وزارة العدل الأميركية: محمد عطا دخل البلاد بسبب خطأ من «دائرة التجنيس والهجرة»

TT

قال مسؤولون أميركيون أول من امس ان السلطات تعتقد ان «دائرة الهجرة والتجنيس» سمحت عن طريق الخطأ لمحمد عطا، قائد مجموعات الانتحاريين الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، بدخول الاراضي الاميركية مرة اخرى قبل ثمانية اشهر من الهجمات، رغم التساؤلات حول نوع التأشيرة التي دخل بها الولايات المتحدة في المرة الثانية.

وتعتبر هذه الشكوك، التي وردت في تقرير خاص بتحريات اجرتها وزارة العدل الاميركية، بمثابة اول مؤشر على احتمال ان يكون من بين الخاطفين الـ19 من دخل الى الاراضي الاميركية بصورة خاطئة، كما تطرح تساؤلات جديدة حول مقدرة «دائرة الهجرة والتجنيس» على تأمين حدود ومنافذ الولايات المتحدة منعا لدخول ارهابيين. كان الاعتقاد السائد في السابق هو ان كل الخاطفين قد دخلوا البلاد من خلال قنوات رسمية وقانونية باستخدام تأشيرات دراسة، بيد التقرير الجديد يبرز تساؤلات حول ما اذا كان من المفروض منع محمد عطا، الذي قاد طائرة «اميركان ايرلاينز» التي ارتطمت بالبرج الشمالي لـ«مركز التجارة العالمي»، من دخول الولايات المتحدة وإعادته الى الجهة التي جاء منها لدى وصوله الى ميامي في يناير (كانون الثاني) عام 2001 بسبب عدم التصديق حتى ذلك الوقت على تأشيرة الدراسة التي تقدم للحصول عليها.

ولم يتمكن المفتش العام لوزارة العدل الاميركية، الذي اصدر التقرير الاخير، من التوصل الى نتائج مؤكدة لكنه توصل الى ان سياسات «ادارة الهجرة والتجنيس» بصورة عامة اتبعت في حالة محمد عطا. بيد ان التقرير اشار الى ان ما حدث في هذا الشأن يدل على الاخطاء المتفشية في تعامل «دائرة الهجرة والتجنيس» مع مئات الآلاف من الطلاب الاجانب الذين يدرسون في الولايات المتحدة، فقد اكد المفتش العام بوزارة العدل، جلين فاين، خلال لقاء اجري معه في الآونة الاخيرة ان ثمة تراخيا في النظام المتبع بواسطة دائرة الهجرة ازاء اوضاع الهجرة المتعلقة بالطلاب الاجانب. واشار كذلك الى ان دائرة الهجرة لم تكن تجري تدقيقا على الطلاب في ذلك الوقت ولم تكن تعتبرهم مصدر خطر في الاساس. ويعتقد مراقبون ان النتائج التي توصلت اليها التحريات حتى الآن ستكثف بالتأكيد من الجهود الرامية الى فرض تغييرات هيكلية رئيسية داخل «دائرة الهجرة والتجنيس». الجدير بالذكر ان دائرة الهجرة واجهت حملة انتقادات عنيفة في مارس (آذار) الماضي عندما ابلغت مدرسة لتعليم الطيران بأنها صادقت على تأشيرات دخول لكل من محمد عطا ومروان الشحي، اذ جاء ذلك الاخطار بعد مضي ستة اشهر على هجمات 11 سبتمبر الماضي وثمانية شهور على المصادقة الفعلية عليها من دائرة الهجرة. ويعتقد ان الشحي هو الذي قاد طائرة «يونايتد ايرلاينز» (الرحلة 175) التي ارتطمت بالبرج الجنوبي لـ«مركز التجارة العالمي».

وبالاضافة الى التساؤلات حول السماح بعودة عطا الى الولايات المتحدة، يشتبه المحققون في وجود اخطاء محتملة في الطريقة التي تعاملت بها دائرة الهجرة مع حالة عطا ومروان الشحي. وتشتمل الحالات في الغالب على ضعف التنسيق ونقص المعلومات بحوزة موظفي دائرة الهجرة. ففي حالة موظفي الهجرة الذين نظروا في الطلبين اللذين تقدم بهما كل من عطا والشحي للحصول على تأشيرتين للدراسة، لم يدركوا انهما اكملا مسبقا تدريبهما على الطيران في فلوريدا في الوقت الذي كانت فيه طلباتهما قيد النظر. وتوصل المحققون الى ان «المسؤولين كانوا سيرفضون طلبيهما، اذا توفرت لهم معلومات كاملة».

ورغم صدور مذكرة الاعتقال بحق محمد عطا في 4 يونيو (حزيران) الماضي بولاية فلوريدا اثر عدم حضوره الى محكمة اميركية بسبب مخالفة سير، سمح له مفتشو دائرة الهجرة بدخول الولايات المتحدة مرة اخرى بعد ستة اسابيع من صدور مذكرة الاعتقال بسبب عدم توفر هذه المعلومات في شبكات الكومبيوتر الخاصة بدائرة الهجرة. وخلال اقامته في الولايات المتحدة منح محمد عطا اقامة لفترة ثمانية اشهر كانت تسمح له بالاقامة حتى 8 سبتمبر 2001، الا ان موظفي الهجرة انتبهوا الى هذا الخطأ وعدلوا فترة الاقامة الى ستة اشهر عندما ذهب عطا الى مكتب تابع لدائرة الهجرة بميامي للحصول على اقامة مماثلة لاقامته لمدة ثمانية اشهر لزميل له لم تعرف هويته. الا ان دائرة الهجرة صادقت في وقت لاحق على طلب لتمديد فترة اقامته حتى اكتوبر (تشرين الاول) الماضي. وأكد مسؤولو دائرة الهجرة ان محمد عطا والشحي كانا يقيمان بصورة قانونية في 11 سبتمبر، بيد ان ثلاثة من الخاطفين الـ17 الآخرين تجاوزوا فترة الاقامة الممنوحة لهم في ذلك الوقت. وأعرب مسؤولون آخرون بالدائرة عن ارتياحهم ازاء عدم وجود أي انتهاك واضح للسياسة المعمول بها في ما يتعلق بالتعامل مع حالتي عطا والشحي، كما اكدوا انهم شرعوا بالفعل في تصحيح الاخطاء الواردة في التقرير. وأعرب بعض اعضاء الكونغرس، وحتى بعض مسؤولي «دائرة الهجرة والتجنيس» بوزارة العدل، عن قلق واضح تجاه ما توصل اليه التحقيق الاخير، فقد وصف السيناتور باتريك ليهي، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي ورئيس اللجنة القضائية بالمجلس، النتائج التي توصل اليها المفتش العام لوزارة العدل بأنها «مثيرة للانزعاج». اما النائب جيمس سينسينبرينر، عضو مجلس النواب عن الحزب الجمهوري ورئيس اللجنة القضائية بالمجلس، فقد قال ان تقرير المفتش العام يعكس «الفشل المثير للاهتمام» لـ«دائرة الهجرة والتجنيس» في توفير المعلومات وتوفير أسس وارشادات وسياسات واجراءات واضحة لموظفيها. ومن جانبه قال النائب العام الاميركي جون آشكروفت، الذي يشرف على عمل «دائرة الهجرة والتجنيس»، ان التقرير الاخير يؤكد مجددا على الحاجة الملحة الى اجراء تغييرات اساسية في الطرق والاجراءات التي تتبعها الدائرة في ما يتعلق بمنح تأشيرات الطلاب الاجانب. واضاف ان وزارة العدل ستضاعف جهودها من اجل تحديث العمل في دائرة الهجرة وتوسيع دائرة المعلومات التي من المفترض ان ترسلها الكليات والمعاهد حول طلابها الاجانب، بيد ان مصدرا في مكتب المفتش العام قال ان «دائرة الهجرة والتجنيس» لن تتمكن في الغالب من تنفيذ كافة التغييرات المقترحة التي حدد يوم 30 يناير (كانون الثاني) المقبل موعدا لاستكمالها. وقدم التقرير اكثر الاحتمالات تفصيلا حول الرحلات العالمية التي قام بها محمد عطا ومروان الشحي خلال الاشهر التي سبقت هجمات 11 سبتمبر مباشرة، اذ دخل كل منهما الولايات المتحدة ثلاث مرات منفصلة ضمن عمليات التحضير للهجمات كما يبدو واضحا. فمحمد عطا غادر ميامي الى اسبانيا في 4 يناير 2001 وعاد الى ميامي بعد ستة ايام، كما تقدم مسبقا في ذلك الوقت بطلب لتغيير تأشيرته من تأشيرة سياحة الى دراسة بغرض التمكن من الالتحاق بمدرسة للطيران في فلوريدا. ولدى عودة عطا الى مطار ميامي الدولي اثار مفتش بدائرة الهجرة تساؤلات حول وضع اقامته. ووفقا لتقرير المفتش العام لوزارة العدل، فإن مغادرة محمد عطا للولايات المتحدة فيما لا يزال طلب تغيير التأشيرة الذي تقدم به قيد النظر، فإن ذلك يلغي الطلب تلقائيا، طبقا لسياسة دائرة الهجرة. توصل مفتش دائرة الهجرة بمطار ميامي الدولي الى ان محمد عطا في حاجة الى تأشيرة دراسة للعودة، وارسل حالته الى مفتش آخر في المطار للمزيد من التحريات. واعتقد المفتش الثاني الذي ارسل اليه محمد عطا خطأ، في ما يبدو، ان طلبه الخاص بتغيير نوع التأشيرة قد صودق عليه مسبقا. واشار التقرير الى انه لا يعرف السبب في توصل المفتش الثاني الى هذه النتيجة خصوصا ان طلب عطا الخاص بتغيير نوع التأشيرة لم يصدق الا بعد مرور عدة شهور على ذلك الوقت. ولم يتضح بعد ما قاله محمد عطا لمفتش الهجرة الثاني، بيد ان مسؤولين اكدوا انه اذا ابلغ مفتش الهجرة بأنه طالب يدرس الطيران على اساس نظام التفرغ الجزئي، فمن المفروض ان يسمح له بالدخول طبقا لسياسة «دائرة الهجرة والتجنيس». اما اذا ابلغ مفتش الهجرة بأنه يدرس على اساس نظام التفرغ الكامل، فإنه لا يسمح له في هذه الحالة بالدخول. وتوصل المحققون الى انه كان من المفترض ان يحظر دخوله اذا قال انه طالب متفرغ للدراسة الا في حالة صدور استثناء بحقه بسبب «طارئ غير متوقع».

ويعتقد فاين ان السؤال الملح والعسير هو: «هل كان المفترض ان يسمح لعطا بالدخول؟».

قال بيل ستراسبيرجر، المتحدث باسم «دائرة الهجرة والتجنيس»، ان السماح لمحمد عطا بدخول الولايات المتحدة مجددا في يناير 2001 «ربما كان فيه إشكال، لكنه لم يكن خطأ»، اذ يعزي ذلك الى ان القرار الذي اتخذ بواسطة مفتش الهجرة في مطار ميامي جاء على اساس المعلومات المتوفرة له، وهو ما يحدث عدة مرات في اليوم، في انحاء مختلفة من الولايات المتحدة. واضاف «لم تكن هناك معلومات في ذلك الوقت تشير الى ان محمد عطا او مروان الشحي ارهابيان او انهما كانا يعتزمان إلحاق اذى بالبلاد».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»