شارون يخوض أكبر مغامرة استعراض عضلات بعد إقالته الوزراء ونوابهم من الأحزاب الدينية

زلزال في الخريطة السياسية الإسرائيلية والتصويت مجددا اليوم في الكنيست مع الخطة الاقتصادية الجديدة

TT

احدث رئيس الوزراء الاسرائيلي، ارييل شارون، زلزالا في الخريطة الحزبية بقراره اقالة الوزراء ونواب الوزراء من الاحزاب اليهودية الدينية المتزمتة. لكنه رفض التراجع عن قراره، واعلن اصراره على تلقين كل معارضي سياسته الاقتصادية «درسا في الزعامة الحقيقية». وسيطرح خطته الاقتصادية التي كانت سبب الخلاف الاساسي، مرة اخرى للتصويت في الكنيست، اليوم، من دون اجراء اي تعديل عليها. وبذلك يراهن على كل رصيده السياسي، مستندا الى التأييد الجماهيري، من خلال ادراكه ان الشعب في اسرائيل يريد زعيما قويا صاحب كلمة حازمة.

وكانت حكومة شارون قد منيت بهزيمة كبرى في الكنيست، مساء اول من امس، عندما رفض غالبية النواب (47 مقابل 44 نائبا) الخطة الاقتصادية الجديدة. فقد تمرد عليها عدد كبير من النواب هم: وزراء ونواب واعضاء الكنيست من حزب اليهود الشرقيين المتدينين المتزمتين «شاس» (17 نائبا)، نواب الوزراء من تحالف حزبي يهدوت هتوراه لليهود الغربيين (الاشكناز) المتدينين المتزمتين (5 نواب) وبعض وزراء حزب العمل (احدهم، هو النائب العربي نواف مصالحة، صوت ضد الخطة وستة آخرون تغيبوا عن الجلسة) والليكود (وزيرة التعليم، ليمور لفنات، تغيبت).

يذكر ان الخلاف داخل الحكومة يعود الى قرار وزارة المالية، المسنودة بالكامل من شارون، طرح خطة طوارئ اقتصادية يتم بموجبها تقليص ميزانية الدولة المقررة لهذه السنة بمبلغ 13 مليار شيكل (2.7 مليار دولار)، وذلك لمواجهة الازمة الاقتصادية الشديدة وتغطية مصاريف الحرب العدوانية ضد الفلسطينيين. وتشتمل هذه الخطة على ضربات اقتصادية حقيقية للفئات الضعيفة في المجتمع، اذ انها تؤدي الى رفع الاسعار وزيادة الضرائب وتخفيض مخصصات التأمين للعائلات كثيرة الاولاد (العربية واليهودية الشرقية بشكل خاص) وتقليص الميزانيات المخصصة للمواطنين العرب (فلسطينيي 48).

وفسرت الحكومة خطتها هذه بانها ضرورة ملحة لمواجهة الازمة، حيث ان الجهاز الاقتصادي في اسرائيل والخارج بدأ يفقد ثقته في الحكومة، وهناك علامات واضحة على نمو التضخم المالي وتعميق ازمة الركود الاقتصادي وزيارة البطالة وانخفاض الاستثمارات الاجنبية وتقليص حجم القروض الخارجية لاسرائيل وبدء اخراج كميات كبيرة من رأس المال الاسرائيلي الى الخارج. وحذر وزير المالية، سلفان شالوم (من حزب الليكود)، من ان الاقتصاد الاسرائيلي سيتدهور بشكل خطير اذا لم يتم اقرار الخطة ويبدأ تنفيذها بشكل فوري.

وعلى الرغم من المعارضة الواسعة لهذه الخطة داخل الائتلاف الحكومي، فان شارون قرر المغامرة وطرحها على الكنيست، محذرا كل نواب حزبه ووزرائه وحلفائه «لن أمر مرَّ الكرام على اية معارضة للخطة في الكنيست». لكن احدا منهم لم يأخذ هذا التحذير بالجدية اللازمة، فجاءت تلك المعارضة الواسعة. بيد ان شارون لم يتوقع ان تصل المعارضة الى هذا الحجم، بحيث يسقط الاقتراع ويمنى بتلك الهزيمة الساحقة. فاستدعى، حال انتهاء الجلسة، المقربين منه ومعهم وزير المالية، وابلغهم: «قررت المراهنة على كل ما في الصندوق». وكشف امامهم انه سيرسل كتب اقالة لجميع الوزراء ونواب الوزراء الذين صوتوا ضد الخطة وانه قرر توبيخ وزيرة التعليم، ليمور لفنات (من الليكود) لانها تغيبت عن الجلسة.

وذهل الحاضرون من قراره ولم يصدقوا ما سمعت آذانهم. وحاولوا ردعه مؤكدين له ان هذه مغامرة خطيرة. فالدخول في مواجهة كهذه مع الاحزاب الدينية المتزمتة من شأنه ان يكلف الليكود ثمنا باهظا وان يكلفه هو بالذات ثمنا شخصيا.

الا ان شارون قرر الاستفادة من شعبيته الواسعة (بلغت في آخر استطلاع للرأي 67 في المائة) والدخول في هذه المغامرة من خلال حسابات سياسية وحزبية بعيدة المدى. فهو يعرف ان الجمهور الاسرائيلي يريد زعيما قويا حازما لا يرضخ للابتزاز، خصوصا للاحزاب الدينية المكروهة في صفوف الغالبية العلمانية بسبب الاموال الهائلة التي تقتطعها من ميزانية الدولة. وهو يدرك ان اتخاذ القرار في الكنيست يضرب مكانة اسرائيل امام الاقتصاد العالمي، ولا بد من رد قوي لهذا يعزز الثقة فيه بين رجال الاعمال والاقتصاد. ولهذا، لا مفر من استعراض عضلات على هذا النحو.

وقد بدا واضحا من ردود الفعل الاولية ان شارون يحقق اغراضه. اذ لقيت خطوته اعجابا شديدا في الشارع. ومع ان زلزالا حدث في الخارطة السياسية الحزبية، الا ان البورصة ردت بهدوء وعقلانية. واما الاحزاب الدينية المتمردة، فقد بدأت تفتش عن طريقة للتراجع عن موقفها واخذت تسمع بداخلها الانتقادات لقادتها واعلن الحاخام عوفاديا يوسيف، الرئيس الروحي لحزب «شاس» ان هذه الاقالة ليست نهاية الدنيا وامر وزراءه بالتفاوض مع شارون على تصحيح الامور. وتراجعت وزيرة التعليم عن موقفها. وعقد رئيس حزب العمل وزير الدفاع، بنيامين بن اليعزر، اجتماعا طارئا لكتلته البرلمانية اعلن خلاله وقوفه الى جانب شارون. وحذر النائب نواف مصالحة وغيره ممن يفكرون في ألا يصوتوا الى جانب الخطة: «اما ان تلتزموا بقرارات الحزب، او ان تتركوا مناصبكم لآخرين سواكم».

وبناء على ذلك قرر النواب السبعة المتمردون التراجع، باستثناء مصالحة الذين قال ان ضميره لا يطاوعه على التصويت الى جانب ميزانية حربية كهذه تميز بشكل عنصري مكشوف ضد المواطنين العرب ويفضل الاستقالة على ان يؤيدها.

وامر شارون رجاله بان لا يفاوضوا حزب شاس وغيره من المتمردين قائلا: ننتظر الى غد (اليوم الاربعاء). فمن يريد ان يصحح موقفه فليتفضل. ومن لا يريد، عليه ان يدفع الثمن.

والمقرر ان يطرح شارون خطته مرة اخرى على جدول ابحاث الكنيست، اليوم، معلنا تعميمه على تمريرها ومعاقبة كل من يقف ضدها من نواب الائتلاف.

وتجدر الاشارة الى ان اقالة الوزراء ستدخل حيز التنفيذ ابتداء من منتصف هذه الليلة (الاربعاء/الخميس)، الا اذا غيروا رأيهم وصوتوا معا الخطة وسحب شارون رسائل الاقالة. فاذا اصبحت الاقالة نهائية ولم تتم تسوية الازمة، فان ائتلاف شارون سيصبح بـ60 نائبا فقط (بينهم النائب العربي نواف مصالحة). ولن يستطيع شارون مواصلة الحكم بائتلاف كهذا، خصوصا اذا لم يستقل مصالحة وظل يصوت حسبما يمليه عليه ضميره. وتوجد لديه في هذه الحالة عدة خيارات:

ـ الاشد تطرفا تقديم موعد الانتخابات البرلمانية، المقررة يوم 28 اكتوبر (تشرين الاول) 2003. لكن شارون ليس معنيا بذلك اطلاقا. فلا الاوضاع السياسية ـ الامنية ـ الاقتصادية تحتمل ذلك، ولا هو يضمن نجاحه في معسكره بعد، علما بان كل الاحزاب التي تسببب في الماضي في تقديم موعد الانتخابات، خرجت منها خاسرة.

ـ توسيع ائتلافه الحالي، وهذه هي الامكانية الواردة، حيث ان هناك عدة احزاب معارضة في اليمين والمركز مستعدة للانضمام للاتحاد القومي ـ 7 نواب (حزبا «موليدت» و«اسرائيل بيتنا») وحزب شنوي (6 نواب). لكن ضم الحزب الاخير (شنوي) يعني اغلاق الباب امام الاحزاب الدينية تماما، اذ انه حزب علماني راديكالي لا يقبل الدخول في حكومة تضم المتدينين المتزمتين لانهم، حسب رأيه، ينهبون خزينة الدولة.

ـ وهناك امكانية ثالثة ان يتصالح شارون مع الاحزاب الدينية المتزمتة، رغم انه تعامل معها بقسوة. وما زالت هذه الامكانية واردة، خصوصا بعد ان ابدت هذه الاحزاب رغبة في التراجع، الا انها تعيش حاليا اجواء مربكة. ولا تعرف بعد كيف تتراجع، وان كان تراجعها سيفسر بين ناخبيها كعنصر قوة او عنصر ضعف.

من الجدير ذكره في هذا السياق، ان المعارضة داخل حزب العمل ـ ورغم انها قررت التصويت مع خطة الحكومة اليوم ـ ترى في هذه الازمة فرصة للعمل على الانسحاب من الحكومة والضغط على رئيس الحزب، بن اليعزر، حتى يفض الشراكة مع شارون. بيد انها لم تقرر بعد حجم الضغط الذي تمارسه، وتنتظر مراقبة التطورات خلال الساعات الحالية.