مسؤولون أميركيون: إدارة بوش تؤجل وقد تلغي خطة غزو العراق بعد انتصار رأي العسكريين على المدنيين في البنتاغون

خطة «عاصفة الصحراء الخفيفة» وضعت كخيار أخير لإرسال قوات إلى بغداد والاتجاه الجديد يميل إلى زعزعة نظام صدام بالعمل الاستخباراتي والدبلوماسي

TT

ذكر مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) ان قادة القوات المسلحة الاميركية يعتقدون انهم تمكنوا من اقناع القيادة السياسية بتأجيل غزو العراق حتى العام المقبل على الاقل وربما إلغاء الفكرة تماما.

تجدر الاشارة الى ان هيئة الاركان المشتركة شنت حملة من وراء الستار لاقناع ادارة الرئيس جورج بوش بإعادة النظر في الموقف العدائي تجاه العراق حيث تعتبر الحرب امرا محتوما. وشمل ذلك عرضا سريا للموقف قدمه الجنرال تومي فرانكس رئيس القيادة المركزية الذي ستتولى قيادته الاشراف على اية حملة عسكرية ضد العراق، للرئيس بوش.

وخلال الاجتماع ابلغ فرانكس الرئيس بوش ان غزو العراق لاسقاط صدام حسين سيتطلب 200 الف جندي على الاقل، وهو رقم اكبر بكثير من تقديرات خبراء عسكريين آخرين. وهذا الرقم يتوافق مع آراء هيئة الاركان المشتركة، الذين اكدوا مرارا فترة الاستعداد الطويلة المطلوبة لمثل هذه الحملة والقلق من احتمال استخدام صدام للاسلحة البيولوجية والكيماوية واحتمالات الخسائر، وفقا لما ذكره المسؤولون.

غير ان ادارة بوش لا تزال ملتزمة بهدف إبعاد الرئيس العراقي عن السلطة، ولكن ولعدة اسباب من بينها النصائح العسكرية، تركز اكثر على اضعافه عن طريق الدبلوماسية ومخطط العمليات الاستخباراتية السرية، لزعزعة النظام، كما ذكر مسؤولون. وقال مسؤول على معرفة بطريقة تفكير وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد «هناك العديد من الطرق التي يمكن عن طريقها تغيير النظام، واحدة منها حملة عسكرية في العراق».

ويبقى القرار النهائي هو قرار الرئيس. وخلال وجوده في برلين اول من امس تحدث بوش بلهجة متشددة عن العراق وغيره من الدول التي اعتبرها جزءاً من «محور الشر»، ولكن في مؤتمر صحافي في برلين ذكر ايضا انه ابلغ المستشار الالماني جيرهارد شرودر قائلاً: «ليست لدي خطة حربية على مكتبي، وهو امر صادق، وعلينا استخدام كل الوسائل المتاحة لنا للتعامل مع صدام حسين».

وبالاضافة الى الشكوك من داخل المؤسسة العسكرية، فإن بوش يواجه بعض المشاكل في اوروبا بخصوص الحكمة من مد الحرب الى العراق.

الجدير بالذكر ان النقاش داخل البنتاغون هو جزء من نقاش اكبر بخصوص العراق، يشمل البيت الابيض ووزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. ايه) ضمن اجهزة اخرى. وهذه المناقشات تتعدى مجرد مناقشة الفوائد من وراء شن حملة عسكرية وتركزت في الآونة الاخيرة على دور الدبلوماسية الدولية وكيفية الاستفادة من جماعات معارضة عراقية تنقصها البراعة.

ويشير الكشف عن جهود القيادة العسكرية لابطاء الحملة نحو الحرب الى ان مواجهة عسكرية مع العراق ربما تكون ابعد بكثير مما اشار اليه المسؤولون في الادارة.

غير ان الموقف لا يزال غامضا، اذ اشارت مصادر في البنتاغون الى ان المدافعين عن العمليات العسكرية داخل الادارة مارسوا ضغوطا مكثفة في محاولة لضم القيادات العسكرية الى صفهم.

وفي سلسلة من الاجتماعات هذا الربيع اعد اعضاء هيئة الاركان المشتركة موقفا يؤكد الصعوبات التي تواجه اي حملة ضد العراق، في الوقت الذي تساءلوا فيه عن الحكمة من مواجهة عسكرية مع صدام حسين. وتضم الهيئة كلا من الجنرال ريتشارد مايرز رئيس الهيئة ونائب الرئيس الادميرال بيتر بيس ورؤساء الجيش والاسطول والقوات الجوية ومشاة الاسطول.

وذكر ضابط يتابع المناقشات «اعتقد ان الرؤساء اتخذوا موقفا موحدا». واتسمت المناقشات بالحدة في بعض الاحيان. وفي تلخيص لتوجه المناقشات، قال جنرال ان «هيستريا العراق» التي برزت في الشتاء الماضي بين بعض كبار المسؤولين في ادارة بوش «تم القضاء عليها».

غير ان عددا آخر من الاشخاص القريبين من المناقشات التي اجرتها هيئة الاركان المشتركة في موقع آمن داخل البنتاغون يطلق عليه «الدبابة» ذكروا انه من السابق لاوانه للقيادة العسكرية إعلان الانتصار على المدنيين في البنتاغون بشأن السياسة إزاء العراق. واشاروا الى ان رامسفيلد ابتعد حتى الآن عن النقاش، وترك الامر لنائبه بول وولفويتز، ولدوغلاس فيث المسؤول السياسي الاكبر في البنتاغون، الذي يعتبر، داخل الوزارة، من ابرز الصقور بخصوص العراق.

وركز اعضاء هيئة الاركان المشتركة في اجتماعات «الدبابة» على موضوعين اساسيين بخصوص ادارة اي حملة. الاول هو صدام، الذي اشار البعض الى انه اذا واجه خسارة سلطاته واحتمال مقتله، فلن يشعر بالقيود التي منعته خلال حرب الخليج من استخدام ترسانته من الاسلحة الكيماوية والبيولوجية. والامر الآخر يتمثل في خطر الوقوع في مستنقع حرب مدن في بغداد يمكن ان تؤدي الى مقتل آلاف من القوات الاميركية والمدنيين العراقيين.

وبالاضافة الى المشاكل التكتيكية، فإن بعض اعضاء هيئة الاركان اعربوا عن شكهم «في حكمة اسقاط صدام الضعيف كبير السن»، الذي تصرف، وفقا لبعض الروايات، بطريقة افضل من المعتاد في الشهور الاخيرة. ووجهة نظرهم هي الافتقار الى دليل على وجود خليفة افضل، والى وجود خطر محتمل من امكانية تولي نظام اكثر عداء.

ومع اكتمال المناقشات بخصوص سياسة العراق في اوائل الشهر الحالي، عرض فرانكس الامر على هيئة الاركان ثم على الرئيس بوش بخصوص الخطوط العريضة للخطة التي يمكن ان يستخدمها في حالة الهجوم. وتدعو خطته ـ وهي الخطة الوحيدة المعروضة ـ الى قوة مقاتلة ضخمة تقترب من نصف عدد القوات التي تم تجميعها لحرب الخليج عام 1991وهي 541 الف جندي، التي كانت معروفة باسم «عاصفة الصحراء». وقد اطلق البعض في البنتاغون على الخطة الجديدة «عاصفة الصحراء الخفيفة» وفي سؤال في مؤتمر صحافي في تامبا بولاية فلوريدا حول حجم القوة المطلوبة لغزو العراق، قال فرانكس «هذا سؤال كبير وليست لدي اجابة عنه لان الرئيس لم يطلب مني بعد وضع خطة للقيام بمثل ذلك».

ويعتمد رد فرانكس على تعريف القوات المسلحة الاميركية لكلمة «خطة»، وهي برنامج تفصيلي خطوة بخطوة لعمليات عسكرية، وما ناقشه فرانكس مع هيئة الاركان هو خطوط عريضة لهجوم يطلق عليه عسكريا «مفهوم العمليات».

وبالتأكيد على القوة الكبيرة، التي يعتقد فرانكس انها مطلوبة، فإن عرضه يستبعد خطة بديلة دافع عنها بعض المدنيين في ادارة بوش. ويطلق على هذه الخطة اسم «خطة دونينغ» نسبة الى الجنرال المتقاعد واين دونينغ الذي اقترحها قبل اربع سنوات، وهي تدعو الى غزو العراق بهجمات مشتركة من الغارات الجوية والعمليات الخاصة بالتعاون مع المقاتلين المحليين.

وهذا البديل الذي يتطلب جزءاً قليلا من القوات الاميركية التي اشار اليها فرانكس، لم يقدم خلال العرض سواء الى هيئة الاركان او الى الرئيس، وفقا لما ذكرته بعض المصادر. ويعمل دونينغ في الوقت الراهن كمنسق البيت الابيض لجهود مكافحة الارهاب.

وقال ضابط كبير برتبة جنرال انه في هذا الصيف «اعتقدت القيادة المدنية إمكانية القيام بغزو العراق على طريقة افغانستان، باستخدام القوات الخاصة. اعتقد انهم (القادة العسكريين) تمكنوا من ثني القيادة السياسية عن وجهة النظر تلك».

واوضح هذا الضابط ان النقطة الاساسية في عرض فرانكس هي «لسنا في حاجة الى قوة مثل عاصفة الصحراء، ولكننا في حاجة الى قوة برية كبيرة. ان ما يجبر الطرف الآخر على تجميع القوات هو وجود قوة برية اخرى. وعندئذ يمكنك التعامل مع هذه القوة بقوة النيران والقوات الجوية». ووفقا لمثل هذه الفكرة، فإن هؤلاء الذين يقولون ان نموذج حرب افغانستان يمكن نقله الى العراق لا يضعون في الحساب ان التحالف الشمالي في افغانستان لديه آلافا من القوات على استعداد للقتال، وبعض منها مسلح تسليحا ثقيلا، بينما لا يوجد نظير لها في المعارضة العراقية. وبالرغم من الثقة التي عبر عنها بعض الضباط الذين يرون ان هجوما على العراق قد تأجل وربما لن يقع على الاطلاق، فإن البعض على الطرف الآخر للنقاش، يختلفون مع تقييم هيئة الاركان. وقال جنرال «تبدو لي محاولة لتجنب المخاطر. وتبقى حقيقة ان القوات المسلحة العراقية ثلث الحجم الذي كانت عليه. وقواتهم الجوية ليست موجودة».

ولاحظ المدافعون عن غزو العراق ان بوش لم يتخل عن لهجته المتشددة.

وذكر خبير جمهوري في الشؤون الخارجية من الصقور فيما يتعلق بالعراق «لقد تمكنوا (القيادة العسكرية) من تأجيلها، ولذا فقد انتصروا في هذه الجولة من المعارك البيروقراطية». ولكنه استطرد قائلا: «لا اعتقد ان الرئيس سيقول ان سياسة الاحتواء هي الطريقة المثلى او ان السيطرة عليه (صدام) تسير على ما يرام».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»