عمليات التفجير أصبحت جزءا من ثقافة المجتمع الفلسطيني

TT

رام الله ـ ا.ف.ب: لم يجد ادريس حمدان (60 سنة) اي تفسير لاقدام ابنه علي (17 سنة) المعروف بهدوئه وميله الى الصمت، على مهاجمة مستوطن اسرائيلي بسكين سوى انه «يعيش القهر الناجم عن الاحتلال الاسرائيلي يوميا».

وقتل علي وهو طالب في المدرسة في 18 مايو (ايار) الجاري اثناء محاولته اقتحام مستوطنة بيت ايل شمال رام الله في الضفة الغربية ليلا، حيث تمكن احد المستوطنين من اطلاق النار عليه، بعدما طعن احد افراد امن المستوطنة.

هذا الشاب الذي وصفه اصدقاؤه بانه «هادئ ويميل الى الصمت» مؤكدين انه لم تبدر عنه اي اشارة إلى انه قد ينفذ عملية من هذا النوع رغم تذمره من اجراءات الاغلاق والممارسات الاسرائيلية، قطع كيلومترين سيرا على الاقدام من منزله في قرية دورا القرع قرب رام الله الى المستوطنة.

وقال ادريس حمدان لوكالة الصحافة الفرنسية «اعتقد ان ولدي مثل المئات من الشبان، يعيش ظلم الاحتلال يوميا اثناء توجهه الى مدرسته واثناء عودته وفي حياته اليومية وبشكل متواصل لذلك قام بما قام به».

ونفذ عدد من الفلسطينيين من بينهم نساء، اكثر من خمسين عملية تفجير فدائية ضد اسرائيل منذ اندلاع الانتفاضة الثانية في سبتمبر (ايلول) .2000 وشنت اسرائيل بعد يومين من عملية جرت في 27 مارس (آذار) هجوما عسكريا واسع النطاق في الضفة الغربية ادى الى تراجع هذا النوع من الهجمات بدون ان يقضي عليها نهائيا.

وقال شريف كناعنة المتخصص في علم الانثروبولوجيا (علم الانسان) ان «الانتحار اصبح جزءاً من ثقافة المجتمع الفلسطيني والبيئة الفلسطينية باتت مهيأة لانتاج اعداد كبيرة من الانتحاريين». واضاف ان «الفرد الفلسطيني وصل الى حد الشعور انه اصبح الخاسر الوحيد سواء بقي ساكتا على ما يواجهه يوميا او إن قام بعمل عسكري معين ضد هدف اسرائيلي».

واتهم كناعنة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون باتباع «استراتيجية مبنية على الفكر الصهيوني القديم وترتكز على القيام باعمال ضد الفلسطينيين لاستثارتهم ثم بمعاقبتهم اذا ردوا لان الجانب الاسرائيلي هو الاقوى». وتابع ان «هدف هذه السياسة هو ايصال الفرد الفلسطيني وبالتالي المجتمع، الى شعور انه الخاسر الوحيد سواء ذهب الى اليمين او الى اليسار».

واشار كناعنة الذي الف عدة كتب عن المجتمع الفلسطيني الى «حالات القمع والاذلال والاهانة التي يعيشها الفرد الفلسطيني يوميا»، معتبرا ان هذا الوضع «يدفعه في النهاية الى التفكير في عمل أي شيء للثأر من انتهاك كرامته».

ورفض فكرة تعرض الانتحاريين لعمليات غسل دماغ من قبل التنظيمات التي ترسلهم.

وقال «ليس هناك خبراء قادرون على القيام بعمليات غسل دماغ، بل بيئة اجتماعية فرضت ظروفها اجراءات الاحتلال اليومية ويتعرض لها كل فرد فلسطيني يوميا». ورأى كناعنة ان هذا الوضع «يوصل الفرد الفلسطيني الى مرحلة تتساوى فيها الحياة مع الموت وتجعله مستعدا للموت وايذاء المتسبب في خلق الظروف السيئة».

واكد ان الفصائل الفلسطينية التي ينتهج معظمها العمليات الانتحارية اسلوبا للمقاومة ضد اسرائيل «قد لا تبذل جهدا كبيرا في البحث عن انتحاريين ليس شرطا ان يكونوا من المنتمين» لها. وقال ان «عدد الذين يفكرون في القيام بعمليات انتحارية ازداد عن السابق».

وذكر كناعنة مثالا على ذلك سيدة في مقتبل العمر «ابدت استعدادها الصادق لعمل شيء شبيه بالهجوم الانتحاري رغم ان وضعها المادي والاسري جيد». واوضح ان هذه السيدة اتخذت هذا الموقف بسبب «اهانة تعرضت لها عند احد الحواجز العسكرية، فكيف إن تعلق الامر باهانات يومية وقمع وظلم؟».

ورفض كناعنة ايضا فكرة ان منفذي العمليات في حالة يأس من الحياة ويفجرون انفسهم رغبة في الموت. وقال ان «الحالة الفلسطينية تتمثل في الموت من اجل الدفاع عن الآخرين ومن اجل الاخرين وليس من اجل النفس ذاتها».

وحول الرسائل المسجلة على اشرطة فيديو التي يتركها منفذو العمليات، قال كناعنة انها تهدف الى «افهام العالم رسالته واسباب تضحيته بنفسه واعلام الفلسطينيين الآخرين بأنه مات من اجلهم».