الحرب على «القاعدة» بدأت في عهد كلينتون وواشنطن اتفقت مع إسلام آباد على تدريب قوات كوماندوز لاعتقال بن لادن

TT

المعلومات التى كشفت حتى الآن عن كيفية تعامل البيت الابيض مع التحذيرات التي وصلته قبل 11 سبتمبر( ايلول)، والخاصة باحتمالات حدوث هجمات ارهابية، توضح بجلاء كبير حقيقة واحدة على الاقل: هي ان حرب الولايات المتحدة ضد «القاعدة» بدأت قبل 11 سبتمبر 2001 بوقت طويل. فمنذ شهورهم الاولى في البيت الابيض، اعتبر المسؤولون في ادارة الرئيس جورج بوش ان اسامة بن لادن يمثل خطرا ماحقا على الاميركيين. وتقول مستشارة الامن القومي كوندوليزا رايس ان الرئيس بوش شخصيا كان يضغط للاسراع بصياغة استراتيجية من اجل تدمير تنظيم «القاعدة»، وكان ذلك قبل اسابيع من ارتطام الطائرات المختطفة ببرجي مركز التجارة العالمي والبنتاغون.

كانت ادارة كلينتون طرفا هي الاخرى في صراع ضد «القاعدة» لم يكن الجمهور الاميركي على وعي كامل به في ذلك الوقت. وكان ذلك يشتمل على تدريب قوات كوماندوز باكستانية للقبض على بن لادن او قتله. واليوم ومع انتشار الروايات حول اعتزام «القاعدة» شن هجوم كبير على الولايات المتحدة، فان السؤال الهام والملح هو نفس السؤال الذي طُرح قبل 11 سبتمبر: يعرف القادة الاميركيون ان التهديد بوقوع عمل ارهابي هو تهديد حقيقي تماما، ولكن هل تملك وكالات الاستخبارات الاميركية الموارد وآليات التنسيق الكفيلة بحماية الامن الاميركي؟

من الواضح ان المجتمع الاستخباري يعمل الآن بدرجة من اليقظة والاستعداد اكبر بكثير مما كان عليه الامر قبل 11 سبتمبر، عندما فشل مكتب المباحث التحقيقات الفيدرالي (اف بي آي) والوكالات الاخرى في تجميع التحذيرات التي وصلتها ووضعها في منظومة مترابطة واكتشاف سرها بالتالي، مع ان الخطر كان معروفا لديها منذ زمن ليس بالقصير.

قال رئيس موظفي البيت الابيض في عهد كلينتون، ليون بانيتا: «كان يتضح لنا بصورة متزايدة ان اكبر الاخطار الذي اصبحنا نواجهه هو الارهاب. لم يعد ذلك الخطر هو الشيوعية، بل كان هو الارهاب».

وفي الايام الاخيرة انخرط المسؤولون في ادارة بوش في حملة عنيفة للدفاع عن رئيسهم ضد الهجمة الديمقراطية التي تتهم الرئيس بانه تجاهل بعض التحذيرات التي وصلته قبل هجمات 11 سبتمبر. وقال الناطق باسم البيت الابيض آري فلايشر، ان التنوير الاستخباري الذي تلقاه الرئيس بوش في اغسطس (آب)، اشتمل فقط على اشارة غامضة بان اتباع اسامة بن لادن يعتزمون اختطاف بعض الطائرات. وكان مسؤولو الاستخبارات في ذلك الوقت يعتقدون ان هدف هذه الاختطافات سيكون اخذ الركاب كرهائن. وكان الاعتقاد ان «القاعدة» تركز في عملياتها على اوروبا وليس على الولايات المتحدة. ويقول المسؤولون بالبيت الابيض ان الديمقراطيين يمارسون الالاعيب السياسية باتهاماتهم تلك.

وقال بوش في احتفال بحدائق البيت الابيض اقيم على شرف فريق كرة القدم التابع لسلاح الطيران: «يبدو ان واشنطن هي من ذلك النوع من المدن التي اصبحت التخمينات بالاثر الرجعي طبيعة ثانية بالنسبة لها».

اما قادة الحزب الديمقراطي فيصرون من جانبهم على ان التخمين لا مكان له في اتهاماتهم للرئيس، ولكنهم ينطلقون من الحرص على الا يحدث مرة اخرى ما حدث في 11 سبتمبر. ومن الاسئلة المحددة التي يطرحونها: لماذا لم يتمكن أي مسؤول حكومي من الربط بين التحذيرات المتكررة بامكانية حدوث اختطاف طائرات، وبين مذكرة «اف بي اي» التي اشارت الى احتمال وجود ارهابيين يتدربون في مدارس الطيران؟

قال زعيم الاغلبية الديمقراطي في مجلس النواب، توم داشل: «اذا كان رئيس الولايات المتحدة لا تصله مثل هذه المعلومات، فلا بد ان يكون هناك خطأ في النظام نفسه».

وطوال هذا الوقت ظلت وكالات الاستخبارات الاميركية تجمع المعلومات وتربط الخيوط التي يمكن ان توصلها الى الهجوم الارهابي المحتمل. وقد لاحظ المسؤولون ان ما يسمونه «الدردشة عبر نظم الاتصالات الارهابية» زادت الى درجة جعلت بعض المسؤولين مقتنعين تماما بأن هجوما بحجم 11 سبتمبر يجري التحضير له حاليا. وبصرف النظر عن النتائج النهائية التي توصلوا اليها حول وسائل الهجوم، فان المسؤولين الاميركيين يعترفون بأنهم كانوا نهبا لقلق شديد حول نوايا بن لادن في الشهور الاولى لرئاسة بوش. قالت رايس في تنوير قدمته لوسائل الاعلام، ان المسؤولين في اجهزة المخابرات تحدثوا عن زيادة واضحة في المعلومات الخاصة بالنشاط الارهابي منذ ديسمبر(كانون الاول ) عام .2000 «كان هناك قلق واضح ان شيئا ما يجري التحضير له. وان شيئا ما سيحدث عما قريب، ولكنه الاعتقاد السائد هو انه سيحدث غالبا في الخارج».

تواترت التهديدات بصورة خاصة في يونيو (حزيران)، ففي 22 يونيو اصدرت هيئة الملاحة الجوية نشرة لشركات الطيران تحذرها من اعمال اختطاف محتملة. وقالت رايس ان ثلاثة تحذيرات مشابهة صدرت لاحقا عن هيئة الملاحة الجوية.

في ذلك الوقت كان بوش ومساعدوه يديرون حوارات متصلة حول «القاعدة». ولم يكن الرئيس مهتما اساسا بالكيفية التي سيهاجمون بها اميركا، بل كان مهتما بالطريقة التي يمكن لاميركا ان تطاردهم بها. وكانت نتيجة تلك المحادثات والحوارات صياغة ورقة للبدائل المتوفرة ظهرت يوم 10 سبتمبر، وكانت تتحدث عن اهمية العمل المشترك مع منظمات المعارضة الافغانية من اجل اسقاط حكم طالبان وحلفائه في «القاعدة»، اضافة الى اشياء اخرى. ولم يشأ المسؤولون ان يكشفوا عما اذا اقترحت الورقة اللجوء الى الغارات الجوية وارسال قوات برية الى هناك. كانت هذه الورقة على مكتب رايس يوم 11 سبتمبر، في انتظار الاطلاع عليها من قبل بوش.

لم يكن مستغربا ان يحظى بن لادن بكل الاهتمام والتركيز الاميركي حتى اذا لم يكن حجم المعلومات عنه قد زاد بتلك النسبة الكبيرة العام الماضي. فقد ارتبطت «القاعدة» في عهد كلينتون بقصف السفارتين في شرق افريقيا وبالهجوم على المدمرة الاميركية كول في اليمن. وكانت ادارة كلينتون قد اطلقت عام 1998 مجموعات من الصواريخ على معسكرات التدريب الارهابية في خوست بافغانستان والتي ربما تكون قد اخطأت بن لادن وغيره من قادة الارهاب، بفترة ومسافة قصيرتين.

وكانت جهود ادارة بوش في عرقلة اعمال «القاعدة» وتخريب نشاطاتها الممعنة في السرية. فبعد الهجوم بالصواريخ وضعت وحدات من القوات الخاصة على اهبة الاستعداد للتدخل السريع اذا كشف موقع بن لادن بصورة مؤكدة. وكان المسؤولون يعتقدون ان الصفقة التي توصلوا اليها باستخدام القوات الباكستانية صفقة موفقة، حتى انهار ذلك الترتيب مع نجاح الانقلاب العسكري الذي جاء بالجنرال برويز مشرف. وقد كان الامر يقتضي وقوع هجمات سبتمبر، حتى يعود ذلك التعاون بين هذه القوات الى الواجهة من جديد.

* «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»