الأجهزة الأميركية احتاطت لوقوع أعمال إرهابية.. إلا أنها عجزت عن تصور هجمات سبتمبر

TT

في الخامس من يوليو (تموز) من العام الماضي، أي قبل شهر ويوم من ابلاغ الرئيس جورج بوش لاول مرة بأن تنظيم «القاعدة» ربما يخطط لاختطاف طائرات، استدعى البيت الابيض مسؤولين من 12 هيئة اتحادية. وقال ريتشارد كلارك، ابرز مسؤولي مكافحة الارهاب في الادارة الاميركية، للحضور ان شيئا غير عادي سيحدث قريبا. وكان من ضمن الهيئات التي حضرت اللقاء ادارة الطيران الفيدرالية وخفر السواحل ومكتب المباحث الفيدرالي (اف بي آي) وادارة الهجرة والتجنيس.

وطلب كلارك من مكتب مكافحة الارهاب الغاء عطلات العاملين وارجاء الرحلات غير الضرورية وتأجيل التدريبات المقرر اجراؤها وتهيئة قوات التدخل السريع لاحتمال استدعائها على عجل. وظلت الحكومة الاميركية خلال ستة اسابيع في صيف العام الماضي على الصعيدين الداخلي والخارجي في اقصى حالة تأهب وقلق من وقوع هجوم ارهابي، لكن ذلك التوتر ذو الطابع الدفاعي لم يستمر كثيرا. فقد تلقى بوش في مزرعته في تكساس في 6 اغسطس (آب) الماضي معلومات وبدأت الحكومة التراجع عن حالة التأهب القصوى. كما ان التخطيط لشن هجوم على تنظيم «القاعدة» لم يكن اولوية في ذلك الوقت، علاوة على ان لجنة من مسؤولي مجلس الامن القومي الاميركي لم ينتهوا حتى ذلك الوقت من دراسة خطة بهذا الشأن، فضلا ان اقرب اجتماع لمستشاري ادارة بوش حول الارهاب كان سيعقد بعد حوالي شهر من تلك الفترة وانعقد بالفعل في 4 سبتمبر، أي قبل اسبوع من الهجمات على مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاغون. وأصبح تصرف بوش وحكومته ازاء المعلومات التي تلقوها في اغسطس من العام الماضي موضع جدل سياسي في الكونغرس منذ اول من امس. والقاء نظرة فاحصة على النتائج المترتبة على الاحداث، على ضوء اللقاءات المطولة التي اجريت مطلع العام الجاري مع الاشخاص المعنيين بالاضافة الى الافادات التي ظهرت اول من امس، تبدو مؤيدة لوجهة نظر البيت الابيض التي تعتبر ان بوش لم يتلق تحذيرات كافية لوقف الهجمات. كما تعكس الاهتمام الضئيل بعدو ادركت الولايات المتحدة جيدا على مدى سنوات ذكاءه وطموحاته الخطيرة.

ويقول مسؤول مطلع ان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية، جورج تينيت، كتب تقريرا مختصرا لمستشارة الامن القومي كوندوليزا رايس في 28 يونيو (حزيران) الماضي ورد فيه: «من المحتمل ان تشن شبكة القاعدة هجوما في المستقبل القريب خلال عدة اسابيع». وقال مسؤول آخر ان تينيت صار يردد هذه الحديث على نحو مكرر بنهاية صيف العام الماضي على نحو شعر معه البعض بالملل ازاء سماع هذا الحديث بصورة مكررة. وطبقا لحديث مسؤول آخر، فإن التنوير اليومي الذي يتلقاه الرئيس نادرا ما يتضمن «تهديدا بتلك الاهمية والتحديد»، واضاف ان الاشارة الى الخطف المحتمل للطائرات لم يؤيده تقرير محدد، اذ ان آخر تقرير بهذا الشأن كان عام .1998 يضاف الى ما سبق ان بوش ومستشاري ادارته لم يقتنعوا حتى ذلك الوقت بالتعامل مع «القاعدة» كخطر جدي على الامن القومي للولايات المتحدة. اما التحذيرات التي صدرت مطلع ومنتصف صيف العام الماضي، وهي التحذيرات التي وصفها مسؤولان في مجال مكافحة الارهاب بأنها الاكثر خطورة على مدى عقود، فقد تراجعت وباتت ثانوية خلال عطلة بوش في مزرعته. وهدد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في 9 سبتمبر من العام الماضي باستخدام «فيتو رئاسي» عندما اقترح مجلس الشيوخ تحويل 600 مليون دولار الى ميزانية مكافحة الارهاب من ميزانية نظام الدفاع الصاروخي. وقال بوش في لقاء اجرته معه صحيفة «واشنطن بوست» في 20 ديسمبر الماضي انه كان يدرك ان اسامة بن لادن يمثل «خطرا»، واضاف انه كان على استعداد لدراسة خطة لتقديمه للعدالة واصداره تعليمات بهذا المعنى، مؤكدا عدم وجود تردد لديه في هذا الشأن، بيد انه قال انه لم يكن يشعر بأن الامر كان ملحا لهذه الدرجة.

وطبقا لوجهة مسؤولين في مجال مكافحة الارهاب، فإن من ضمن اخطاء الحكومة الرئيسية فشل «مكتب المباحث الفيدرالي» في جانب متابعة التقارير الخاصة بمدارس الطيران. وقال مسؤول بارز في مكتب المباحث شارك في اللقاء العاجل الذي دعا اليه كلارك في 5 يوليو الماضي ان المكتب سيضاعف اتصالاته بالاجهزة الخارجية ويسرع خطوات الاجراءات الخاصة بتحليل المكالمات التي جرى التنصت عليها طبقا لقانون يسمح للسلطات بالتنصت على مكالمات من تشتبه في تهديدهم للامن القومي للبلاد، ولكن عندما ابلغ مخبر في فونكس باحتمال حدوث اختطاف طائرات بعد خمسة ايام من ذلك التاريخ، لم يطلع مكتب المباحث الوكالات الاخرى على ذلك. وجاء تقرير مخبر فونكس في خمس صفحات ارسل الى مركز الاتصالات التابع لمكتب المباحث، مشيرا الى صلات بين ارهابيين مشتبه فيهم من منطقة الشرق الاوسط وجامعة «امبري ريدل» لعلوم الطيران ببريسكوت. واوصى كاتب التقرير بمراجعة عملاء مكتب المباحث للمعلومات الخاصة بطلاب منطقة الشرق الاوسط في معاهد وكليات الطيران الاميركية، كما حذر من احتمال ان يكون بن لادن يحاول تدريب ناشطين على اختراق قطاع الطيران.

واعترف مدير مكتب المباحث، روبرت مولر، بأن المكتب كان من المفترض ان يستجيب بصورة عاجلة للتقرير المذكور، غير ان المكتب لم يطلع «المجموعة الامنية لمكافحة الارهاب» على التقرير، علما بأن لجنة مجموعة فرعية تابعة لهذه المجموعة تعقد ثلاثة اجتماعات اسبوعيا حول الاخطار والتهديدات المرتقبة. وطبقا لبعض المصادر، فإن التقرير لم يذهب الى ابعد من المكتب الرئيسي لمكتب المباحث الفيدرالي.

وقال مسؤول حكومي في مجال مكافحة الارهاب «حتى اليوم لم ازل اتلقى عشرات من التقارير يوميا من وكالة الاستخبارات المركزية ولا شيء من مكتب المباحث الفيدرالي». وكان مولر قد ادلى بشهادة في الاسبوع الماضي قال فيها ان المكتب يتعاون بطريقة شاملة مع غيره من الوكالات.

وذكرت المصادر ان اخر تقرير واضح باختطاف طائرة، ظهر عام 1998. عندما تردد ان احد ابناء الشيخ عمر عبد الرحمن الذي حكم عليه في عام 1995 بالتآمر لنسف انفاق وغيرها من المعالم الرئيسية في نيويورك، قال ان افضل وسيلة للافراج عن والده من السجن الاميركي هو خطف طائرة اميركية واخذ رهائن.

وفي العشرة اسابيع السابقة على 11 سبتمبر، اشارت معظم الاف المعلومات الاستخبارية الى هجوم على اميركيين او ممتلكاتهم في الخارج.

وقال تقرير في غاية السرية ظهر في نهاية يونيو (حزيران) من العام الماضي «ان دعاية القاعدة العلنية قد اثارت توقعات بين قيادتها واعضائها، وبين المتبرعين. وقد صعدنا الاجراءات الامنية في المواقع الاميركية في الخارج، وحذرنا الاميركيين وهددنا طالبان، ورفعنا عمليات جمع المعلومات، وتسببنا في القبض على عدد من اعضاء القاعدة الذين حددنا موقعهم».

وفي 22 سبتمبر فرضت القيادة المركزية والاوروبية درجة تأهبها وفي اليوم التالي امرت وزارة الخارجية الاميركية جميع البعثات الدبلوماسية بتأليف لجان طوارئ. واشارت وكالة الاستخبارات الاميركية الى ان معظم الاهداف المحتملة هي السفارة الاميركية في ايطاليا ومؤتمر قمة جنوى في شهر يوليو والفاتيكان. وهو الامر الذي دفع الرئيس بوش الى تغيير موقع اجتماعه بالبابا يوحنا بولس الثاني الى القصر الصيفي كاسل غوندولفو خارج روما.

وفي 3 يوليو تقدم تينيت بطلب عاجل خاص الى 20 وكالة استخبارية صديقة، طالبا منها القبض على عدد من الناشطين في القاعدة.

وفي 31 يوليو حثت ادارة الطيران المدني جميع خطوط الطيران المدنية على «الحفاظ على درجة عالية من الحذر». وقد تم التخلي عن كل هذه التحذيرات تدريجيا مع وقوع عمليات الاختطاف.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»