوقيعه قبل وقوع حادث خطف اربع طائرات ركاب واصطدامها بمعالم اميركية لتقتل نحو 3000 شخص. وكانت وكالات المخابرات الاميركية مشغولة بأن ابن لادن يطور اسلحة بيولوجية وكيماوية ويهدد بهجمات على الانترنت وتعطيل شبكات الكومبيوتر. وقال جانون: «كنا نبلغ الرئيس بشأن مخاطر واسعة النطاق تحيق بنظم الفضاء واحتمال ان يقوم اعداء أو منظمات ارهابية باسقاط اقمار صناعية باستخدام تكنولوجيا الليزر».

ومن قائمة المخاوف الامنية القومية مخاطر من الصواريخ ذاتية الدفع من روسيا والصين ومن قدرات كوريا الشمالية والعراق وايران على تطوير صواريخ يمكن اطلاقها ضد الولايات المتحدة. وقال جانون: «كما ابلغنا الرئيس بأنه يجب ان يشعر بالقلق بشأن اطلاق اسلحة غير تقليدية من اسلحة الدمار الشامل من قطارات أو زوارق أو طائرات، وعندما تركت مجلس المخابرات القومي لم اتمكن ولم تكن لدي المعلومات السرية التي يمكن من خلالها توقع أي من هذه الاشياء سيستخدم ،لكنني كنت قلقا للغاية اكثر بشأن الاسلحة الكيماوية والنووية كخيار للمستقبل».

وبدوره قال روبرت جيتس المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية: «ان عدد تقارير المخابرات التي كانت محددة مثل تلك التي مكنتنا من منع وقوع هجمات في الآونة الاخيرة على السفارات الاميركية في باريس وسنغافورة كانت نادرة للغاية، والمشكلة مع هذه التحذيرات بشأن الارهاب هو انها سمة تقارير تقدم منذ 20 عاما حتى الوقت الراهن، وان معظم الوقت ما تتلقاه هو ان شخصا ما يخطط لشيء ما وانه قد يستخدم هذا الاسلوب أو ذاك ،لكن لا يوجد وقت محدد ولا مكان محدد ولا يوجد على الاطلاق ما يعطيك وسيلة الحماية».

من ناحية اخرى طالب دان ريثر الاعلامي الاميركي المخضرم الاميركيين بعدم السماح لمشاعر الوطنية بعد هجمات 11 سبتمبر ان تمنعهم من توجيه اسئلة صعبة للرئيس بوش و لحربه ضد الارهاب. واضاف: «ان الاحساس العالي بالوطنية بعد احداث سبتمبر يمثل مخاطرة بالخروج عن نطاق السيطرة ويمنع الصحافة من محاسبة الحكومة بشأن الحرب في افغانستان».