شارون يبدأ المساعي لإعادة الأحزاب الدينية المتزمتة إلى حكومته

TT

بعد مرور اربعة ايام على قيام رئيس الوزراء الاسرائيلي، ارييل شارون، بطرد وزراء الاحزاب الدينية اليهودية المتزمتة من حكومته وما ترافق مع ذلك من اهانتها العلنية امام الرأي العام، بدأ شارون مساعيه، امس لمصالحتها واعادتها الى الحكومة وفق قواعد اللعبة الجديدة التي حددها لوزرائها.

وكتب شارون رسالة بخط يده من 6 صفحات الى الحاخام عوفاديا يوسيف، الرئيس الروحي لحزب «شاس» (اليهود المتدينين الشرقيين)، يعدد فيها صفاته الايجابية ويؤكد انه معني بوجود «شاس» داخل الحكومة وانه لا يتصور وجود حكومة برئاسته من دون هذا الحزب. ثم راح يسلسل تفاقم الازمة منذ بدايتها، ويشكو وزراء «شاس» بأنهم خلال السنة الماضية لم يلتزموا بقرارات الحكومة وامتنعوا عن تنفيذ العديد منها مثل تمرد وزير الداخلية ورئيس الحزب، ايلي يشاي، على قرار المحكمة العليا بمحو بند القومية من بطاقات الهوية ورفض وزير العمل والرفاه، شلومو بن عزري، تنفيذ قرار الحكومة بخصوص جلب عمال اجانب وغير ذلك، حتى التصويت العلني للوزراء ضد خطة الطوارئ الاقتصادية. وقال شارون ان تصرفات هؤلاء الوزراء لم تسئ للحكومة وحسب بل اساءت ايضا الى حزب «شاس»، وانه بقراره اقالتهم انما قصد التوضيح لهم بشكل قاس انهم يتجاوزون الحدود.

واحرجت رسالة شارون، امس، قادة حزب شاس ولم يعرفوا كيف يردون عليها. اذ ان الحاخام يوسيف كان قد بادر وارسل الى شارون رسالة بخط يده داعيا الى المصالحة والغاء رسائل الاقالة قبل ان تدخل حيز التنفيذ. الا انه امتنع عن الرد على تلك الرسالة في الوقت المناسب، مما اعتبره قادة «شاس» اهانة لزعيمهم الديني «احدثت جرحا لا يندمل في قلبه»، كما قال احد مساعديه.

يذكر ان شارون اقال وزراء الاحزاب الدينية المتطرفة (شاس وله 17 نائبا وحزبي تحالف يهدوت هتوراه ـ 5 نواب) ليحقق عدة اهداف في ان واحد، وهي: اولا ـ انقاذ سمعة اسرائيل في الساحة الاقتصادية الدولية، حيث ان النفقات الباهظة للحرب (اكثر من ملياري دولار) وانهيار قطاع السياحة وتفاقم البطالة واستمرار الركود الاقتصادي وانعدام الامان وهروب رؤوس الاموال الاسرائيلية الى الخارج، كل هذه بدأت تترك علامات نزع الثقة بهذا الاقتصاد. واخذت المؤسسات الاقتصادية العالمية تسمع الانتقادات لها وتوجه التحذيرات وتلمح باتخاذ اجراءات ملائمة، لدرجة التهديد بتخفيض مكانة اسرائيل في سلم الاعتمادات المالية الدولية. ورأى شارون ان قرار الكنيست رفض خطة الطوارئ (بسبب تصويت الاحزاب الدينية ضدها) سيحدث ازمة ثقة عالمية ضد الاقتصاد الاسرائيلي. فتحرك بسرعة وبحزم، واقال الوزراء المذكورين، ونجح في اليوم التالي بالضبط (الثلاثاء الماضي) في تمرير الخطة نفسها ومن دون اي تعديل، في الكنيست، حتى يظهر للعالم ان الاستقرار الاقتصادي في اسرائيل هو امر مقدس لا يسمح لاي حزب بالمساس به حتى لو كان الحديث يجري عن 22 نائبا في الكنيست وعن احتمال ازمة سياسية كبرى. وقال شارون «ازمة سياسية، اهلا وسهلا. ولكن ازمة ثقة في الاقتصاد، من المستحيل ان اقبل».

ثانيا: اراد شارون ان يثبت انه زعيم صارم لا يخشى الضغوط السياسية والحزبية، وهو امر نادر في السياسة الاسرائيلية خصوصا في السنوات الاخيرة، اذ تربع على سدة الحكم رؤساء مهزوزون (شيمعون بيريس وبنيامين نتنياهو وايهود باراك) جرى ابتزازهم بسهولة خصوصا من الاحزاب الدينية. واراد شارون ان يثبت ان المصالح الوطنية العليا مفضلة عنده على المصالح الشخصية والحزبية.

ثالثا: اراد ان يشفي غليل الاغلبية العلمانية (78 في المائة) في المجتمع الاسرائيلي التي تمقت الاحزاب الدينية وسياسة الابتزاز المالي التي تتبعها. وليس صدفة ان 70 في المائة من الجمهور ايد خطوة شارون هذه. وبات واضحا انه بسببها سيربح، هو وحزبه الوف الاصوات الجديدة.

رابعا: على الصعيد الشخصي كانت نتائج هذه الاقالة، حتى الان، ربحا سياسيا صافيا لشارون، عزز به مكانته في قيادة الليكود ومعسكر اليمين. وحتى منافسه وخصمه اللدود بنيامين نتنياهو، اعلن تأييده لهذه الخطوة. ويذكر هنا ان زعماء شاس، عندما تلقوا رسائل الاقالة، حاولوا تهديد شارون بأنهم سيعملون على اسقاطه وانتخاب نتنياهو مكانه.

من هنا، وبالاستناد الى كل هذه الاسس، تصرف شارون مع شاس بقسوة. فلم يكتف بارسال كتب الاستقالة بل رفض ان يسحبها بأي شكل وامتنع عن استقبال اي وسيط في الموضوع، واعطى الاوامر لموظفيه ومساعديه بألا يردوا على مكالمات قادة «شاس» الهاتفية، وراح يعلن ان عهد الابتزاز قد ولى. ولم يسرع شارون في الرد على رسالة الحاخام عوفاديا يوسيف. وحتى في رسالة المصالحة التي ارسلها اليه فجر امس، يوضح ان الشرط لاعادة شاس هو ان تؤيد خطة الطوارئ الاقتصادية. واعرب عدد من مساعدي شارون عن خشيتهم من هذا الموقف المتصلب وما قد تسفر عنه من نتائج في المستقبل وقال بعضهم «لماذا لم ينجح شارون الان في ارضاء الاحزاب الدينية، قد تكون تلك بداية لانهيار حكمه»، وضغطوا عليه حتى يشكل وفد مفاوضات مع «شاس» يسعى لانهاء الخلاف والتوصل الى حل مرض للطرفين. اذ ان خطة الطوارئ ما زالت بحاجة الى قراءتين اخريين في الكنيست، وستكون هذه مناسبة امام كل طرف ان يتقدم باتجاه الاخر.

ووافق شارون. لكن احد اهم اعضاء الوفد الذي شكله، وهو مدير عام ديوانه، افيغدور يتسحاقي، ادلى بتصريح اعتبرته «شاس» استفزازيا. اذ قال ان رئيسه (اي شارون) اقال وزراء الاحزاب الدينية من اجل ان تكون عناوين الصحف لصالحه في اليوم التالي لقرار الكنيست رد خطته الاقتصادية. ولهذا قرر الحاخام يوسيف عدم استقبال وفد مساعدي شارون، فسارع هذا الى كتابة رسالته.

ويتوقع المراقبون ان ينجح شارون في تخفيف التوتر مع «شاس» حتى بعد غد وذلك لانه سيكون مضطرا للقاء الحاخام يوسيف في حفل عشاء سنوي يقيمه هذا الحزب لزعيمه الروحي، وهو مخطط من قبل، وحسب الترتيب المقرر فان شارون سيكون ضيف الشرف. فاذا حضر الحفل قبل ان تحل المشكلة، قد يتحول الامر الى ازمة اكبر (حيث ان رجال شاس سيسمعونه ما لا يحب ان يسمعه) واذا الغى مشاركته، فانه سيعمق الهوة بشكل اكبر، لذا فان مساعدي الطرفين سيحاولون تسوية الازمة في غضون اليومين المقبلين.