صاحب مذكرة الطلاب العرب في فونيكس استعان بعميل للمباحث الأميركية اعتنق الاسلام واخترق التنظيمات الفلسطينية

TT

كشفت اوراق قانونية ولقاءات ان عميل «مكتب المباحث الفيدرالي الاميركي» (اف. بي. آي.) الذي قدم في يوليو (تموز) الماضي مذكرة بشأن الاشتباه في طلاب عرب يتدربون في مدارس ومعاهد اميركية للطيران، يعتبر طرفا في ادعاءات تتعلق باخفاقات صاحبت قضية تجسس صينية بالاضافة الى محاولة سرية لجمع معلومات حول المنظمات الفلسطينية بالخارج. ويعتبر العميل المذكور، كينيث ويليامز، من قبل زملائه محققا عنيدا في شؤون مكافحة الارهاب. وكان العميل الاستخباراتي الاميركي هاري جوزيف ايلين قد ظل يطالب «مكتب المباحث الفيدرالي» خلال العامين الماضيين بالتحقيق في شكوى تقدم بها ضد ويليامز وعملاء آخرين في فونيكس فحواها ان هؤلاء عرضوا حياته للخطر بكشف الغطاء الذي كان يعمل تحته الى اجانب كان ايلين يساعد مكتب المباحث في مراقبتهم. كما ان عملاء فونيكس تعاملوا مع ايلين، حسب ادعائه، بصورة تفتقر الى الممارسة المهنية الصحيحة وادعى انهم حاولوا تدميره ماليا عندما سعى الى فك الارتباط بهم. وجاءت اتهامات ايلين في شهادات خطية قدمها لدعم طلب للجوء تقدمت به طالبة صينية تدعى «جوانا شاي». الجدير بالذكر ان هذا الطلب لم تنظر فيه محكمة بعد، بيد ان قضية ايلين تسلط الضوء على جهود مكتب فونيكس في مجال اقامة علاقات مع اطراف اجنبية وجمع معلومات من الخارج. وكان ايلين (54 عاما) يساعد «مكتب المباحث الفيدرالي» في تقديم معلومات حول الطالبة جوانا شاي (32 عاما)، التي كان يشك عملاء المكتب في انها جاسوسة صينية، لكنه وقع في وقت لاحق في غرامها. وكانت شاي قد نفت في طلب اللجوء السياسي الذي تقدمت به الى السلطات الاميركية ان تكون جاسوسة، مؤكدة ان رفض طلبها وابعادها الى الصين يعرض حياتها للخطر لأن الحكومة الصينية، حسب زعمها، تدرك رغبة مكتب المباحث في اقامة صلة بها وربما تعتقد السلطات الصينية انها تعمل لمصلحة الولايات المتحدة. مايك كورتان، المتحدث باسم «مكتب المباحث الفيدرالي»، رفض من جانبه مناقشة اتهامات ايلين بالتفصيل بسبب سرية المعلومات وطلب اللجوء الذي لم تبت فيه السلطات بعد، حسب قوله. اما طلب ايلين الذي ارسله الى «مكتب المسؤولية المهنية» التابع لمكتب المباحث حول التحقيق، فقد نظر فيه ورفض بحجة ان «لا مبرر له».

واكدت مصادر استخباراتية يوم اول من امس غالبية الجوانب المتعلقة بإيلين بما في ذلك حقيقة انه شخص «محترم» وانه يمثل مصدرا قيما ومهما يزود مكتب المباحث بمعلومات حول العرب في فونيكس والاراضي التي تحتلها اسرائيل. ونفى مسؤولون ان يكون مكتب المباحث قد عرض للخطر علاقته السرية مع ايلين التي بدأت عام .1994 خلال ذلك الوقت وفرت لمكتب المباحث الفيدرالي، وهو جهاز امني داخلي، موارد ومسؤوليات غير محدودة لتعقب ووقف عمل شبكات تهريب المخدرات والارهاب، بيد ان وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي أي) عارضت الدور المتزايد لمكتب المباحث خصوصا ان جمع المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ العمليات الخارجية من صميم عمل ومهام الوكالة. وستظل عملية تحديد دور ومهام الوكالات والاجهزة الامنية والتنسيق بينها قضية مهمة تواجه التحقيق الذي تجريه لجنة الاستخبارات التابعة للكونغرس في الاحداث التي قادت الى 11 سبتمبر (ايلول). وكانت منطقة فونيكس، التي ظلت مركز جذب للمهاجرين الشرق اوسطيين بفعل مناخها الحار والجاف، قد اكتشفت عقب هجمات 11 سبتمبر (ايلول) كمركز تدرب فيه العديد من الخاطفين المرتبطين بتلك الهجمات بمن في ذلك هاني حنجور الذي قاد الطائرة التي تحطمت فوق البنتاغون. الجدير بالذكر ان ويليامز وعملاء آخرين من منطقة فونيكس ركزوا منذ عام 1996 على جمع معلومات حول طلاب عرب يشتبه في ان لهم صلات بمجموعات ارهابية، اذ استعان العملاء بهاري ايلين، وهو رجل اعمال اعتنق الاسلام عام 1990، في مساعدتهم ببعض المعلومات. ويشار الى ان مصدر هذه المعلومات وثائق قانونية ووثائق سرية اخرى ولقاءات اجريت مع ايلين وجوانا شاي الى جانب مصادر استخباراتية وافادات اشخاص آخرين. وفي منتصف التسعينات اقام ايلين، الذي عمل في مصر وغرب افريقيا والصين، علاقات صداقة مع قادة فصائل عربية مسلحة يشاركهم ايلين الرأي في انجاز استقلال فلسطين، بما في ذلك اربعة فصائل ادرجتها وزارة الخارجية الاميركية في قائمة المنظمات الارهابية. وقدم ايلين، المعروف بـ«ابو يوسف»، الى ويليامز عام 1994 بواسطة موظف سابق بـ «مكتب المباحث الفيدرالي» يعرفه كلاهما. وافق ايلين على مساعدة ويليامز، عضو وحدة مكافحة الارهاب المعروفة بـ «الوحدة 5»، في تعلم بعض جوانب الثقافة الاسلامية واقامة علاقات مع الجالية العربية في فونيكس. وفي اكتوبر (تشرين الاول) 1996، على سبيل المثال، نقل ايلين شكوكه الى ويليامز حول عرب يترددون على مساجد محلية ويتلقون تدريبا في الطيران. واوضح ايلين انه تحدث مه ويليامز محذرا من تلقي هؤلاء تدريبا على قيادة الطائرات وطائرات رش المحاصيل، مؤكدا انه لفت انتباهه الى ضرورة دراسة هذا القضية وخليط الاشخاص المثير للاهتمام.

كان حنجور في ذلك الوقت يقيم في فونيكس وتلقى دروسا في الطيران في كلية على مقربة من سكوتسديل، كما ان لطفي رايسي، الذي القي القبض عليه في بريطانيا بعد هجمات 11 سبتمبر واسقطت التهم الموجهة اليه واطلق سراحه فيما بعد، كان يقيم في ذلك الوقت في فونيكس ايضا. وقال ايلين انه لا يعرف حنجور او رايسي لكنه على صلة باقرباء واصدقاء لهم. طلب مكتب المباحث الفيدرالي من ايلين اقامة صلة مع رجل يعرفه باسمه الحركي فقط (ابو سيف)، اذ اخبره ايلين انه كان يتردد باستمرار على مسجد نيوجيرزي الذي دبرت مجموعة كانت تتردد عليه باستمرار انفجار «مركز التجارة العالمي» الاول عام .1993 وكان مكتب المباحث يريد ايلين ان يتجسس على «ابو سيف».

تعمقت علاقة ايلين عام 1997 مع «مكتب المباحث الفيدرالي»، واقام «مؤسسة الصدقة» التي عمل فيها معه محمود ابو مرزوق الصديق القديم لرئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، وبوصفه مديرا لـ «ادارة الدفاع المدني» بغزة، قال ابو مرزوق انه يؤيد جهود ايلين في توفير الخدمات الطبية والخدمات المرتبطة بالمشاريع الاقتصادية الصغيرة في الاراضي الفلسطينية. وطبقا لتعليقات مصادر استخباراتية اميركية، فإن ما كان يجهله ابومرزوق هو ان «مؤسسة الصدقة» كانت تمول بصورة رئيسية بواسطة «مكتب المباحث الفيدرالي». كما ان ايلين وافق على مساعدة مكتب المباحث في تحديد «العناصر السيئة» التي ربما تكون متورطة في مخططات ضد الولايات المتحدة، حسب قوله. وتشير السجلات الى ان «مكتب المباحث الفيدرالي» دفع لإيلين عشرات الآلاف من الدولارات نقدا، وتقول زوجته ان اجهزة التنصت كانت تعمل كلما جاء معارف ايلين الفلسطينيون للزيارة. وكان ايلين يأمل في ان يؤدي هذا الجهد الى اقناع «مكتب المباحث الفيدرالي» بأن اصدقاءه الفلسطينيين يريدون ايجاد حل سلمي للنزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني. زار ايلين قطاع غزة اربع مرات خلال فترة اواخر التسعينات، وفي احدى زياراته عقد مؤتمرا لـ «جبهة سلام» شاركت فيه فصائل لم يحدث ان جلست مع بعضها بعضا في السابق، بما في ذلك «حماس» و«الجهاد» و«فتح» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» و «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين». في نهاية واحدة من الرحلات التقى العميل ويليامز ايلين في تل ابيب ورتب لقاء له مع عناصر في الاستخبارات الاسرائيلية، بيد ان ايلين قال ان نقاشه معهم اقتصر فقط على عملية السلام. وخلال ذلك الوقت طلب «مكتب المباحث الفيدرالي» من ايلين توظيف طالبة صينية والتجسس عليها، اذ كان يعتقد عملاء المكتب انها جاسوسة. وافق ايلين على مراقبة مكتب المباحث لتعامله معها، ومن خلال العمل مع شاي، بما في ذلك رحلة زار خلالها الصين حيث التقى اسرة شاي، بات ايلين مقتنعا بأنها ليست جاسوسة. ورغم ان ايلين متزوج، لكنه اقام معها علاقة غرامية في يونيو (حزيران) .1998 العلاقة بينهما واختلافه في الرأي مع العملاء الذين يرون انها جاسوسة ساهما في تدهور علاقة ايلين مع وحدة مكافحة الارهاب التي يعمل لصالحها بفونيكس، فقد تضمنت بعض الوثائق القانونية والمقابلات افادات من ايلين في اكتوبر (تشرين االاول) 1998 بأن العملاء هددوه بكشف عمله مع دوائر الاستخبارات الاميركية للاشخاص الذين تجمعهم به علاقة وللاستخبارات الاسرائيلية ايضا اذا رفض فض علاقته مع الصينية جونا شاي والمواصلة في عمله معهم. وقال ايلين انه تلقى مكالمة هاتفية بعد مضي وقت قصير من تلك التطورات من مسؤول في «حركة المقاومة الاسلامية» (حماس) مبلغا اياه ان مسؤولا فيها طلب اصدار فتوى بقتله بسبب صلاته مع الاستخبارات الاميركية. وقالت مصادر اميركية انه لم يحدث ان جرى التشكيك في ايلين او كشفت هويته. واصر مسؤولون في «مكتب المباحث الفيدرالي» ان ايلين انهى علاقته مع الصينية جوانا شاي لأن العلاقات الشخصية بين المخبر و«الهدف» امر يخالف التوجيهات واللوائح. علاوة على ما سبق، فإن تحقيق «اف. بي. آي.» حول جوانا شاي لم يغلق بعد. ويقول زملاء ويليامز ان سمعته ناصعة، فقد عمل في السابق، ضابط شرطة بسان دييغو وتدرب كقناص مع «مكتب المباحث الفيدرالي» قبل ان يعمل قائدا لوحدة لمكافحة الارهاب ثم خبيرا في نفس المجال. ويؤكد روجر براونينغ، الضابط المتقاعد بـ «مكتب المباحث الفيدرالي» الذي كان مشرفا على ويليامز لمدة خمس سنوات، على جدية ويليامز في العمل والمهام الموكلة اليه بصورة عامة. يسعى ايلين الى الحصول على اعتذار واجراء تحقيق ويريد ان يتفهم «مكتب المباحث الفيدرالي» مدى الاضرار التي تسبب فيها ويليامز ومكتب فونيكس بمجهوداته الرامية الى انهاء النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني ومساعدة الفلسطينيين في العيش في الاراضي التي تحتلها اسرائيل. ويقول ايلين انه يريد منهم «اصلاح كل ما افسدوه».

ويعتقد ميلفين ماكدونالدز، محامي ايلين الاول والمدعي السابق بولاية اريزونا، ان تصرفات مسؤولي «مكتب المباحث الفيدرالي» في فونيكس مثيرة للشكوك مؤكدا انه شخصيا يشعر بالريبة ازاء عدم عقد هؤلاء المسؤولين لقاء معه لمناقشة بعض جوانب القضية، مؤكدا انه لم يحدث ان احجم مسؤولون عن الجلوس لمناقشة قضية ما. واشار ماكدونالدز الى ان ايلين شخص موثوق فيه في فلسطين وله علاقات جيدة، فلماذا يحاول البعض اغلاق هذا الباب؟ على حد تساؤله.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»