علماء الحوزة الدينية في قم يحتجون على انتشار مظاهر الإدمان والفحشاء في العاصمة الدينية لإيران

TT

اعرب 197 من رجال الدين واساتذة الحوزة العلمية الشيعية بمدينة قم الايرانية التي توجد فيها 39 حوزة دينية و214 مدرسة لطلبة العلوم الدينية وخمس جامعات دينية والعشرات من المعاهد والمراكز المعنية بشؤون الفقه والشريعة، فضلا عن ما يزيد على 400 مسجد وحسينية، عن قلقهم العميق حيال انتشار ظاهرة الفساد الاخلاقي في عاصمة المؤسسة الدينية الشيعية الحاكمة في ايران.

وتلقت «الشرق الأوسط» نسخة من البيان الصادر عن تجمع رجال الدين واساتذة الحوزة المستقلين الذي يضم المئات من مثقفي الحوزة والعلماء الكبار المعارضين لفكرة ولاية الفقيه. ووقع 197 من اعضاء التجمع على البيان الذي وجهوه الى المراجع الكبار في الحوزة والرأي العام الايراني.

ومما يجدر ذكره ان آية الله ابراهيم اميني نائب رئيس مجلس الخبراء قد اشار في خطاب في المجلس الاداري لمحافظة قم الاربعاء الماضي، الى ان البلاد على وشك الانفجار حيث لم يعد الشعب واثقا بالنظام بسبب انحراف المسؤولين عن مسيرة الثورة وتنكرهم للوعود التي قطعوها للشعب الايراني قبل الثورة. وقال اميني «ليتنا كنا نسمع احاديثنا الى الشعب قبل الثورة.. تلك الاحاديث المؤثرة التي اثارت غيرة وحماس الشعب ودفعته للنهوض ضد النظام البائد في سبيل اقامة نظام العدل الاسلامي على غرار حكومة الامام علي، فما نشاهده اليوم لا يمت بصلة الى نظام العدل، والحق كل الحق مع الشعب الذي يشعر باستياء وامتعاض حينما ينظر الى حياة المسؤولين ويقارنها بالوضع المأساوي الذي يواجهه مجتمعنا الاسلامي». وأكد اميني على ان الشعب الايراني «لم يسقط النظام الملكي من اجل الطقوس والشعائر الدينية التي كانت تقام وتمارس في النظام السابق وحتى الحكومة كانت تقيم جلسات العزاء الحسيني والمراسيم الدينية. انه قدم تضحيات كبيرة بهدف ازالة الظلم وبسط العدالة الاجتماعية والمبادئ الاساسية للاسلام».

وبعد بضعة ايام من نشر تصريحات اميني، وزعت في مدينة قم رسالة آية الله جعفر محقق داماد احد كبار المراجع، الموجهة الى الشيخ علي مشكيني رئيس مجلس الخبراء، وقد اعرب محقق داماد عن احتجاجه الشديد على محاولات من قبل مشكيني وامثاله لجعل مقام الولي الفقيه مساويا لمقام ائمة الشيعة الاثنى عشر. وأكد محقق داماد ان انتشار الفوضى والفساد في البلاد و«تذليل الشعب الايراني تحت ضغوط اميركا واسرائيل»، سببه عدم التمسك بمبادئ الاسلام والتوسل الى بدع خطيرة مثل اعتبار الولي الفقيه مبعوثا من قبل الله ومعينا من عنده.

وتلت رسالة محقق داماد، رسالة من آية الله حسين علي منتظري المحاصر في بيته منذ اربع سنوات الى عدد من مقلديه الذين استفسروا رأيه حول ممارسات غير دستورية ومخالفة للشرع التي تعرض لها الصحافي المعروف سيامك بورزند البالغ عمره 73 عاما في سجن احد اجهزة الاستخبارات. وكانت استخبارات قوات الامن قد اعتقلت بورزند قبل سبعة اشهر في منتصف الليل في بيت شقيقته، حيث كان يقيم منذ سفر زوجته المحامية والناشطة البارزة في مجال حقوق الانسان «مهرانكيز كار» الى الخارج لتلقي العلاج، فهي مصابة بالسرطان وسبق ان قضت عدة اشهر في سجن ايفين بسبب مشاركتها في ندوة برلين الشهيرة. وتعرض سيامك بورزند لضغوط نفسية وجسدية في السجن لارغامه على الظهور في اعترافات على شاشة التلفزيون يقبل خلالها بأنه كان جاسوسا لأميركا وتلقى الاموال من ابن الشاه الراحل الامير رضا بهلوي بغية شراء ذمم الصحافيين الاصلاحيين، علما ان بورزند لم يلتق رضا بهلوي قط، كما انه كان يعيش في وضع مادي سيئ جدا بعد منع زوجته من مزاولة عملها المحاماة بأمر من القضاء وقطع مصدره المالي الوحيد وهو حق التقاعد الذي كان يتقاضاه من وزارة التعليم.

وقد اعتبر منتظري ان من حق الناشطين في مجال حقوق الانسان، رفع الشكوى الى الامم المتحدة والمنظمات العالمية لحقوق الانسان والتوسل الى الهيئات العالمية من اجل انقاذ بورزند وارغام النظام على مراجعة الحكم الصادر بحقه. ودافع منتظري دفاعا صريحا عن حقوق معارضي النظام، مؤكدا ان عدم تأييد النظام ومعارضته حق طبيعي لكل مواطن يعيش في ايران.

وبيان 197 من كبار علماء واساتذة الحوزة هو آخر مؤشر على توسع الهوة بين العناصر الدينية الحاكمة وكبار المراجع والعلماء الذين اظهروا مقاومة عنيفة حيال محاولات «تأميم» الحوزة على حد قول حجة الاسلام رضواني، وهو من الموقعين على البيان. وقال رضواني في حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط» من بيته بقم، لقد حافظت المرجعية على استقلاليتها «في اخطر الظروف وفي ذروة استبداد ملوك الفاجار وعصر البهلوي ولن نقبل اليوم بمصادرة قرارنا من قبل حكومة تحمل صفة دينية بينما قراراتها تتعارض مع تعاليم الدين السمحة والسنة النبوية وسيرة حياة ائمة الشيعة».

ويرى بعض العلماء في قم ومشهد ان انتشار ظاهرة الفساد والفحشاء في مدن دينية مثل قم ومشهد، تكشف ان سياسة القمع والمنع من جهة والمبالغة في التظاهر الديني، اسفرت عن نتائج معكوسة، في مجتمعات متحفظة مثل قم ومشهد. وكان مسؤول امن محافظة قم قد اعلن اخيرا في اجتماع المجلس الاداري للمحافظة، ان المئات من بيوت الدعارة موجودة في قم والكميات الكبيرة من المشروبات الكحولية والمخدرات، التي يقوم رجال الامن بمصادرتها واتلافها كل شهر، تدل على ان اجراءات الاجهزة المسؤولة عن مكافحة الفساد والمنهيات، لم تكن مؤثرة ومن الضروري مراجعة هذه الاجراءات والتعامل مع الشباب، دون العصا والتهديد بل بالنصيحة وحسن الخلق والشفقة.

وفي الشهر الماضي اعترف رئيس عدلية طهران عباس علي زاده بمصادرة مليون لتر من المشروبات الكحولية في عاصمة الجمهورية الاسلامية. وردا على سؤال حول سبل ضبط ظاهرة الفساد والفحشاء في المجتمع الايراني، قال حجة الاسلام رضواني المعروف بمواقفه الشجاعة «لقد جاء محمد خاتمي وفي جعبته دواء شاف للامراض التي يعاني منها مجتمعنا وخاصة الشبان الذين يشكلون نسبة 60 في المائة من المجتمع، وبتناول اول جرعة من الدواء ظهرت صحف حرة واجتماعات لم يكن المشاركون فيها يشعرون بخوف، في الجامعات والمعاهد، وتغير منهج السلطة في التعامل مع المجتمع، وبدأت آثار الامراض تختفي من المجتمع، وفي السنة الاولى لرئاسة خاتمي، لم يكن يتحدث احد عن الفحشاء والفساد والادمان، بل ان الجميع كانوا مهتمين ببناء المجتمع المدني الحر، غير ان الذين عارضوا خاتمي ورفضوا طريق معالجته لأمراض المجتمع، سرعان ما صادروا جعبة الطبيب واحضروا العصا والسكين، لمواجهة الملايين من الشبان الذين كانوا يعلقون آمالهم على نجاح الرئيس الاصلاحي في تحقيق وعوده». واضاف رضواني قائلا «لقد هرب اكثر من 470 الفا من خريجي الجامعات والثانويات من البلاد خلال السنوات الثلاث الاخيرة. ومن بقي من الشباب في البلاد، لا يرى امامه مستقبلا يشجعه على العمل. وهكذا نرى انتشارا مستمرا لظاهرة الادمان الى جانب الفساد والفحشاء ليس في طهران فحسب بل في قم المقدسة».